مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    أهلي القرون مالوش حل    مالك عقار – نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي يلتقي السيدة هزار عبدالرسول وزير الشباب والرياض المكلف    وفاة وزير الدفاع السوداني الأسبق    بعد رسالة أبوظبي.. السودان يتوجه إلى مجلس الأمن بسبب "عدوان الإمارات"    السودان..البرهان يصدر قراراً    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    أزمة لبنان.. و«فائض» ميزان المدفوعات    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    شاهد بالفيديو.. خلال إحتفالية بمناسبة زواجها.. الفنانة مروة الدولية تغني وسط صديقاتها وتتفاعل بشكل هستيري رداً على تعليقات الجمهور بأن زوجها يصغرها سناً (ناس الفيس مالهم ديل حرقهم)    اجتماع بين وزير الصحة الاتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    شاهد بالفيديو.. قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل يكشف تفاصيل مقتل شقيقه على يد صديقه المقرب ويؤكد: (نعلن عفونا عن القاتل لوجه الله تعالى)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    حملات شعبية لمقاطعة السلع الغذائية في مصر.. هل تنجح في خفض الأسعار؟    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حركة العدل والمساواة السودانية ترفض المحاكمة السياسية للمفكر د عمر القراى
نشر في السودان اليوم يوم 24 - 05 - 2011

تعلن حركة العدل والمساواة السودانية عن تضامنها مع المفكر والناشط د عمر القراى الذى يدبر له جهاز امن المؤتمر الوطنى محاكمة سياسية بالخرطوم يوم 9 2 مايو 2011 على خلفية كتابة ونشر مقالة فكرية تضمنت مرافعة فى الدفاع عن كرامة وشرف الناشطة (صفية اسحق) التى كسرت حاجز الخوف حين كشفت الحقيقة بنفسها فى اجهزة الاعلام المختلفة وصرحت بانها تعرضت للاغتصاب من جهاز امن المؤتمر الوطنى -- بهدف استعمال (الاغتصاب) كاداة لقمع النساء من ممارسه العمل العام والتظاهر ضد النظام -- اننا فى دارفور نعلم يقينا كيف استخدم نظام المؤتمر الوطنى الاغتصاب كاداة من ادوات الحرب لكسر ارادة شعبنا -- لذلك تشاطر الحركة الناشطة (صفية) واسرتها الكريمة ماساتهما -- وتقف الحركة بصلابة ضد المحاكمة السياسية الجائرةللناشط د القراى التى تنوى حكومة المؤتمر الوطنى تمثيلها يوم 29 مايو الجارى
وحركة العدل والمساواة اذ تعلن عن رفضها لهذة المحاكمة السياسية للمفكر والناشط د عمر القراى تؤكد انها لا تضمن له محاكمة عادلة فى ظل دولة استبدادية يهيمن فيها جهاز الامن السياسى على كل مناشط الحياة لدرجة اننا لا نامن ان يصدر الحكم ضد د القراى من جهاز الامن قبل ان تنعقد المحكمة -- فجهاز الامن له عناصره فى النيابة العامة -- وله عناصره داخل القضاء -- اذن المسالة محسومة سلفا -- اننا ندرك ونعى اننا فى دولة تفتقر الى لعدالة -- وقد قامت بالتستر على المجرمين الذين ارتكبوا الفظائع فى دارفور ولم تقدمهم حتى اليوم للمحاكمة -- كما رفضت تسليمهم للمحكمة الجنائية الدولية -- وقد قامت الدولة بتحصينهم بالمناصب الدستورية -- وزورت لهم الانتخابات لابقائهم فى هذه المناصب -- وامتنع رئيسها عن الامتثال للعدالة الدولية
تدعو حركة العدل والمساواة السودانية كل السياسيين والنقابيين والناشطين فى كافة مؤسسات المجتمع المدنى الى التضامن مع د القراى والرد على هذه المحاكمة السياسية بموقف سياسى حاسم -- وتصعيد النضال ضد النظام بهدف اسقاطه بالوسائل السلمية المجربة -- ولكسر حاجز الخوف واللحاق بربيع العرب
ابوبكر القاضى
مشتشار رئيس الحركة للشؤون العدلية وحقوق الانسان
من مقالات د. عمر القراي
عندما يتطاول الأقزام !!
د/ عمر القراي
عن اجراس الحرية
لم أر في الآونة الأخيرة، رجلاً منذور الحظ من الحساسية، متبلد الشعور، غث العبارة، يتمتع بقدر مهول من السماجة، والفظاظة، وقلة الذكاء الفطري، مثل الطيب مصطفى، صاحب صحيفة "الانتباهة" . أسمعه وهو يقدم نصيحة، للاستاذة أسماء محمود محمد طه: ( أود أن انصح اسماء محمود محمد طه بأن تنعتق من زمرة شياطين الإنس فقد قرأت أنها مع كثيرين غيرها خرجت من قيد والدها الهالك بمجرد ان جندل
وسقط في مزبلة التاريخ فهلا تبرأت من والدها كما تبرأ ابراهيم الخليل من أبيه آزر) !! (الإنتباهة العدد 1479 بتاريخ 10 يناير 2010م). فهل يمكن لرجل به مسكة عقل، أن ينصح إمرأة واعية، يريد لها ان تنتفع بنصيحته، وتستجيب لها، يحدثها بأن أباها (سقط في مزبلة التاريخ)، ويريد لها ان تقبل كلامه، كناصح أمين، وهو يقول عن أبيها (الهالك) ؟! أليس من الجلافة، وبداوة الطبع، أن يحدث رجل إمرأة، أي كانت، عن أبيها بهذه الصورة السخيفة ؟! وهل الطيب مصطفى، حسب فهمه المتواضع للدين، مطالب بإتباع سنة ابراهيم عليه السلام، أم سنة محمد صلى الله عليه وسلم ؟! فحين نزل قوله تعالى في شأن المنافقين (أستغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين) جاء (روى العوفي عن أبن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لما نزلت هذه الآية أسمع ربي قد رخص لي فيهم فوالله لأستغفرن لهم أكثر من سبعين مرة لعل الله ان يغفر لهم " ... وقال الشعبي لما ثقل عبد الله بن أُبيّ أنطلق ابنه الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان أبي قد إحتضر فأحب أن تشهده وتصلي عليه ... فأنطلق معه حتى شهده وألبسه قميصه وهو عرق وصلى عليه فقيل له أتصلي عليه ؟ فقال : " إن الله قال "إن تستغفر لهم سبعين مرة" ولأستغفرن لهم سبعين وسبعين وسبعين " وكذا روى عروة بن الزبير ومجاهد بن جبير وقتادة بن دعامة ورواه ابن جرير بأسانيده ) (تفسير ابن كثير – الجزء الثاني ص 360 . دار الحديث: القاهرة) . وحتى إبراهيم لم يبدأ بالتبرؤ من أبيه بل بدأ بالاستغفار له، قال تعالى ( إلا قول ابراهيم لابيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شئ )، ولم يتبرأ منه الا ¬ بعد أن تأكد له أنه عدو لله .. وحين كانت السنة السائرة، على عهد ابراهيم، أن يتبرأ الشخص من أبيه إذا كان عدو لله ، كانت سنة النبي الكريم، أن يحضر، ويصلي، ويستغفر، لعبد الله بن ابي بن سلول كبير المنافقين، الذي لم يشك احد في عدائه لله ورسوله .. فأي السنتين أحق بالاتباع لو كنتم تعلمون ؟! وهل قدم الطيب مصطفى، واشياخه في الحركة الإسلامية، عبر تاريخها دليلاً واحداً، على أن الاستاذ محمود عدو لله، حتى يطالبوا بالتبرؤ منه، إتباعاً لنهج إبراهيم، وصداً عن نهج محمد صلى الله عليه وسلم ؟! وهل يستبعد من الطيب مصطفى، وأخوته في المؤتمر الوطني، أن يكفروا الاستاذ محمود، بعد أن كفروا شيخهم، ومرشدهم، لأنه أختلف معهم، حول تقسيم أموال السحت، التي يتجرعونها ولا يسيغونها، من قوت الشعب ودمه ؟! ومع كل ذلك، لم يصف ابراهيم أباه، بهذه العبارات المنتنة، التي يطلقها الطيب مصطفى، بلا رقيب من ضمير، أو خلق .. فلماذا يريد لاسماء ان تقبلها منه، وتستمع لنصيحته ؟! ثم إذا كانت الاستاذة أسماء، قد أنشأت مركزاً ثقافياً، أطلقت عليه إسم والدها، لترفع من ذكره، وتحيي من سيرته الملهمة، لأرفع قيم الدين والبطولة، أليس من البلادة الفطرية ان يقول عنها شخص (فقد قرأت أنها مع كثيرين غيرها خرجت من قيد والدها) ؟! أين قرأت هذه الفرية ، وهل أنت تفهم ما تقرأ ؟! لو كنت تفهم، لحوت صحيفتك البائسة، مناقشة للآراء، والمواقف المخالفة لك، بدلاً من ان تكرر ( كلام ياسر عرمان يفقع المرارة)، ومرة أخرى (تصريح باقان يفقع المرارة )، فأنت دائماً موتور، ومتأذى، من مفاهيم، كان يمكن ان تناقشها وتفندها، لو أنك كنت تفهم ما يقال ويكتب !! يقول الطيب مصطفى ( أريد ان أذكر بأن محمود محمد طه سجن بالفعل من قبل الاستعمار البريطاني لكن هل تعلمون لماذا ؟ أجيب بأن محموداً قد سجن بالفعل لأنه شارك في تظاهرة ضد قرار الاستعمار البريطاني بمنع الختان الفرعوني !! أي الرجل كان من مناصري الختان الفرعوني ولم يخرج لمناهضة الاستعمار البريطاني !! )(الانتباهة 10/1/2010م). وحتى لو سلمنا جدلاً بهذه الحديث الساذج، الذي دلّ به الطيب مصطفى، على جهله المزري بتاريخ هذا البلد، أليس الاعتراض على قرار الاستعمار البريطاني، أي كان هذا القرار، مناهضة للاستعمار ؟! ولماذا لم يترك أشياخ الحركة ¬ الاسلامية، الذين يعتبرهم الطيب مصطفى أئمته وزعماءه، موضوع الختان جانباً، ويعترضوا على قرارات الاستعمارالأخرى، فيسجنوا، لأسباب أخرى، في نفس الوقت، الذي سجن فيه الاستاذ محمود بسبب إعتراضه على قانون الخفاض ؟! أما الحقيقة التي تعامى عنها الطيب مصطفى، فهي أن الاستاذ محمود، سجن قبل حادثة الختان الفرعوني، لكتابة منشورات، وزعت علناً ضد الاستعمار.. فقد جاء ( مثل الاستاذ محمود محمد طه المهندس أمس أمام قاضي الجنايات المستر مكدوال متهماً من بوليس الخرطوم تحت قانون التحقيق الجنائي لتوزيعه منشورات سياسية من شأنها الإخلال بالأمن العام وقد أمره القاضي أن يوقع على صك بكفالة شخصية بمبلغ خمسين جنيهاً لمدة عام لا يشتغل بالسياسة ولا يوزع منشورات أو يودع السجن لمدة سنة إذا رفض ذلك ، ولكن الاستاذ محمود رفض التوقيع مفضلاً السجن وقد اقتيد لتوه الى سجن كوبر) ( صحيفة الرأي العام 3/6/1946م). ولقد كذب الطيب مصطفي، حين قال ان الاستاذ محمود كان يؤيد الختان الفرعوني، فقد جاء في منشور الحزب الجمهوري، الذي كان سابقاً لثورة رفاعة (اننا بمعارضتنا لهذا القانون لا نود ان ندافع عن عادة الخفاض الفرعوني ، أو نحلل الاسباب التي اوحت بها لابناء السودان وجعلتها تستمر بين ظهرانيهم حتى يومنا هذا ، ولكننا نود ان نناقش ترتيبات خاصة وسياسات خاصة إبتدعتها حكومة السودان إبتداعاً وتريد ان تجبرنا على إتباعها) ويمضي المنشور ليقول (إن الخفاض عادة سيئة ولها مضارها المتعددة ، ولكن السودانيين كبقية الشعوب لهم عاداتهم الحسنة ، وعاداتهم السيئة والعادات السيئة لا تحارب بالقوانين وإنما بالتربية والتعليم الواعي .. لا شك ان مجرد التفكير في الإلتجاء الى القانون للقضاء على عادة مستأصلة في النفوس، تأصل الخفاض الفرعوني، دليل قاطع على ان حكومة السودان، أما ان يكون قد رسخ في ذهنها اننا شعب تستطيع القوة وحدها ان تثنيه عن كل مبدأ ، أوعقيدة أو ان تكون قد ارادت ان تقول للعالم الخارجي، أن السودانيين قوم متعنتون، وان تعنتهم الذي ألجأنا للقانون لاستئصال عادة الخفاض الفرعوني الهمجية ... أما القانون في حد ذاته، فهو قانون أريد به إذلال النفوس، وإهدار الكرامة والترويض على النقائص والمهانة .. قل لي بربك أي رجل يرضى بأن يشتهر بالتجسس على عرض جاره ؟ وأي كريم يرضى بأن يكون سبباً في إرسال بنات جاره أو صديقه أو عشيرته للطبيب للكشف ¬ عليهن ؟! عجباً لكم ياواضعي القانون أن تستذلونا باسم القانون ! أومن الرأفة بالفتاة ان تلقوا بكاسبها في السجن ؟! )( منشور الخفاض- الحزب الجمهوري –الأرشيف يونيو 1946م). وإذا كان الطيب مصطفى، لا يقرأ تاريخ الحركة الوطنية، ولا يهتم ليبحث فيه، ألم يقرأ الصحف السودانية في السبعينات، ولو من باب تأهيل نفسه، في مجال الصحافة الذي تقحمه بلا دراية ؟! فقد كتب التجاني عامر، المؤرخ السوداني المعروف، وهو يتحدث عن الاحزاب السودانية ( الحزب الجمهوري: قد يكون هذا الحزب من أقدم الأحزاب السودانية بحساب الزمن، وهو أول حزب صغير، يعمل خارج نطاق النفوذ الطائفي باصرار، بل بمناجزة وصدام، واسمه يدل على المنهج الذي انتهجه لمصير السودان ومؤسس الحزب هو الاستاذ محمود محمد طه، الذي كان من أبرز الوجوه الوطنية، في مستهل حركة النضال ) الى ان يقول ( وقد تعرض محمود للسجن الطويل، في خصومات أيجابية مع الانجليز، منها حادث " الطهارة الفرعونية" في رفاعة، وهو حدث اجتماعي، رفعه محمود الى مستوى المساس بالدين والوطن) ( صحيفة الصحافة 16/4/1975م). والاستاذ محمود لم يدخل السجن ( لأنه شارك في تظاهرة ضد قرار الاستعمار البريطاني بمنع الختان الفرعوني) كما ذكر الطيب مصطفى زوراً وبهتاناً ، وإنما لأنه قاد ثورة رفاعة، إذ خطب في الناس في مسجد رفاعة، وتقدمهم فعبروا النهر، وحاصروا المركز بالحصاحيصا، وحطموا نوافذه ، واخرجوا المرأة من السجن، ورجعوا بها الى أهلها .. وكانت تلك أول مرة، يرغم فيها الاستعمار، على تكسير قراره ، وتراجع هيبته، حتى انفتح الطريق الى المقاومة الحقيقة، للحكم البريطاني. وتم إعتقال الاستاذ محمود، بعد تدخل الجيش، فقد جاء (جاءت قوة كبيرة من البوليس من مدني برئاسة مفتش المركز ، وفي نفس الوقت عسكر خارج رفاعة البلك الرابع من فرقة الهجانة بقيادة الصاغ أحمد عبد الله حامد الذي دخل الى رفاعة برفقة ضابط سياسي وقابل المفتش وكموندان البوليس ورجع الى مقر فرقته واعتقل الاستاذ محمود محمد طه وأحضر الى المركز ، واثر ذلك تحرك جمهور كبير نحو المركز وفي الحال نقل الاستاذ محمود الى معسكر البلك الرابع خارج المدينة وتحركت فصيلة من البلك الرابع لتعزيز قوة بوليس مركز رفاعة ) (الرأي العام 7/10/1946م) ¬ كما جاء في الأخبار ( علمنا أن الاستاذ محمود محمد طه رفض ان يقبل محامياً للدفاع عنه وانه أعلن بأنه لن يدلي بأية اقوال للتحقيق إلا على أساس مناقشة قانون منع الخفاض الفرعوني . وكان الاستاذان المحاميان الاستاذ أحمد خير والأستاذ زيادة قد تقدما للدفاع عن الاستاذ فشكرهما الاستاذ واعتذر لهما بأنه سيباشر القضية بنفسه ) (الرأي العام 12/10/1946م). وحين وقف الاستاذ محمود أمام القاضي ابورنات في محكمة مدني مدافعاً عن نفسه كان مما قاله (1- أهالي رفاعة جميعهم أبرياء ، وزملائي الذين سجنوا أبرياء ، وأنا برئ ، والمسألة في الحقيقة ، سلسلة أخطاء من الإدارة ، من أولها إلى آخرها .. كلما أخطأت الإدارة مرة ، وتمسك الناس بحقهم ، اعتبرته مساساً بهيبتها ، فاستعلت ، وأخذتها العزة بالإثم ، فقفزت في خطأ آخر ، هو في زعمها ، يعيد لها هيبتها في نفوس الناس .. وما علمت أن إجتماع الأخطاء ، لا ينتج منه ولا صواب واحد. (2- الوضع الصحيح المجمل لهذه المسألة ، هو أن الإدارة قد ضربت أهالي رفاعة فصاحوا من ألم الضرب بصوت خفيض ، ثم ضربتهم فصاحوا، ثم ضربتهم فصاحوا ، فاستاءت من أن يصيح المضروب المتألم ، فقدمتنا للمحاكمة ، فكانت هذه المحكمة.. ولو كنا نملك ما تملك ، لقدمناها نحن لهذه المحكمة ، ولكنا لا نملك جيشاً ، ولا بوليساً ، ولا سجوناً وقيوداً ، ولو ترك القطا ليلاً لنام . (3- قلت بالأمس ، إني وبالمثل أي عضو من أعضاء الحزب الجمهوري ، لا أنكر تهمة الإثارة ، لمجرد أنها تهمة إثارة ، إنما أنكر تهمة الإثارة ، بالنقد الذي لا يحترم الحقائق وبالتشويش المغرض .. ولقد كان من دواعي الشرف لي ، ولحزبي ، لو صح أني أنا الذي أثرت أهالي رفاعة حول هذه القضية ، لأنها من القضايا التي نقدنا فيها الحكومة ، وسننقدها الى ان تقلع عنها .. ولكن للأسف ، فإن الإدارة قد سبقتني الى هذا الشرف ، فاثارت أهالي رفاعة ، واثارتني معهم .. فلننظر . (7- قالت جريدة الرأي العام في يوم 24 سبتمبر، تحت عنوان رئيسي " القضاء ينظر في قضية الخفاض برفاعة " ، بعد حديث لها " وقد علمنا من مكتب الصحافة هذا الصباح ، أن قضية الخفاض التي سببت كل هذا الشغب ، هي الآن ، تحت نظر رئيس القضاء بالمصلحة القضائية ، وان التهم الموجهة الى الذين اعتقلوا في هذه الحوادث ، لا دخل ¬ (8- لها بآرائهم في موضوع الخفاض .. ولكنها تتعلق اولاً وأخيراً باستخدام القوة ، لتحقيق غاية ، في الوقت الذي كان في الاستئناف مفتوحاً أمام المتظاهرين. (9- هل باب الاستئناف مفتوح أمام المتظاهرين ؟ .. لننظر . (10- قالت الحكومة في بيان رسمي ، في الصحف ، ما يأتي " حصلت أخيراً في رفاعة حادثة أدينت فيها إمرأة لخفضها ابنتها خفاضا غير مشروع وحكم عليها بأربعة أشهر سجناً ، وقد قدم استئناف لمدير المديرية ، فرفضه ، وحبست المرأة في السجن" .. ومع ذلك فالحكومة تقول إن باب الاستئناف مفتوح !! وهذا الاستئناف رفض مع ان المرأة ، مسجونة بغير أدلة كافبة للإدانة ، وفيما أعلم لم يخبر المستأنفون ، ولا نحن مندوبي الهيئات ، الذين قابلنا المفتش ، بهذا الاستئناف ، وانما أعيدت المرأة للسجن والسلام .. فان لم يكن هذا سوء النيّة والاستخفاف بالناس فماذا عساه يكون؟ (12- مفتش رفاعة ، سجن أمرأة مصونة شابة ، في سجن عمومي مع خادمة عاهرة .. فحدثناه في ذلك ، فاعترف بعدم صلاحية السجن للنساء ، في رفاعة ، فأطلقها بضمانة ، وظل ما ظل
في رفاعة لا يذكرها، فلماذا عندما ذهب الى الحصاحيصا، أمر باعادتها، الى نفس السجن؟! فهل تسمي هذا استخفافاً، بدين الناس، واخلاقهم، أم تسميه جهلاً بالناس، أم هما معاً ؟! سمه ما شئت فهو برهان ثالث . (13- إن تصرف المفتش هذا ، يجعل ما قمت به أنا ، في الجامع ، وما قام به الناس بالمركز ، شيئاً مفروضاً علينا ، في واجب الدين ، وواجب الاخلاق ، وواجب الحياة نفسها ، بل إن الناس قد سلكوا سلوكاً يستحق الثناء ، وقد شرحنا تفصيله للمحكمة ).
