صلاح أمرك للأخلاق مرجعه فَقَوِّم النَّفس بالأخلاق تستقم نظراً لإمتلاكها أدوات ومعاول الجذب المادي والمعنوي تظل الكيانات الكبيرة وجهةً وهدفاً للمتسلقين وغايةً للنفعيين والإنتهازيين ، يهرولون لها بكلياتهم لا لخدمة الكيان الذي تقمصوا شخصيته وتملقوا الإنتماء له ولكن لخدمة أهدافهم الوضيعة التي لا تمتد شبراً أبعد من محيط ذواتهم المريضة والمحصلة النهائية تشويه الكيان والنخر في جسده والتلاعب بسمعته . أهدافهم الحقيقية المبطنة لا تلتقي مع قيم ومثل أي كيان محترم لكنهم مع هذا يتسابقون في التسلق والتملق والتمشدق بأحلى الأقوال لكن الأفعال تكشف حقيقة ما يعتري نفوسهم ، إنهم دائماً يظهرون ما لا يبطنون . فالأمانة في كافة الأفعال هي ذروة سنام الأخلاق جاءت بها جميع الرسالات السماوية تقويماً لأخلاق الفرد وتوجيهاً له ليتّبع الطريق السوي . لقد أُبتلي المجتمع بمجموعات الشرازم النفعية أيما إبتلاء وذاق من شرورهم وويلاتهم أقسى الجزاء إنهم سادرون في غيهم ، فاسدون ومفسدون ، دائماً ما يختارون الطريق المعوج للوصول لأهدافهم وما أهدافهم إلا ما تشمئز له النفوس الطيبة ، خبث وشقاق ونفاق ، إنهم يختارون طريق الظلام مساراً ، رغم أن الحق أبلج والباطل لجلج . حتى لو كان الطريق نظيفاً ومعبداً تراهم يتركونه ليسلكوا طرقاً وعرة ومتعرجة للوصول إلى أهدافهم النتنة . تجدهم دائماً يخافون من العمل في الضوء ويفضلون العمل تحت ستار الظلام . ليس لديهم للصدق ولا لحب الخير مكان . حب الذات هو مبلغ همهم والأنا هي غاية مبتغاهم حتى لو هلكت عشيرتهم والأقربون ، وشتان ما بين الحق والباطل وشتان ما بين النور والظلام وشتان ما بين الثرى والثريا ، وصاحب العقل يميز ، ولا نود للتبع أن يقولوا (وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السبيلا) صدق الله العظيم ، ونقول من زاد في حبه لنفسه ... زاد كره الناس له ... والغالب بالشر مغلوب . الفساد هو أزمة أخلاق وسوء تربية وضعف إيمان . ولا جدال أن صراع النور والظلام وصراع الخير والشر ، هو تجسيد واقعي للصراع اليومي على مسرح الحياة بين شياطين الأنس والأخيار . فشياطين الإنس على استعداد لاتخاذ كل الوسائل مهما كانت درجة قبحها وقذارتها للوصول للغاية ميكيافيلياً . فللفاسدين أعين لا ترى إلا أهدافها الخاصة وعقول لا تفهم غير الكسب الدنيوي الرخيص ، لهم ابواق ينفخونها متى ما شاءوا لتأليب الناس وزراعة الفتن ليجنوا ثمارها ، ولايهمهم حتى ذوي القربي إن هموا ذهبوا إلى الجحيم . همهم وهدفهم الوحيد هو جمع كل ما يقع في إياديهم من أموال عامة الناس من الضعفاء والمساكين والفقراء حتى إن لم يكونوا في حاجة لها لكن ليكنزونها ذهباً وفضة وتطاول في البنيان ... ثم يتمنون على الله الأماني . أي سبيل للوصول مشروع لديهم ، لا يشبعون من قوت الشعب ولا يرتوون من دمائه ، يعميهم حب الذات من أن يروا سبيل الثواب والبر والخير والإحسان وما ذوي القربي عندهم إلا كصهوات مسرجات يمتطونها حيثما ووقتما شاءوا "وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً" صدق الله العظيم . آفة العمل العام على الدوام هي المطامع الشخصية ، فهي تعمي صاحبها من رؤية الطريق القويم وتقوده إلى طريق الضلالة والضياع والوقوع في حبائل الشيطان ، فالفاسد أحمق لا يرعوي ولا يرى إلا مصلحته الشخصية فقط وقديماً قيل: " أجتنب الأحمق أن تصادقه فلربما أراد الأحمق نفعك فضرك " . فالأحمق تعميه الغيرة والطمع والعناد من الإلتفات إلى القيم والمثل والنواهي )وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ) صدق