أتيحت لنا نحن مجموعة من الصحفيين السودانيين الجلوس و(الدردشة) مع رابع مرشح للرئاسة في مصر، الفريق أحمد حسام خير الله الذي يزور الخرطوم هذه الأيام زيارة وصفت بأنها خاصة لحضور احتفالات إحدى الطرق الصوفية في السودان.. معلوم أن الفريق أحمد حسام كمال حامد خير الله، وشهرته حسام خير الله، تقدم بأوراق ترشحه، مرشحاً رسمياً عن حزب السلام الاجتماعي.. الجلسة أبانت انزعاج الرجل من تصاعد ما يعرف بالتيار الإسلامي في مصر ورأيه السلبي فيه.. حسام قال إن نسبة الأمية في مصر تصل إلى 30% معتبرا أن ذلك يفسر نتيجة الانتخابات الأخيرة في مصر أي أنه يرى أن تزايد أعداد السلفيين في البرلمان الحالي بسبب ارتفاع نسبة الأمية!! الرجل صاحب خلفية عسكرية وهو الوكيل السابق لجهاز المخابرات العامة، ولم يكن مستغربا إعلان أنصار حملة اللواء عمر سليمان آخر رئيس لجهاز المخابرات المصري قبل الثورة، الانضمام لحملة الفريق خير الله، وذلك بعد أن حسم سليمان موقفه بأنه لن يخوض انتخابات الرئاسة.. حتى أن المكتب الإعلامي لحسام خير الله أشار إلى أن انسحاب سليمان أسهم في ازدياد أنصار خير الله لدرجة كبيرة. أعتقد أن الرجل لا يريد ما يعرف بالإسلام السياسي وفي مقابل ذلك يسعى لمحاربته عبر دعم نوع آخر من الإسلام – إن جاز التعبير - وهو الإسلام المدجن أو البعيد عن السياسة، فهو يسعى بصورة أو أخرى لشكل من أشكال العلمانية بإبعاد الدين عن الحياة السياسية على عكس ما تشتهي التيارات الإسلامية.. خير الله الذي جاء إلى الخرطوم خصيصا لحضور احتفالات إحدى الطرق الصوفية في السودان، قال من قبل في تصريحات صحفية: (إن حالة الفساد الأخلاقي المنتشرة حالياً أحد أسبابها تقصير الدعاة وخروج دعاة جدد في المجتمع المصري يهتمون بالدعوة إلى تياراتهم أكثر، مما يهتمون بالدعوة).. إذا يريد خير الله إطارا وأسلوبا معينا للإسلاميين لا يقربون السياسة البتة. عموما كان جو (الدردشة) أريحيا تناول علاقات الشعبين في البلدين.. الجميع اتفقوا على ضرورة مغادرة المحطة العاطفية في علاقات البلدين.. إذ إن الحديث (الكلاسيكي) بشأن أن مصر امتداد طبيعي للسودان وكذا السودان امتداد طبيعي لمصر، قد حان الوقت لأن يتم تجاوز تلك المحطة إلى محطة الفعل الحقيقي.. آمال وأحلام الشعبين في تحقيق التكامل الذي أصبح ضرورة ملحة؛ لاشك أنها متسوّرة بأسوار العقلانية والموضوعية.. أول رئيس يزور مصر بعد الثورة كان الرئيس السوداني عمر البشير، وكانت أول زيارة خارجية يقوم بها رئيس الوزراء المصري بعد الثورة إلى السودان.. اتفق معنا الرجل على حرج الموقف الأمني في مصر.. إن خوفي أن تتحول بعض الثورات إلى حالة فوضوية دائمة، لا الثوار يبلغون أهدافهم ولا النظم المتشبثة تنهار وتنزوي وتتحول المنطقة برمتها إلى حالة من الفوضى تمكن الولاياتالمتحدةالأمريكية من ترتيب أوضاع المنطقة وفقا لمصالحها وإستراتيجيتها.. هدف ما يعرف بنظرية الفوضى الخلاقة في العقل السياسي الأمريكي ليس إزالة الدولة إزالة تامة بل المطلوب إعادة تأهيلها على نحو يخدم مصالح أمريكية إستراتيجية.. فالدولة مستهدفة في بقائها لا زوالها بشرط خضوعها لإعادة تأهيل تخدم الغايات الأمريكية.. ما نراه اليوم في العراق دليل إشارة ودليلا قويا على نظرية الفوضى الخلاقة. "الفوضى الخلاقة" مصطلح صمم في معهد "أمريكان إنتربرايز" وهو قلعة المحافظين الجدد، يلخص إستراتيجية كاملة أعدت للمنطقة العربية، تهدف إلى إجراء "حملة طويلة من الهندسة الاجتماعية" تفرض بالقوة.. مايكل ليدن، العضو البارز في المعهد، يقول: "إن الوقت قد حان لكي تصدر الثورة الاجتماعية من أجل إعادة صياغة المنطقة العربية ليس عبر تغيير النظم فقط، بل والجغرافية السياسية كذلك، انطلاقاً من رؤية خاصة تقود إلى "تصميم جديد لبناء مختلف"!! لقد فوجئت الولاياتالمتحدةالأمريكية بسقوط الأنظمة الموالية لها في المنطقة مثل قطع الدومينو.. قبيل سقوط أول الأنظمة المنهارة وقد كان النظام التونسي، كانت الافتراضات الأمريكية تقول: إن الأنظمة الحليفة قوية جدا وعلى استعداد لنشر أجهزة أمنها لغرس الخوف واستخدام القوة إذا لزم الأمر.. والجماهير خائفة وأملها ضئيل جدا في تحدي هذه الأنظمة.. تلك الافتراضات أعلن عنها أحد دهاقنة السياسة الخارجية الأمريكية.. دينيس روس أقر وفي محاضرة طويلة ألقاها في مؤتمر رابطة مكافحة التشهير في واشنطن بأن الولاياتالمتحدة تفاجأت بالأحداث التي تشهدها المنطقة، وقال بلغة الخائف والمتوجس أنها "تحمل في طياتها فرصا هائلة ومخاطر كبيرة".. (الفرص الهائلة) ليس من بينها بالطبع نشر الديمقراطية والسلام ولكن هي الفوضى الخلاقة التي من خلالها تفتيت الدول وجعلها شذرا مذرا. المصدر: الشرق القطرية 6/4/2012م