مراقد الشهداء    وجمعة ود فور    ليفربول يعبر إيفرتون ويتصدر الدوري الإنجليزي بالعلامة الكاملة    كامل إدريس يدشن أعمال اللجنة الوطنية لفك حصار الفاشر    وزير رياضة الجزيرة يهنئ بفوز الأهلي مدني    مخاوف من فقدان آلاف الأطفال السودانيين في ليبيا فرض التعليم بسبب الإقامة    سيد الأتيام يحقق انتصارًا تاريخيًا على النجم الساحلي التونسي في افتتاح مشاركته بالبطولة الكونفدرالية    وزير الداخلية .. التشديد على منع إستخدام الدراجات النارية داخل ولاية الخرطوم    شاهد بالفيديو.. استعرضت في الرقص بطريقة مثيرة.. حسناء الفن السوداني تغني باللهجة المصرية وتشعل حفل غنائي داخل "كافيه" بالقاهرة والجمهور المصري يتفاعل معها بالرقص    شاهد بالصور.. المودل السودانية الحسناء هديل إسماعيل تعود لإثارة الجدل وتستعرض جمالها بإطلالة مثيرة وملفتة وساخرون: (عاوزة تورينا الشعر ولا حاجة تانية)    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    ريجيكامب بين معركة العناد والثقة    تعرف على مواعيد مباريات اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    حوار: النائبة العامة السودانية تكشف أسباب المطالبة بإنهاء تفويض بعثة تقصّي الحقائق الدولية    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد مجازرالجنوب و جبال النوبة ودارفور.. آخيراً النيل الأزرق


لا يهم لمن تقرع الأجراس..!!
خالد ابواحمد
[email protected]
يمر السودان هذه الأيام بأسوأ حقبة في تاريخه على الإطلاق وقد انشطر جزء حبيب منه، فالأحزان التي نعيشها تجعل المرء في أجواء ملبدة بالأحزان على الدماء التي تراق في بلادنا العزيزة بسبب وبدون سبب، وفي الشهر الكريم..شهر رمضان الذي شهد قتل أهلنا في جبال النوبة التي انتشرت صورها المأساوية تقطع أنفاس الحياة، غير أنه لم تنقض أيام العيد حتى اشتاقت حكومتنا الرشيدة لإراقة الدماء في النيل الأزرق فقد تعودت على ارتكاب الموت لأتفه الأسباب ولأنها لا تعرف الحلول الحضارية عشنا رمضاناً حزيناً وعيداً أشد حُزناً، فالأعياد دائماً تُذكر الناس بالذين ُقتلوا ظلماً فكانت دموع أهلنا في دارفور وجنوب كردفان وبورتسودان وكجبار وأمري وأسر ضحايا 28 رمضان تنزف ألماً وحسرة، فما أقسى على الانسان إنهاء حياة فلذة كبده مهما كانت المبررات وخاصةً إذا كانت في إطار المطالبة بالحقوق التي شرعتها الكتب السماوية والقوانين واللوائح الدولية..!!.
هذه العصابة العنصرية التي تريد فصل كل أقاليم السودان عن الشمال لتصبح دولة (جلابة) حقيقية يقتل فيها القوي الضعيف وتستأثر فيها الطغمة النيلية الفاشلة على مقدرات البلاد قد أصبحت في موقف يستدعى توحيد كل الجهود ضدها حتى تتوقف عن موجات القتل والتصفيات العرقية والعنصرية والإبادة الجماعية، إن ما يحدث الآن في النيل الأزرق من أحداث جاءت أخبارها تؤكد بأن جثث القتلى من المدنيين تملأ الطرقات وأن قصف عسكر النظام قد طال البيوت الآمنة فقتلت النساء والأطفال والعجزة دون ذنب جنوه..!!.
إلى متى هذه المسيرة الدامية..؟.
كيف يمكن لسوداني من أم وأب سودانيين أن يرتكب كل هذه المجازر في البلاد وينفي ثم يعترف بأن ما قتلهم في دارفور فحسب لا يتعدى ال 10 آلاف انسان..!!!.
شرطوا آذاننا بتمسكهم بالاسلام الذي حرم القتل، ونفوا بأنهم لم يُسلحوا كائناً من كان ضد أي مجموعات عرقية، ثم أتى وزير الأمن حينها واعترف بعد سنوات بأنهم سلحُوا الجنجويد وبعض القبايل ضد أخرى، ويؤكد لصحيفة (الشرق الأوسط) بأنهم لن يفعلوها مرة أخرى..!!!.
وفي سياق الاعترافات هذه اعترف الرئيس بوجود بيوت الأشباح مبرراً ذلك بحاجة النظام آنذاك لها لاستمرار الحكم، وقد كان هو وجماعته ينفون نفياً قاطعاً أي وجود لبيوت يمارس فيها تعذيب للمعارضين..!!.
ولم يمض على هذه الاعترافات الكثير من الوقت حتى ارتكبوا مجازر أخرى في كجبار وأمري بالولاية الشمالية، وفي ذات الوقت كانت مليشيات الحكومة تواصل تنكيلها بالصحفيين والإعلاميين في العاصمة وتعتقلهم لأنهم ذهبوا لمناطق الأحداث في الشمالية لتغطية ما يجري فيها، ثم تتعدى الأجهزة الأمنية المطلوقة اليد على أموال ومقدرات أصحاب الصُحف وتصادر صحفهم من المطابع، وفي تزامن مع كل هذه التجاوزات كانت القوات المسلحة التابعة للحزب الحاكم تواصل تعديها على دارفور بالطائرات..!!.
