أمواج ناعمة لا أدري على وجه التحديد من صاحب (العبقرية) التي أهدتنا مصطلح (ربيع الثورات العربية) لكن الشك يساورني أن من أطلق هذا المصطلح ذلك (البعبع) صاحب المصلحة في أن ينشغل العالم العربي عن بكرة أبيه عن العدو الحقيقي المغتصب لأرض فلسطين.. إسرائيل هي التي تقطف ثمار ما يسمى بربيع الثورات العربية.. قناة الجزيرة على سبيل المثال تركت مهمتها الأساسية في كشف ممارسات العدو الإسرائيلي وأصبحت تقدم لنا بشكل رتيب وممل أخبار (الثورات) في اليمن وسوريا.. لا الربيع قدم إلى تلك البلاد ولا استطاعت حكوماتها أن تدعم المجهود العربي في مواجهة العدو الحقيقي.. اليمن التي تغالب شبح الانفصال زاد عوزها ومسغبتها بسبب توقف عجلة الاقتصاد نتيجة لتلك التظاهرات المقعدة عن العمل. هدف ما يعرف بنظرية الفوضى الخلاقة في العقل السياسي الأمريكي ليس إزالة الدولة إزالة تامة بل المطلوب إعادة تأهيلها على نحو يخدم مصالح أمريكية إستراتيجية.. ما نراه اليوم في العراق دليل إشارة ودليل قوي على نظرية الفوضى الخلاقة.. فالدولة مستهدفة في بقائها لا زوالها بشرط خضوعها لإعادة تأهيل تخدم الغايات الأمريكية.. خوفي أن تتحول بعض الثورات إلى حالة فوضوية دائمة، لا الثوار يبلغون أهدافهم ولا النظم المتشبثة تنهار وتنزوي وتتحول المنطقة برمتها إلى حالة من الفوضى تمكن الولاياتالمتحدةالأمريكية من ترتيب أوضاع المنطقة وفقا لمصالحها واستراتيجيتها.. نظرية "الفوضى الخلاقة" نادت بها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس ومعها عدد كبير من الساسة الأمريكيين، وأصبحت الفوضى الخلاقة بذلك نظرية أمريكية تلائم هذه الألفية المأزومة بالطغيان الأمريكي.. "الفوضى الخلاقة" مصطلح صمم في معهد "أمريكان انتربرايز" وهو قلعة المحافظين الجدد، يلخص إستراتيجية كاملة أعدت للمنطقة العربية، تهدف إلى إجراء "حملة طويلة من الهندسة الاجتماعية" تفرض بالقوة.. مايكل ليدن، العضو البارز في المعهد، يقول: "إن الوقت قد حان لكي تصدر الثورة الاجتماعية من أجل إعادة صياغة المنطقة العربية ليس عبر تغيير النظم فقط، بل والجغرافية السياسية كذلك، انطلاقاً من رؤية خاصة تقود إلى "تصميم جديد لبناء مختلف"!!. قد لا يختلف معي أحد في أن ظروف دول المنطقة تختلف من دولة إلى دولة وذلك لعمري أمر يقودنا إلى نتيجة موضوعية وهي أنه ليس بالضرورة أن تنهار الانظمة واحدا تلو الآخر مثل قطع الدومينو، وإلا فإن الشك سيساورنا لا محالة في بعض الاحداث يحركها أو يستفيد منها من اطلقوا ما يسمى بنظرية الفوضى الخلاقة.. كانت الصومال تحت نظام حكم ديكتاتوري برئاسة الراحل محمد سياد بري ولكن بزوال نظامه مع كل مشاكله تحولت البلاد إلى فوضى عارمة ولم تعد هناك دولة بالمعنى المعروف وظلت الفوضى تحصد الآف وربما ملايين الصوماليين منذ أكثر من عشرين عاما.. الإفراط في إثارة الشعور بعدم الثقة في الحكومات والقادة، رغم القناعة بعدم صلاحية كثير منهم إلا أن ذلك قد لا يخدم المصلحة القومية العليا، وعليه فإن هذه المسألة تحتاج إلى معالجة متوازنة بشكل دقيق تأخذ في اعتبارها هذه الأمور المتداخلة والمعقدة.. هذه ليست دعوة لمهادنة الأنظمة الظالمة ولكنها دعوة لنظرة فاحصة ومتأملة تعكف على استخلاص العبر وقراءة المسرح السياسي الدولي بعمق ومن ثمّ ترتيب الأولويات الوطنية.