شكراً لك أخي ياسر علي قدح زناد القريحة وأشعال الشموع لاحياء ذكري شاعرنا العملاق محمد عثمان كجراي فالرجل قامة شعرية راقية ومنارة عالية ظلت ولاتزال تُضي سماوات الشرق بحروفه المتآلقة الدفاقة والتي تنساب الي داخل القلب بكل ترحاب, فهو صاحب الكلمة الصادقة والقصيدة المؤثرة, فالشعر عنده ليست قافية أو كلمات رنانة بل انما هي ملحمة تمشي علي قدمين لتعبر عن شعور المواطن وتعالج هموم وقضايا المجتمع المعقدة بكل شفافية: في دمي نارٌ وعطرٌ وحليب في يدي حفنة ماء في نشيدي فرحة النصر وأعراس الدماء..! عندما ننظر الي الخلفية الشعرية للراحل كجراي نجدها قاتمة يعلوها صوت الحزن وأشعة الغروب التي تسبق الليلة المظلمة فيعتصر قلبك آلماً وخوفاً علي مستقبل الامة المجهول والمرعب والذي لانزال نعيش في ظلاله الواجفة الوجلة: أقول لثلة الأحباب لا تأسوا إذا ما رن صوت الحزن يقطر من كتاباتي فإن الحزن يوقظني يلاحقني يلون دغل مأساتي أنا من أمةٍ سكرى بخمر الصبر آهٍ يا لخمر الصبر تخرس صوت آهات وتخنق لي عباراتي !! يمر العام تلو العام لا الأيام تصدق ، لا ركام الهم يقسط من حساباتي ويخجلني إمتداد الصمت ، لون الصمت ، عري الصمت في جدب المسافات واضح من خلال الاطلاع علي جل قصائد كجراي انه كان شاعر (متمرد) له أنفة وكبرياء بجاوية لا يرضي بحياة الذل والمهانة والعيش في ظل الانظمة الطاغية المستبدة فهو لا يعرف العمالة والارتزاق وطأطاة الروؤس والوقوف امام أبواب السلاطين ليسوق ويبيع بعض بضاعته من القريض بثمن بخس فالشعر عنده أمانة ومسؤلية عظيمة وقضية أغلي من السلطة وما فيها, وهو خير من يعبر عن واقع الرعية وأصدق من يتحدث بلسان المزارع والراعي والعامل الكادح, فهو لا يداهن ولا يهادن ولا يجامل, بل يجاهر بكلمة الحق أمام السلطان الجائر ويزجر ويردع المطبلاتي اصحاب النفوس الدنيئة وحارقي البخور: إنطلقت الي الحقول الخضر كل زمر الطيور ولم تعد تخشي ثياب الزيف . فالماثل الشاحب من أمامها ناطور !! فعد الي سربك يا مسرور !! ودع لهارون الرشيد سيفه ، فإنه طاغيةٌ مغرور !! لا تمشي في ركابه ، ولا تكن سيافه القابع خلف بابه . فأنت حينما تحين لحظة إكتئابه لا بد أن تسقط من حسابه !! فلا تكن مأجور قد إكتشفنا أنه يسحقه الرعب إذا رأي ، كثافة الحروف حين ينبض التحريض في منشور كجراي تتجسد في شعره صفات الانسان الشرقي البجاوي فنجده أحياناً يُظهر غضبه ويثور ويستل سيفه ويرفع صوته فجاءة بصورة داوية حين يقول: ليس هذا زمن الحرف ... فهذا زمن السيف !! وحمى الغضب الصارخ من جذر الأصول جسدى في قرع الطبول ... في دمائي تركض الليلة آلآف الخيول لأرى تأريخي النازف فرعاً دائم الخضرة لا يعرف ألوان الذبول فأنا الجرح الذي ينزف من كل ترانيم الفصول !! لم يعد لي غير أن أمتشق الصيف علي شناعاتي المغول ! ومن الاشياء المهمة والتي لا يمكن تجاوزها في شعر كجراي (القضية الارترية) التي كانت تفرض نفسها في ساحة الشعر الكجراوية, فنجدها حاضرة بصورة ملفته للنظر حين يتغني بكلمات كرصاص البندقية للحرية وللثورة الأرترية: اغلي ما املك ياقلبي مهر لعيون الحريه لبلادي في درب الاحرار تدك جدار الفاشية ماعاد كفاحك ياوطني صفحات نضال مطويه ابطالك في ساحات البذل عواصف نار رعديه فارفع راياتك ياشعبي في المرتفات الصخريه في حقل الحنطة مخضراً وعلي الاحراش الغابيه من ساوا حيث الارض هناك قلاع نضال خلفيه في بركة وفي وديان القاش وفي الطرقات الرمليه في البحر الاحمر مرهوباً فوق الامواج الفضيه فبكل بقاعك ياوطني يتردد لحن الحريه من اجل العزة ياشبعي تلد الابطال ارتريه في ارضك ماعاشت ابداً افواج الغزو الوحشيه فهشيم الباطل لن يبقي تذروه رياح الثوريه فكجراي حقيقاً يمثل أمتداد طبيعي وحلقة وصل بين السودان وأرتريا, فهو أشبه ما يكون بنهر القاش وخور بركة اللذان ينحدرا من أعلي المرتفعات الارترية بصورة طبيعية ويسقيا سهول ووديان السودان الشرقية بكل من طوكر وكسلا, فشاعرنا أيضاً كما قلت يمثل ذلك الامتداد الطبيعي المتمدد لسكان المنطقة ما بين أرتريا والسودان فهو لاتحده الحدود الجغرافية, حيث يري انها ما هي الا عبارة عن صنعية أستعمارية وُضعت للتفريق بين شعوب الارض الواحدة والتشتيت بين الانسان الواحد والتفريق بين الوجدان المتحد..!! الآ رحم الله الشاعر العملاق محمد عثمان كجراي وجزاءه الله عن أمته البجاوية في السودان وارتريا كل خير, وأمل ان ننشىء مكتبة خاصة نوثق فيها لعملاق هذه الامة ونجمع فيها كل أشعاره وكتاباته وفاءً وعرفاناً لما قدم..!! وشكراً حامد محمد عبدالله شمال كندا-اينوفيك [email protected]