يا بوليس ماهيتك كم؟! .. بقلم: د. عمر القراي
[email protected]
حكى أحد المحامين، أن رجل شرطة كانت أمه مريضة، وتحتاج الى عملية تكلفتها عشرة ألف جنيه، ولم يكن لديه بيت ليرهنه، أو شئ ليبيعه، ولما كان قد عمل لأكثر من عشرين عاماً، فقد كتب يطلب سلفية لهذا المبلغ تخصم من راتبه، فرفض طلبه، فتأثر تأثراً بالغاً، وشعر بخذلان وخيبة أمل كبيرة.. وكان يوشك فيما حكى لاصحابه، ان يحضر سلاحه، ويقتل كل من في القسم إبتداء برئيسه المباشر، ولكنه بدلاً من ذلك، جلس في فناء القسم، وأجهش بالبكاء، والتف من حوله بعض اصدقائه يبكون معه؟!
من بين كل القوات النظامية السودانية، التي تتعامل مباشرة مع الجمهور، نجد الشرطة العادية، أكثرها حياداً، وبعداً من التأثر بالنظام السياسي السائد.. وهي التي تسهر، بحق، في حماية المواطنين، والحفاظ على أرواحهم وممتلكاتهم. ولقد حاولت النظم الدكتاتورية، استغلال الشرطة لضرب المواطنين في المظاهرات، لإفشال الثورات الشعبية.. ولكن حين تدرك الشرطة ان الشعب قد خرج بكل فئاته ضد النظام، وأن المظاهرات كبرت، وعمت، بحيث لا يمكن ان تعتبر مجرد شغب، فإنها تنحاز الى الشعب، بلا تردد.. فرجال الشرطة من المواطنين البسطاء المقهورين، الذين تمثل زيادة الاسعار، وضعف الأجور، والفساد العام، إساءة مباشرة، لهم وتضييق حقيقي على حياتهم.. وهم الى ذلك، مطالبون بحماية ممتلكات الذين أثروا بالفساد على حساب حرمانهم، وحرمان أطفالهم. وحين يثور الشعب ضد القهر، والظلم، والفساد، فإن ثورته تمثل، من ثم، مصلحة الشرطة، ولهذا يدرك رجال الشرطة، ان عليهم ألا يؤخروا الثورة بالتصدي للشعب، بما يؤخر نجاح ثورته.. ولعل رجال الشرطة، بما يرونه في الاقسام، ويشاهدونه في المحاكم والحراسات، يدركون أكثر من فئات الشعب الأخرى، جور القوانين وتعسفها، وإن قاموا هم أنفسهم، إتباعاً للأوامر، بتنفيذها.
إن تدهور الخدمة المدنية، عموما، إنعكس ايضاً على تدهور الخدمة النظامية.. فالشرطة الآن، لحق بها كثير من الضعف، لمحاولة الحكومات المتعاقبة تسييسها، وإتباعها للسلطة السياسية، وتسخيرها لإهانة المواطنين، حتى تسوقهم للإستكانة، وتزرع في نفوسهم الرعب، فيسير المواطن في الشارع، وهو يشعر بأنه أصلاً مدان، ينتظر في أي لحظة أن يقبض عليه ويفكر كيف يخرج من تلك المشكلة.. فقد يجرجر بواسطة شرطي لأسباب يعرفها أو لا يعرفها.. خاصة شرطة النظام العام، أو أمن المجتمع، التي يمكن ان تقبض عليك لمجرد ركوب البص من الباب الأمامي، أو إقامة حفل داخل بيتك به رقص، أو لبس فتاة لبنطلون، أو أي لبس يقدر االشرطي أنه فاضح. ومع ان اللوم الأساسي يقع على القوانين الجائرة، مثل قانون النظام العام، الذي جرّم الممارسات العادية للشعب، مثل الغناء، والرقص، في مناسبات الحفلات، وفرض المنع، والزجر، والعقوبة حتى على غير المسلمين، من الأخوة والجنوبيين والأقباط، الذين تداهمهم شرطة النظام العام في أنديتهم و تعتقل فتياتهم بدعوى الزي الفاضح.. وبالإضافة الى سوء هذه القوانين، فإن بعض أفراد شرطة النظام العام، يبالغون في تنفيذ هذه القوانين، حتى نشأ حاجز نفسي، بينهم وبين الشعب، خاصة بناتنا المتطلعات للحرية، واللاتي يستفزهن أن يتسلط عليهن أحد، دون أن يرتكبن خطأ واضح، في عرف أسرهن ومجتمعهن.. وكل الغرض لدى المشرعين السياسيين، هو أن يخوف الشعب، حتى ينأى بنفسه عن التدخل في المسائل السياسية، التي قد تدفع بجموع المواطنين للشارع، فتهب الثورة، التي يمكن ان تسقط الأنظمة الإستبدادية مهما كان تحوطها وحذرها.