الله العظيم . أهم الصفات التي يجب أن يتصف بها كل من يتصدى لخدمة الناس طواعية أو تكليفاً هي التحلي بالصبر والجلد ونكران الذات والتجرد من حب النفس والأنا والبعد عن كل عمل أو قول يتنافى مع الأخلاق ، بذلك يمكن أن يرتقي المجتمع فوق الشبهات ويمكن تحقيق الكثير ويمكن كذلك وضع حجارة البناء فوق أساس المستقبل السليم الخالي من الغرض والأنا "وما استعصى على قوم منال إذا الإقدام كان لهم ركاب". فالعمل العام يتطلب قدراً عالياً من الإنتباه لمجموعات النفعيين الذين إن وجدوا سبيلهم للتسلق فلا نجاح لأي عمل ولا مكان لرأي أو سبيل لمبادرة لأن أهدافهم تتنافى مع ذلك . فهذه المجموعات تحصر دائرة المتعاملين معها في أضيق نطاق وتتحرك في شكل جماعات صغيره جداً وعصابات تخطط للمتاجرة بقضايا البسطاء حتى يسهل لها الإنفراد بالقرار والأهم من ذلك الإنفراد بالإنتفاع بشتى ضروبه ، فهم لا يعملون لصالح الناس ولا يريدون للآخرين أن يعملوا ، لهم حيلهم ومكرهم وكيدهم العظيم تجدهم دوماً غارقين في همومهم الشخصية فقط ونافرين من الجماعة ، لا يصحون من غيبوبتهم العميقة إلا حينما يسمعون أن جهة ما تقوم بعمل ينفع الناس بلا مقابل ... حينها فقط يصحون من إستكانتهم وثباتهم العميق يسنون سيوفاً صدئة وألسنةٍ حداد يشتمون هذا ويسبون هذا ويلفقون الأكاذيب ضد هذا صداً للحق بشتى السبل المنكرة وبمنتهى حيل الحماقة وعدم الكياسة . إن المواقف في كافة أمور الحياة تعتبر مسؤولية فردية ويجب أن يعي أي فرد منا المسؤولية الربانية الملقاة على عاتقه وليعلم إنها - أي المسؤولية الفردية - تقتضي أن يعرف الفرد منا الحق حقاً ويلتزمه ، ويعرف الباطل باطلاً ويجتنبه (اللهم أرني الحق حقاً وأرزقني إتباعه وأرني الباطل باطلاً وأرزقني إجتنابه) . فالحساب يوم الحساب فردي فهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم يرشدنا إلى فعل الخير ويحضنا بأن لا يكون الفرد منا إمعة إن أحسن الناس يحسن وإن أساءوا يسئ ( وَلا تُطِيعُوا أَمْر الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض ولا يُصْلِحُونَ) صدق الله العظيم . يجب أن يحاصر الفاسد بواسطة المجتمع قبل أن محاسبته بواسطة القوانين ، فإن تبرأ المجتمع من الفاسدين ولفظهم فلا مكان يسرحون ويمرحون فيه ، وسيصبحون كالفراشات إلى نار الهوى جئنا إليها واحترقنا ، فالإحترام والتقدير الذي يجده الفاسدون من المجتمع لا بد أن يواجه بتوعية مكثفة للمجتمع لإتخاذ مواقف ثابتة من الفاسدين ، لأن الفاسد لا يتوانى في مص دماء من أحترموه وقدروه خاصة إذا وُضع الفاسد في مقامه وأُلبس جلبابه المناسب كلص يسرق قوت الناس ليس إلا ، وحتماً سيكون ذلك أقوى علاج وأنجع وسيلة لمكافحة الفساد فعلاج المجتمع أوقع وأشد على الفاسد بالمقارنة مع إجراءات القوانين التي تتعامل بالأدلة والإثباتات ... فالفاسدون دوماً لهم أساليبهم الملتوية وبارعون في التعامل مع القضايا القانونية . فالخيرون في هذا المجتمع كثر فإن ارتفع صوت الحق حتماً سوف يزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ... طريقنا كأمة لها رسالة واضح المعالم جلي الأهداف والمرامي يفرض علينا دائماً الوقوف مع الحق وإلتزام جانبه فهذا هو منهج الأمة الثابت في تحديد المواقف ، فالحق هو المبدأ الذي يجب أن لا نحيد عنه جميعاً فلندعم كل من يعمل من أجل الحق ونقف ضد كل من يعمل في الظلام هدماً للمصلحة العامة "وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً" فالكلمة إذا خرجت من القلب دخلت القلب ، وإذا خرجت من اللسان لن تتجاوز الآذان .