بسم الله الرحمن الرحيم لا أدري متى يهجر الرئيس الخسيس الشنشنة، السافل الطبع، الغواية والفساد، ويجنح إلي الهداية والرشاد، بعد أنّ وطئته الكماة بأظلافها، والخيل بسنابكها، وأمست مضاربه مسرحاً تركض فيه المصائب، وميداناً تتسابق إليه النكبات. إن الطاغية المتسلط الذي يبوء صدره بالضغائن، ويحرك لسانه بالنقائص، لا يستشعر الخوف من الله الذي هو طبيعة في النفس أملته افتقارها الدائم إليه، واعتمادها المطلق عليه، فلم يُعرف له قط قلب واجف، أو دمعُ واكف، بل أنك تكلف الحافظة شططاً إذا سعيت أن تستحضر له موقفاً دلّ على خشيته وإيمانه، أو حدثاً برهن على تبتله وإذعانه، فالغاشم المستبد ما زال ممعناً في عمايته، متردياً في جهالته، متهافتاً في ضلالته، وقد تألق سناه في الفتن والمخازي، وانتشر هداه في جلب المصائب والحروب. إن الدكتاتور المأفون الذي تبرأت منه المروءة، وتجافت عنه شمائل الكرم، قد تفاقم شره، واستطار أذاه، ووجب تنحية نظامه المتداعي الذي كلما رتقت منه جانب تبدى لك جانب آخر، بعد أن استحال لسانه إلي حُسام يشنع أهله ومحكوميه، وسلاحه أداة يفتك بها بشعبه وبنيه، لقد ساءه أن تجتمع الحشود في أقاريز الشوارع، وطنوف العمائر، منددة بحكمه الجائر، تلك الجموع التي لها مسوغات تسندها، ووقائع تعضدها، لم تبتغي إلا الإصلاح وبسط الحريات،ولكن أنى لصاحب الصلف العاتي، والغرور الناتئ، أن يمهلهم حتى ينضجوا رأيهم، ويرسموا خطتهم، ويبتغوا وسيلتهم، لتحقيق ذلك الإصلاح، فحشد ضواري الفتنة، وطواغي الغي، وأقبل بمعيته أوخاش، أوباش، وطنّوا الخوف في كل قلب، وأقروا الذعر في كل منزل، وجعلوا أرتال من البشر يعانون العسف، ويسامون الخسف، والقائد الأممي الذي تبذأهُ النواظر، وتنبو عن منظره الأحداق، يحتال احتيال الذئاب، ويفترس افتراس الأسود، وينكل بشعبه الذي دمغه بالجهل، ونعته بالتخلف، شعبه الذي صبر أربعين عجافاً على متعجرف نفخ شدقه تعاقب السنون على سدة الحكم، وصعر خده مضاء الأيام في بحبوحة الملك. لقد أنعش معتوه ليبيا ذاوي الفتن، وجدّد بالي المصائب، وأوقد حرب ضروس أذلت ناصية الشعب السوداني، وامتهنت كرامته، حروباً طاحنة دارت رحاها بين أبناء القطر الواحد، لم تأصرها آصرة، أو تدركها شفقة، أفضت إلي تهدم النسيج الاجتماعي بين السود الذين شتّ شملهم، وتفرق لفيفهم، واستقر أمرهم، وأستبان طريقهم بعد سعي ولأي على الانقسام والتشرذم. هاهو ملك ملوك أفريقيا يشق كثبان الرمال، وركام الحصى، خائفاً مذعورا، وقد تخلى عنه من كانوا يتسابقون إلي وده، ويتنافسون في رضاه، بعد أن اقتلعت سيول الغضب كل دوحة فينانة رفيعة الدعائم في الطغيان، أثيلة المنبت في الشر، لم يقف صاحب الكتاب السقيم المعاني، المبتذل الألفاظ، على شرفة التاريخ ليستقرأ الدقائق، ويستجلى الحقائق، حتى يتبين أن أصار الظلم لن ينالها النسيان، أو تشوب صفحتها الداكنة أثار الغفلة،عندها لدمغ باطل حكمه بالحق، ودحض سوء خلقه بالدين، ولأتضح له بصورة جلية قول الشاعر السوداني إدريس جماع: لو أدركوا قيمة الإنسان ما جمحت بهم لمقتل إنسان نزوة الأربِ فما يساوي الذي تحوي خزائنهم مجرى دم واحد في الأرض منسكبِ الطيب عبد الرازق النقر عبد الكريم ولاية النيل الأزرق- الدمازين