كلام الناس *المشاكل الاجتماعية قديمة منذ جدودنا الأوائل هابيل وقابيل اللذين اختلفا حول المرأة ونتج عن ذلك أول جريمة قتل في تاريخ البشرية. وللأسف كلما تقدمت البشرية كلما تقدمت وسائل الجريمة وتفنن المجرمون وابتدعوا أساليب أكثر وحشية وعنفاً. *لسنا من أنصار البكاء على أطلال الماضي لكن الواقع الاقتصادي والاجتماعي جعلنا نتحسر على أيام الحبوبات اللاتي كن أكثر حنيةً ورحمةً من حبوبات هذه الأيام دون أن نظلم المرأة الحديثة التي وجدت نفسها متنازعة بين عالم متخيل تجسده المسلسلات والنجوم الرومانسيون الذين لا يشبهوننا في شيء وبين العالم الواقعي الذي نعشقه بكل ما فيه من منغصات مادية وإهمال عاطفي. *نقول هذا بمناسبة الاهتمام المتأخر بالظواهر الاجتماعية وكثرة الحديث هذه الأيام عن الإعلام الاجتماعي سواء في الحلقة القطرية التي نظمها المركز العربي للتأمينات الاجتماعية حول إدماج المرأة العاملة في القطاع غير المنظم في الحياة الاقتصادية خاصة "بائعات الشاي" أو في منتدي (السوداني) الذي أقمناه الأسبوع الماضي بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة المخدرات. *إننا نعلم أن الظواهر الاجتماعية متداخلة ومتشابكة بحيث لا يمكن عزلها عن الظواهر الإنسانية والاقتصادية والثقافية والسياسية و...الخ.. لكن ما طفح في مجتمعنا الذي مازلنا نعتبره مجتمعاً محافظاً من موت مجاني لعشرات المشردين والمشردات في الأيام الماضية بسبب تعاطيهم السبيرتو(الميثانول) دق ناقوس الخطر للمسؤولين ولكل المعنيين بمستقبل الشباب والمجتمع عامة. *للأسف طغت المعالجات الأمنية على المعالجات الاجتماعية والتربوية والنفسية، حتى بالنسبة للقطاء من مجهولي الأبوين نجد هذه المعالجات الأمنية التي تمتد منذ استلام اللقيط وحتى عند تسليمه لأسرة بديلة، وللأسف تراجع الدور الاجتماعي والنفسي تماماً، وهذا ما نبهنا له عند الحديث عن بائعات الشاي اللائي كن يُلاحقن ويطاردن أمنياً وإدارياً قبل أن ينتبه المسؤولون إلى أهمية تقنين عملهن بل وحمايتهن اجتماعياً وأسرياً وصحياً. *إذا عدنا للأسرة ذاتها التي هي نواة المجتمع والتي إذا صلحت صلح المجتمع كله نجد أنه للأسف طغت فيها عوامل التفكك أكثر من عوامل الترابط، ليس فقط لأن الأسر الممتدة التي كانت متماسكة في "الحوش الكبير" قبل أن تجبر الأسر على السكن في "أنصاف بيوت" و"جخانين" تتحول بالكاد إلى مكان للنوم بعد عناء يوم طويل لجميع أفراد الأسرة. *إن الاشارات المخيفة التي تطفح على صفحات الصحف الاجتماعية والسياسية أيضاً من حالات طلاق وإعسار وجرائم غريبة عن مجتمعنا وعطالة مقننة مع سبق الإصرار والترصد، تحتاج منا لوقفة حقيقية ليس للبكاء على الزمن الجميل الذي لن يعود وإنما لمحاولة التكيف مع الواقع الصعب بمزيد من الاهتمام والرعاية والحب الذي نحتاجه جميعاً نساءً ورجالاً، كباراً وصغاراً وهذا هو أضعف الإيمان للحفاظ على أسرنا من التفكك وأولادنا وبناتنا من الانحراف والجريمة. ------------------------------------------ صحيفة السوداني