ومع أن أجهزة الأمن، هي أيضاً، يجب ان تكون في مصلحة الشعب، إلا انها استغلت، ومنذ وقت بعيد، لتكرس لحماية النظم السياسية، ووضعت لها القوانين، التي تطلق يدها في البطش والإرهاب للشعب، حتى لا يخطر بباله ان يعترض على الحاكم مهما فعل. وجهاز الأمن له رسالة، ينبغي ان يؤديها للمجتمع، وقد وردت في المادة 4 من القانون، وهي (1- يكون جهاز الأمن والمخابرات الوطني جهازاً لتنبيه أجهزة الدولة المختصة بحدوث أو قدوم خطر داخلي أو خارجي يهدد البلاد أو أي جزء منها حرباً كان أو غزواً أو حصاراً أو كارثة طبيعية أو بيئية أو تهديد سلامتها إقتصادياً أو نظامها الديمقراطي أو نسيجها الإجتماعي ولإشاعة بث الطمأنينة وسط المواطنين. 2- يكون الجهاز وخدمته مهنية وقومية تعكس التمثيل العادل للتنوع والتعدد بالسودان)(قانون جهاز الأمن الوطني والمخابرات). فالجهاز إذن أنشأ لحماية الديمقراطية، وهو لكل السودان، باختلافه وتنوعه، وتعدد ثقافاته. ولكن التجربة العملية، وهي اصدق الأدلة، هي ان كثير من الذين اعتقلوا، وصودرت كتبهم، ممتلكاتهم، لم يكونوا اعداء للوطن.. ولكنهم كانوا على خلاف سياسي، او فكري مع المؤتمر الوطني، ولم يزيدوا عن التعبير عن آرائهم.. فالجهاز لم يثبت خلال التسعينات، وحتى توقيع اتفاقية السلام، غير حرصه على حماية النظام، وبطشه بخصومه، وإن كانت معارضتهم سلمية، مثل معارضة طلاب الجامعات.. ولقد استمر هذا البطش اثناء حكومة الوحدة الوطنية، رغم مشاركة الحركة الشعبية في الحكومة، وفي المجلس الوطني، والآن تتصاعد وتيرة هجمة الجهاز الشرسة ضد المواطنين.. ولقد رأينا كيف ان الثورات حين قامت، ركزت في الإصلاح على تقوييم تلك الأجهزة، فقامت الثورة التونسية، بالغاء جهاز أمن الدولة والبوليس السياسي، وتقديم أخطائهما للقضاء المستقل، وفي مصر تم إلغاء أمن الدولة، ورفعت ضده قضايا الفساد والتعذيب، وطالب الثوار أيضاً، بمراجعة الشرطة، وقانونها وصلاحياتها، وما تم من إرتكاب جرائم في أقسامها، ذلك ان الديمقراطية تقتضي سيادة حكم القانون، واستقلال القضاء، وان تكون الشرطة، وكافة القوات النظامية، في خدمة الشعب، لا أداة من ادوات تعذيبه.
في أحدى مظاهرات طلاب الجامعات، في منتصف التسعينات، بسبب زيادة سعر السكر، كان الهتاف المدوي "يا خرطوم ثوري ثوري ضد الحكم الدكتاتوري"، وبمجرد خروج الطلاب من أسوار جامعة الخرطوم، هجمت عليهم الشرطة بالهراوات، والغاز المسيل للدموع، بصورة شرسة، فتحول الهتاف الى "يا بوليس ماهيتك كم؟! رطل السكر بقى بي كم؟!".. وكان هذا الهتاف بمثابة صاعقة سقطت على رؤوس افراد الشرطة، شلتهم لفترة وجيزة عن الحركة، ريثما جاءتهم توجيهات جديدة بالضرب.. ولعل تأثير الهتاف ناتج عن واقعيته، فالشرطي الذي يضرب الطلاب لإحتجاجهم على رفع سعر السكر، هو نفسه متضرر، أكثر منهم، من هذا الإجراء.. لأن مرتبه لو أنفقه كله، لشراء سكر فقط، لن يأتيه بكمية تكفيه هو واسرته لمدة شهر. فهو إذن يريد مثلهم، ان تخفض الحكومة سعر السكر، أو ترفع مرتبه، وليس له مصلحة في بقائها، ما لم تفعل ذلك، خاصة وانها خلقت طبقة مترفة، من كبار المسئولين، والاقارب، والإنتهازيين، لا تهمهم زيادات الاسعار، وقد ركبوا المركبات الفارهة، وشيدوا القصور الشامخة، التي يحرسها لهم أفراد الشرطة، التي يضيقون عليها بزيادة الأسعار، ليجنوا المزيد من الأرباح. ومع ان عاطفة رجال الشرطة ذوي الرتب الصغيرة مع الشعب، إلا ان قادة الشرطة من ذوي الرتب الكبيرة، دائماً مع السلطة التي يرون إنها أمنت لهم أوضاعاً ما كان لهم ان يحصلوها بكفاءاتهم الشخصية. ولهذا نجد مدير الشرطة، يهدد فصائل من الشعب، ان تخرج للشارع، حتى يقمعها، وهو بتهديد شعبه إنما يتملق سلطة غاشمة، يمكن ان تحيله للتقاعد، دون أسباب، كما فعلت بغيره من قبل.. وهو حين يهدد بالقمع، لا يمارس هذا القمع، الذي يهدد به، بيده، وإنما يعتمد على أفراد الشرطة، الذين قلنا انهم اصحاب مصلحة مثل بقية الشعب في التغيير.. ولهذا فإن السلطة مهما فعلت، فإن الشرطة ستلتقي بالشعب في مرحلة من مراحل خروجه في الشارع، فتنحاز له ولا تكترث بتهديد الحكومة متى ما عرفت ان الشعب في معظمه يريد تغيير النظام.
لقد عاملت الشرطة، المظاهرات الاخيرة، بقدر كبير من المهنية، وحسن الخلق.. ورغم ان هناك تفلتات فردية، إلا ان الروح العام الغالب، قد كان محترماً للمعتقلات والمعتقلين، إذ طلبت منهم ومنهن التفرق، وحين رفضوا، طلبت منهم ركوب عربات الشرطة، التي أخذتهم للأقسام المختلفة. ومعلوم ان الوقوف، وحتى التجمع والتظاهر السلمي، حق يكفله الدستور، وإن وضعت الحكومة قوانين غير دستورية، تعطي الوالي حق منع وتفريق أي تجمع، وتوجيه الشرطة للقيام بهذا العمل المخالف للدستور.. ولقد سبق في مناسبات اخرى، أن قامت الشرطة بالضرب للمتجمعين إبتداء، بمجرد رفض فض التجمع، ولكن هذا لم يحدث هذه المرة، بل إن بعض ضباط الشرطة رفضوا فتح بلاغات، أو حبس المواطنين، الذين أحضرهم رجال الأمن لأقسامهم.. وتساءلوا عن جريمتهم، وحين ذكر رجل الأمن أنهم كانوا يتجمعوا ليخرجوا في مظاهرة، ذكر ضابط الشرطة أن هذه ليست جريمة، وإنه لا يمكن ان يحبس أبرياء، ويخشى ان يحاسبه الله إذا فعل ذلك؟! وهكذا أعطى بعض رجال الشرطة، رجال الأمن، درساً في المهنية، والقيمة الدينية والاخلاقية، واضطروهم الى اخذ المعتقلين لأكثر من قسم، قبل ان يتم قبولهم، وحبسهم في أحد الأقسام.. وحين قابل المحامون وكيل النيابة، ليقدموا طلبات الضمان، علموا انه لا يحتاج اليها، وأن الضمان مصدق سلفاً؟! وأن إطلاق السراح يمكن أن يتم لكل المعتقلين، لو ضمنهم شخص واحد.. وأن وكلاء النيابة، توزعوا على الاقسام، ليسرعوا بإطلاق السراح، بسرعة دون تعقيد وتأخير. وهذا ما تم بالفعل، ورغم انه فتحت بلاغات بالإزعاج العام، حتى لا يقال ان الإعتقال تم بلا مبرر، إلا أن النيابة كانت تعلم ان هؤلاء المعتقلين والمعتقلات، من أبعد أفراد هذا الشعب عن الشغب والإزعاج.. وأن النساء اللاتي خرجن يستنكرن ما جرى لصفية، هن من أحرص السودانيات على الشرف والأخلاق، ولهذا استنكرن تلك الفعلة الشنعاء، التي ألحقت الإهانة بجنس النساء، وألحقت عار الأبد، برجال الأمن، الذين تورطوا فيها، وكل من لم يستنكرها، ويدينها، من غيرهم من الرجال. ولقد ذكر بعض المراقبين، ان الحكومة تخوفاً من إنفجار الوضع، أمرت الشرطة بالتهاون، وعدم استفزاز الشعب، حتى تتجنب مصير مبارك وبن علي والقذافي، ولكن دعونا نأمل، أن لا يكون ذلك الموقف النبيل، ناتج عن خوف الحكومة، لأنه لو كان كذلك، فإن الحكومة متى ما اطمأنت على أوضاعها، وتجاوزت التهديد بالتغيير، عادت سيرتها الاولى ووظفت الشرطة، والأمن، لقمع وردع المواطنين الشرفاء. فلنأمل أن الشرطة، وعت بدورها الحقيقي، وأنه بجوار الشعب لا الحاكم، وأنها عرفت أنها صاحبة مصلحة في التغيير، إذا كان النظام لا يريد ذلك، وأن رسالتها هي ان تخدم الشعب، في تجرد، لا ان تخدم الحكومة في البطش بالشعب، وأن عليها رعاية القانون، لا أهواء الحكام، وأجهزة أمنهم.
