(كلام عابر) دعا السيد والي الخرطوم أفراد الشرطة، كما ورد في الأخبار، إلى عدم التسلط على الناس باسم القانون وإنما حمايتهم من أمراض المجتمع لافتا النظر إلى ضرورة التعامل مع المتهم معاملة كريمة وذلك بأن ينحصر دور الشرطي في توصيل المتهم لمؤسسات القانون والعدالة مجددا الدعوة للإعلاميين والعلماء للمشاركة في مراجعة قانون النظام العام ، وأكد أن تطبيق القانون لن يستثني أحدا مهما علا شأنه مؤكدا أيضا أنه لا يجوز شرعا مداهمة الناس في منازلهم ونشر عيوب الناس. في المجتمعات الديمقراطية يحترم المواطن رجل الشرطة ليس خوفا ولا رهبة ولكن إدراكا لدور رجل الشرطة في حماية المجتمع وأمنه، فللمواطن في تلك المجتمعات حقوق تؤكد احترام الدولة له، وبالمقابل يلتزم المواطن باحترام القوانين التي يحترمها ويتساوى أمامها الجميع. الشرطة أحد أهم الأجهزة في أي دولة لأنها مرادف للأمن في ذهن المواطن لأنه يشعر بالحماية والأمان في وجودها، لكن الشعور يختلف حينما يشاهد المواطن حشود سيارات الشرطة تستخدم كأداة للقمع أو تأمين الكبار وتختلف الصورة متى ما خضعت الشرطة للقانون بدلا من أن تخضع للحكومة، ومن السهل حينها أن يخضع المواطن بدوره للقانون. وتعاني الشرطة في كل المجتمعات بدءا بأمريكا ومرورا بهونج كونج وسنغافورة وبوليفيا والمكسيك وكينيا ومصر وانتهاء بنيجيريا من أوجه القصور بدرجات مختلفة والتي يدخل فيها الفساد والسودان ليس استثناء من بلدان الدنيا، والفساد لا يقتصر على الحصول على الأموال بطرق غير مشروعة ولكنه يشمل كافة الممارسات السيئة وانتهاك حقوق الآخرين ، وأسباب ذلك في رأي العالم الجنائي ديفيد كارتر ،اعتمادا على عدد وفير من الدراسات، تعود إلى الجشع وحب الذات وشهوة الجنس وشهوة السلطة والتعصب الثقافي والتنشئة الخاطئة، وسوء انتقاء الأفراد ، وسوء الاشراف والتوجيه ،وغياب المحاسبة الواضحة، بينما يعزي أو. دبليو ويلسون أسباب قصور الشرطة إلى المجتمع بأسره لأن المواطن بسلوكه الخاطيء يساهم في إفساد رجال الشرطة فيما يعرف بنظرية "المجتمع بأسره" ، كما إن التسييس أثبت أنه عامل سالب للشرطة يفقدها فضيلة الانضباط . وليس هناك أجمل ولا أروع مما قال السيد الوالي عبدالرحمن الخضر فقد وجه رسالة حضارية ليس للشرطة وحدها ولكن للمجتمع بأسره، وإذا تنزلت هذه الرسالة إلى واقع معاش على الأرض فإن بلادنا تستطيع أن تناطح في ديمقراطيتها ورقي مجتمعها أرقى بلدان العالم وأكثرها ديمقراطية.جهاز الشرطة في بلادنا يحتاج لإعادة تأهيل عام لغرس مفاهيم جديدة من احترام القانون واحترام المواطن وترسيخ مبدأ "الشرطة في خدمة المواطن" وليست سيدة له، والمواطن نفسه في حاجة لإعادة تأهيل ليكون واعيا بواجبات الشرطة وحدود صلاحياتها من جهة، وليكون واعيا من جهة أخرى بحقوقه وواجباته كمواطن وليكف عن الممارسات التي تشارك في إفساد الشرطة. وفي مصر ، عقب ربيعها العاصف، تجري اليوم عملية إعادة تأهيل واسعة للشرطة المصرية حيث تخضع مكونات إعادة التأهيل الآن للدراسة المتخصصة تمهيدا لدور ومفهومين جديدين للشرطة. السيد عبدالرحمن الخضر رجل يحسن انتقاء جميل الكلام، ولكن كلماته الجميلة ليست وحدها كافية لكف تسلط الشرطة على الناس والتزامها بالقانون وتطبيقه على الجميع، فلا بد في البداية من ترشيد القوانين نفسها ولا بد من حسن اختيار عناصر الشرطة،فارتقاء الأداء وعلو قيمته رهين بارتقاء العنصر البشري الذي يؤدي العمل ، ويتبع ذلك تحسين وضع الشرطي في بلادنا وتوفير احتياجاته المشروعة من راتب مجز وعلاج وسكن وتعليم لأبنائه حتى لا يدفع ضغط الحاجة للجوء لموارد غير مشروعة ، وحتى تكون مهنة رجل الشرطة في حد ذاتها مهنة جاذبة للعناصر ذات الخلفيات الاجتماعية والمعرفية والثقافية الطيبة، وشوارعنا تعج بالمتعلمين المتبطلين الذين ستجذبهم بلا شك الشرطة وهي تحمل وجها جديدا وجميلا سيجد قبول المجتمع واحترامه. الشرطة المنضبطة مرآة لتحضر ورقي أي مجتمع. (عبدالله علقم) [email protected]