إن الشعب السوداني يحترم الشرطة، لأنه يرى أفرادها قريبين منه، وهو يتوقع منها، دائماً، ان تنحاز لأبناء الشعب، متى ما تعرض الشعب لخطر حقيقي.. ولكنه لا يحترم جهاز الأمن، ويرى أنه يقوم بحراسة الحكومة، على حساب مصالح الشعب. ثم أن افراد الشعب يمكن ان يختلفوا مع الشرطة ويمكن لهم مقاضاتها وقد يتم إنصافهم منها في أوقات يكون فيها القضاء على قدر من الإستقلالية. أما أعضاء جهاز الامن، ابتداء من اصغر رتبهم، فإن لديهم حصانة، فلا يستطيع احد ان يشتكيهم مهما فعلوا به؟! جاء عن تلك الحصانة في قانون الأمن الوطني في المادة 52:
1- تكون للاعضاء والمتعاونين الحصانات التالية: 1- لا يعتبر جريمة أي فعل يصدر من أي عضو في الجهاز بحسن نيّة أو بسبب أداء اعمال وظيفته أو القيام بأي واجب مفروض عليه أو عن فعل صادر منه بموجب أي سلطة مخولة أو ممنوحة له بمقتضى هذا القانون أو أي قانون آخر ساري المفعول أو لائحة أو اوامر بموجب أي منها على ان يكون ذلك الفعل في حدود الأعمال أو الواجبات المفروضة عليه وفق السلطة المخوله له بموجب هذا القانون.
3-مع عدم الاخلال باحكام هذا القانون ودون المساس بأي حق في التعويض في مواجهة الجهاز لا يجوز إتخاذ أي اجراءات مدنية أو جنائية ضد العضو أو المتعاون الا بموافقة المدير ويجب على المدير اعطاء هذه الموافقة متى ما اتضح ان موضوع المساءلة غير متصل بالعمل الرسمي على ان تكون محاكمة أي عضو أو متعاون أمام محكمة جنائية سرية اثناء خدمته أو بعد انتهائها فيما يقع منه من فعل.
4- مع مراعاة احكام المادة 46 من هذا القانون، ودون المساس بأي حق في التعويض في مواجهة الجهاز، لا يجوز اتخاذ أي اجراءات مدنية أو جنائية ضد العضو في أي فعل متصل بعمل العضو الرسمي الا بموافقة المدير العام، ويجب على المدير العام إعطاء هذه الموافقة متى ما اتضح ان موضوع المساءلة غير متصل باعمال الجهاز (المصدر السابق).
وهكذا، فإن عضو جهاز الأمن، لا يسأل عما يفعل، اذا كان ذلك يتعلق بعمله، الذي يشمل الاعتقال، والحبس، والمساءلة، والمصادرة. ومن هنا، من علم عضو الجهاز بانه لا يسأل، تجي الممارسات السيئة، والتعذيب في بيوت الاشباح. ان العدالة كانت تقتضي، ان يحمل عضو جهاز الأمن المسئولية كاملة فيما يعمل، والا تكون لديه حصانة، تغري بالفساد لضمان الافلات من العقوبة، في نظام يدعي الشفافية، والمساءلة، واحقاق الحقوق، من منطلق الدين الاسلامي، الذي يرفض تحصن السلطان من المساءلة، عند تسلطه على العباد.
إن الشرطة بها عناصر وطنية، حقيقية، تقدم مصلحة الوطن، وتقدرها، وهي تتعامل مع الشعب بالإحترام اللائق، الذي يجعله يقدرها، ويعتبرها جزء اصيل، ينبغي ان يلعب دوره في بناء الوطن، بما في ذلك التغيير، الذي يمكن ان يحدث بصورة سلمية، بإجراءات إصلاح حقيقي تتخذها الدولة.. أو بثورة شعبية، حين ترفض السلطة التغيير، وتسوف لتكسب الوقت، وهي تظن ان الشرطة، دائماً، جاهزة لتقمع لها أبناءها. وهذا ظن فاسد، ووهم شائع، لا تفوق منه الحكومات عادة، إلا بعد فوات الأوان، حين تملأ الجموع الهادرة الشوارع، فيقع الندم، ولات حين مندم.
د. عمر القراي
الإغتصاب .. في ظل الشريعة!! .. بقلم: د. عمر القراي
[email protected]
(وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون!! ولكن لا يشعرون) صدق الله العظيم
لقد وقف الشعب السوداني، رجالاً ونساء، كباراً وصغاراً، إجلالاً واحتراماً، لإبنتهم، وأختهم الفتاة الشجاعة، الأستاذة صفية اسحق، خريجة كلية الفنون الجميلة، التي روت في بسالة نادرة في شريط فيديو، وضع في معظم صفحات السودانيين في الإنترنت، وبث من قناة "الحرة"، كيف إختطفها رجال الأمن من وسط الخرطوم، وقاموا بضربها، وتعذيبها في أحد مكاتبهم، قرب موقف شندي ببحري، ثم تناوب ثلاثة منهم، إغتصابها في وحشية، وبهيمية، لا يتمتع بها على غير مرضى النفوس، ممن لا دين ولا خلق لهم.. فلو أن صفية ألقت بالاً الى سمعتها، أو كلام الناس، أو خافت من أن يتكرر عليها ما حدث، أو خجلت من الحديث عنه، لما استطاعت أن تكشف هذا الورم الخبيث، الدخيل على جسد هذا الشعب الكريم.. فقد أثبتت الواقعة، وفتحت بلاغاً، ثم قبلت أن تسجل شهادتها بالصوت والصورة للتاريخ. ولم يستطع المعتدون الجبناء، ان يردوا على ما أثارت مما أكد للناس صحة تلك القصة المؤسفة. ولقد قام وفد من كرام المواطنات والمواطنين، بزيارة أسرة صفية، وتحدثوا معهم، وشرحوا لهم القضية من جميع أبعادها، حتى يرفعوا رأسهم عالياً، مثل إبنتهم، ويطالبوا لها بالقصاص، بدلاً من لومها على ما أكرهت عليه.. واخبروهم بأن الرجال الأحرار، والنساء الحرائر، من أبناء الشعب السوداني، الذين يحرصون على الأخلاق والشرف والعرض، يعتبرون صفية من أشرف النساء على الإطلاق، وأنها ضحت بكل ما يمكن ان يجري عليها، حتى تنقذ الفتيات السودانيات الاخريات، وتحفظ شرفهن. ولقد رفعت بما فعلت، راية التحدي عالية، حتى تنطق كل من اخرسها الخوف والخجل، فلا يعتمد المجرمون، على ان جرائم الشرف وانتهاك العرض، ستظل بسبب خجل وخوف الضحايا في طي الكتمان.
حين أدان الشعب السوداني، قبل اشهر، جلد فتاة "الفيديو" بوحشية، واستنكر أبناؤه وبناته، ما تم في مختلف وسائل الإعلام المقروءة، ردت بعض قيادات المؤتمر الوطني، بأن ما جرى على الفتاة، كان تطبيقاً لحد من حدود الله، ولا يصح لمسلم أن يعترض على تطبيق الشريعة!! وذلك رغم أن الجلد قد كان خمسون جلدة، وليس في الحدود مثل هذه العقوبة، ورغم ان الرئيس قد قال ان الشريعة ستطبق بعد إنفصال الجنوب، وان الواقعة كانت قبل ذلك.. ونحن الآن نستنكر ما حدث للإبنة صفية اسحق من إغتصاب، وندين ما لحق بها من أذى، فماذا سيقول لنا قادة المؤتمر الوطني هذه المرة؟! هل يجوز في دولة الشريعة، التي تجلد النساء لمجرد لبس "البنطلون"، أن يمارس مسؤولو الدولة عن الأمن، أفحش الفواحش، فيرتكبوا الزنا بالإكراه، ويمارسوا إغتصاب الحرائر؟! وهل تريد الحكومة للشعب، ان يقبل كل هذا، ويصمت على إنتهاك أعراض بناته، لأن المؤتمر الوطني يبشرهم بتطبيق الشريعة؟! فإذا قالت الحكومة إن هؤلاء أفراد، لا يمثلون الحكومة، ولا حزبها الحاكم، وهي لم تأمرهم بقمع المظاهرات باستخدام الإغتصاب كسلاح لإرهاب النساء، فإن هذا القول يمكن ان يقبل، ويصدق، إذا قامت الحكومة بعزلهم من مناصبهم، وقدمتهم للمحاكمة فوراً!! وما دامت الدولة السودانية، تطبق الشريعة، كما يزعم قادة المؤتمر الوطني، فلتطبق حكم الشريعة على هؤلاء المجرمين، حتى يكونوا عبرة لغيرهم، ويجب ان تأخذ برأي الفقهاء، الذين يرون ان الإغتصاب يدخل في باب الفساد في الأرض، الذي نصت عليه آية الحرابة، وهي قوله تبارك وتعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم). ومعلوم عند سائر الفقهاء، أن الذي ينفى من الأرض، دون عقوبة أخرى، هو من أخاف الناس، دون ان يأخذ أموالهم، أو ينتهك أعراضهم.
إن هنالك ظلماً، وقهراً منظماً، يستهدف المرأة السودانية، بدعوى تطبيق قانون النظام العام، كشفت عنه حادثة الصحفية لبنى احمد حسين، حيث حوكمت، وأرادوا ان يجلدوها، لمجرد لبسها "البنطلون".. ثم لما قاومت الحكم، وحركت الرأي العام، في الداخل والخارج، تراجعت الحكومة من الجلد الى الغرامة، وحين رفضت دفع الغرامة تصعيداً للمقاومة، أودعت السجن ليوم واحد، ودفع لها أحد النافذين في حزب الحكومة الغرامة، واخرجوها من السجن، بينما جلد وحبس غيرها من النساء بنفس التهمة!! بل ان النساء اللاتي تضامن معها، بالتجمع خارج المحكمة، ضربن بواسطة الشرطة بالهراوات، وتم إعتقالهن في نهار رمضان لعدة ساعات.. وبعد فترة جلدت سلفيا الفتاة الجنوبية المسيحية للبسها "البنطلون"، دون ان تسأل عن عمرها، أو دينها، وكان ذلك لو تم سيحول دون معاقبتها.. ولقد بلغ عدد النساء السودانيات اللاتي تعرضن للإذلال والمهانة بالحبس والجلد بسبب قانون النظام العام 43 ألف إمرأة في عام 2008م، حسب إحصاءات النيابة. ثم جلدت فتاة الفيديو، بصورة عشوائية، وحشية في الشارع، بواسطة إثنين من رجال الشرطة، بدلاً من ان تجلدها إمرأة شرطية، في مكان مستور.. وتعاطف معها مختلف السودانيين، وشعرت النساء بأن الضرب بهذه الصورة، هو رسالة موجهة إليهن، من الحكومة، بأنها تتقصد قمع النساء، فاعترضن على ذلك، وكتبن ضده.. والآن، تأتي حادثة صفية، كأسوأ وآخر مراحل إعتداء السلطة على المرأة السودانية، بإنتهاك أرفع قيم هذا الشعب الكريم، وهو شرف وعفة النساء.
وليس في قانون النظام العام، أي مادة تتحدث عن زي النساء، ولكن الحديث عن الزي الفاضح جاء في القانون الجنائي لسنة 1991م المادة 152 الفقرة (1) التي تقرأ (من يأتي في مكان عام فعلاً أو سلوكاً فاضحاً أو مخلاً بالآداب العامة أو يتزيا بزي فاضح أو مخل بالآداب العامة يسبب مضايقة للشعور العام يعاقب بالجلد بما لا يجاوز أربعين جلدة أو بالغرامة أو بالعقوبتين معا). ولقد حددت الفقرة (2) الفعل المخل بالآداب فجاء (يعد الفعل مخلاً بالآداب العامة إذا كان كذلك في معيار الدين الذي يعتنقه الفاعل أو عرف البلد الذي يقع فيه الفعل). ولم يرد في القانون أي شرح للزي الفاضح، ولم يوصف "البنطلون" بانه زي فاضح، ولم يحدد كيفية معرفة أن سلوك معين، يسبب مضايقة للشعور العام، أو كيف يعرف الشعور العام من الشعور الخاص.. وإنما ترك كل هذه الأمور، ليحددها أفراد من الشرطة، ثم أفراد من القضاة.. وهكذا أعطى القانون الجائر، ثغرات واسعة، ليستغل الشرطي خلافه، أو حقده، أو خصومته، أو شعوره بالإستفزاز، ويجرجر من يشاء من الفتيات، في الاقسام، ثم يقدمها للقاضي، ويشهد انها كانت تفعل كذا، أو ترتدي كذا، ولن تستطيع أن تفلت من العقوبة، لأن شهادة الشرطي في النظام العام لا ترفض، ولا تناقش، ولا يعطى المتهم فرصة للدفاع، إذ ينفذ الحكم فوراً.. ولقد رأينا كيف ان سلفيا، جلدت للبسها " البنطلون"، رغم ان دينها كمسيحية، أو عرفها كجنوبية، لا يرفض لبس "البنطلون"، بل ليس في الدين الإسلامي، نفسه، ما يحرم لبس "البنطلون". ولقد جلدت سلفيا 50 جلدة، مع ان القانون كما رأينا حدد بالنص القاطع 40 جلدة. وتمت محاكمتها، وجلدها، ورجعت الى بيتها خلال ساعتين. نخلص من كل هذا الى ان قانون النظام العام، وهو توجيهات عامة، فضفاضة لا تشبه القوانين، يراد به ضبط الشارع، تتعلق أحكامه باقامة الحفلات، والتشرد، والمركبات العامة، واماكن تصفيف الشعر، وقفل المحال التجارية في شهر رمضان.. ألخ، يوقع عقوبات بالجلد بصورة سريعة، يفترض ان تكون محدودة وزاجرة، قد تم الخلط بينه وبين القانون الجنائي، الذي يقتضي النظر، والتريث، وإعطاء المتهم الحق في الدفاع عن نفسه، أو إحضار محامي، إذ ان النساء جلدن بتهمة الزي الفاضح، ولم يعطين الفرصة لإظهار ان هذا الزي ليس فاضح، وإنما جرت المحاكمة والتنفيذ في لحظات، وكأن ذلك هو قانون النظام العام.. هذا الخلل، والخلط المتعمد، أطلق يد شرطة النظام العام، لعلمهم بأن هناك قانون سريع المعاقبة، ولا يعطى فيه المتهم فرصة الدفاع عن نفسه، ثم هو يعاقب بعقوبة قاسية مثل الجلد، غير المحدد، فأرهبوا النساء واساءوا إليهن.. ولقد اشتكت فتيات عديدات، في عدة ندوات، وورش عمل، بأنهن تعرضن للإستفزاز، والضرب، والإهانة، والتخويف، والتحرش الجنسي، تلميحاً، وتصريحاً، من شرطة النظام العام.. أما رجال الأمن، فإن وضعهم أسوأ، إذ أنهم يعتمدون على أن قانون الأمن الوطني، قد وضع لحماية الحكومة، وليس المواطنين.. وهو قد أعطاهم حصانة، تمنع من مساءلتهم عن أفعالهم أمام القضاء!! وهم لهذا، يمكن ان يفعلوا كل ما من شأنه إرهاب وإذلال المواطن، الذي يعتقد أنه معارض للنظام، ولو كانت هذه المعارضة، مجرد الخروج في تظاهرة سلمية، كما فعلت صفية، حين خرجت في مظاهرة يناير، التي نظمتها مجموعات من الشباب، فنالت ذلك العقاب القاسي المهين، وهي لم ترتكب جريمة لا في عرف الإسلام، ولا في عرف المواثيق الدولية.
حين ذكرت مصادر دولية، على رأسها منظمات حقوق الإنسان، حدوث حالات إغتصاب عديدة في دارفور، قامت بها قوات الجنجويد، التي تدعمها الحكومة، ونسب بعضها للقوات النظامية، استنكر السودانيون هذه الجرائم النكراء، وسارعت الحكومة، وقيادات المؤتمر الوطني، بنفي تلك الاخبار.. وكان النفي يقوم على ان إغتصاب النساء، ليس من أخلاق الشعب السوداني، وهذا حق ولكن ليس كل من يعيش في السودان، يرعى اخلاق الشعب السوداني، خاصة إذا كان صاحب مصالح خاصة، وإغراءات مادية باهظة، تجعله يضحي بتلك القيم. ولقد جازت خدعة الحكومة في التنصل عن ما جرى من إغتصاب في دارفور على الكثيرين، ولكنها لم تجز على أبناء دارفور، الذين أصروا على وجود حالات إغتصاب كثيرة، عجزت الضحايا فيها، خشية من المجتمع، ان يتحدثن بما جرى لهن، وكان المؤتمر الوطني، يصر على نفي الإغتصاب، وإن لم ينف وجود قتلى، وجرحى، ونازحين، ولاجئين، من جراء الحرب.
لقد تحدثت صفية عما جرى لها في شريط فيديو، وضع لعدة أيام في عدة صفحات على الإنترنت، وعرض من قناة "الحرة"، وتم فتح بلاغ، ومع ذلك لم يصدر جهاز الأمن الوطني، أي بيان ينفي به تلك الواقعة، أو يثبتها، ويقول بأنه يجري فيها تحقيقاً، فهل يمكن ان يكون السبب هو ان جهاز الأمن لم يسمع بهذا الخبر؟! ولم نسمع رأي للقضاء، بل لم تتعرض أي جهة حكومية للأمر، وكأن الحكومة، تريد قتله بالصمت، حتى يطويه النسيان.. أو أنها تعتبر كل ما يجري على من تحسبهم معارضة، لا يعنيها، لأنهم يستحقون كل ما يحدث لهم.
لقد قامت الحكومة في الآونة الأخيرة بإجراءات إيجابية، منها إيقاف الزيادة التي كانت متوقعة في الاسعار، واستحداث مفوضية لمحاربة الفساد، والبدء باحالة بعض الملفات المتعلقة به للمحاكم، والتخطيط لاستيعاب الخريجين، والسعي لإقامة استفتاء لاهل دارفور، وتوزيع أموال مباشرة على الفقراء في الاحياء، عن طريق اللجان الشعبية.. ولكن ماذا عن الحريات؟ إن الشعوب التي تثور على حكوماتها من حولنا، ليست كلها فقيرة، تشكو العطالة، وغلاء المعيشة.. وإنما هي تطالب بالحريات والحقوق الاساسية، وهذا ما لاتزال حكومتنا قاصرة عن شأوه، قصوراً مزرياً، بل إن القهر، والبطش، وتعذيب المعتقلين، الذي بلغ حد إنتهاك الاعراض، إنما هو أكبر ما يحفز على الثورة، ما لم تقم الحكومة، بأخذ هذا الامر، مأخذ الجد، فتقيم القصاص، وتطهر أجهزتها من المجرمين، والمفسدين، وتشيد بالفنانة صفية الثائرة، التي دفعت ثمناً غالية لتكشف هذا الداء. هذا إذا كانت الحكومة ليست متورطة في الموافقة، على قهر شعبها، واخضاعه، ولو عن طريق التعذيب والإغتصاب.. أما إذا كانت الحكومة موافقة على ما يحدث، وان رجال الأمن إنما ينفذون أوامرها، وهي ستحميهم، وتدافع عنهم، ولا تسمح للقضاء بان يقتص منهم، فإن أي إصلاحات أخرى لن تجدي فتيلا.
ورحم الله القائل :
مشبُ الذي يبكي الشبابَ مشيبُهُ فكيف تَوَقّيهِ وبانيه هادمه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.