والسؤال الذي يطرح نفسه..
لماذا تريق حكومة المؤتمر اللاوطني كل هذه الدماء ..؟؟!!.
هل لأن أهل الهامش والمعارضين بمختلف توجهاتهم وسحناتهم قد تساموا فوق كل الاعتبارات السياسية والقبلية والجهوية والطائفية، رافضين ما يقوم به نظام الفصل العنصري والجوع والمرض والدعارة والظلم..؟؟!.
تمارس حكومة البشير كل هذه التجاوزات غير المسبوقة لأننا قتلنا في أفكارنا وأنشطتنا مسارب الجهوية والقبلية والطائفية وتجاوزنا بضمايرنا الحية كل محاولات الارتزاق بينما عجزوا هُم عن ذلك، ولأننا ارتفعنا وارتقينا بإنسانيتنا فوق كل هذه الاعتبارات كان لا بد أن تتعامل معنا حكومة (البشير) بكل أنواع الإقصاء وكان أبلغه أثراًً الإقصاء الجسدي، فقد استخدمت فيه الحكومة كل أنواع الأسلحة الفتاكة ولم تراع في الشعب السوداني إلا ولا ذمة حيث لم يسلم من عدوانها اقليم من أقاليم السودان، وهذا ما لم يرتكبه الكيان الإسرائيلي الغاصب في فلسطين برغم العمليات العسكرية والجهادية التي يقوم بها الشعب الفلسطيني، فيما يُواجه الشعب السوداني الطيب بالعسف والقتل والإبادة الجماعية برغم أنه لم يمارس الاغتيالات ضد النظام وقادته، ولم يمارس العمليات الانتحارية وسط تجمعاته وداخل مقراته، ولم يمارس الشعب السوداني برغم المآسي التي تعرض لها 23 عاماً أي نوع من أنواع الانتقام.
الشعب السوداني يأكل نفسه لكنه لا يريق الدماء..
الشعب السوداني انتهكت أعراضه ولم يعلن الانتقام من الجاني وهو معروف السمة والمكان..!!.
الشعب السوداني ترملت نساؤه.. وتيّتم أبناؤه، وتشرد بين الأمصار وامتلأت به سُجون المهاجر نساءً ورجالاً..ولم يهاجم سفارات النظام في الخارج..!!.
الشعب السوداني يستعيذ بالله عندما يقال له أن فلاناً قد قتل فلان..ثم يتحوقل..وينطق بالشهادتين..لذا يستبعد من خياراته اللجوء للقتل، ليس خوفاً من أحد ولكن من الله خالق الناس أجمعين، لذا يترك الظالمون لمن خلقهم وهو الكفيل بهم، ومع هذا وذاك لا استبعد البتة أن تخرج جماعات من الشعب السودان قهراً تعلن الحرب على النظام قتلاً واغتيالاً وتفجيراً وانتقاماً من الذين قتلوا أهلهم وحرقوا بيوتهم، سيما وقد اتسع الخرق على الراتق، فإن البلاد موعودة في الأيام المقبلة بتطورات لم يشهدها السودان من قبل، تُنهي آخر أيام السلم الأهلي في البلاد فالسن بالسن والعين بالعين والبادي أظلم.
الدولة العباسية الثانية
في مقال سابق بعنوان (الدولة العباسية في السودان) المنشور في العام 2004م بموقع (الحوار المتمدن) ذكرت أن (دولة الإنقاذ) في السودان استنسخت نموذج (الدولة العباسية) الأولى، فقد مثلت "الانقاذ" في السودان دولة المشروع الحضاري الاسلامي الذي كان يطمع ويحلم طيلة نصف قرن من الزمان بان يكون دولة الإسلام الكبرى في القرن الواحد وعشرين, وكانت الأنموذج الحي الذي يمشي على أرجل متوافقاً تماما مع أنموذج الدولة العباسية فكل حدث ومعلم تاريخي في (الأُولى) صغر أو كبر له رديف ومشابه في (الثانية).
(الدولة العباسية) كانت دولة دموية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وامتلأت قصور الحُكم فيها بالمكائد والمؤامرات والسلوكيات الشاذة.. !!.
تماماً مثلما يحدث في (دولة الإنقاذ) الآن..!!.
أبو مسلم الخرساني لوحده قتل 600 ألف إنسان من أجل أن تقوم الدولة العباسية في العراق، ثم قُتل على يد أبوجعفر المنصور الذي خاف منه ومن طموحاته..!!.
ثوار القضية من بني العباس عندما استلموا السلطة انصرفوا إلى أطماعهم وتحقيق رغباتهم الشخصية وقتلوا بعضهم بعضاً..!!.
تماماً مثلما حدث في (دولة الإنقاذ) في السودان..!!.
والأيام و السنوات المقبلة من رحم التاريخ ستفضح سقوط طائرة الزبير محمد صالح وغيرها من حوادث سقوط الطائرات العسكرية، فإن الطموح الكبير والزائد عن اللزوم يجعل صاحبه يفكر في إقصاء كل من يُهدد طموحاته، وقد تم اقصاء د.حسن الترابي والطيب ابراهيم محمد خير (الطيب سيخة) وآخرون تم إبعادهم حتى لا يُشكلوا خطورة على المخطط المرسوم لقيام (الدولة) الحلم.....تماماً كما حدث في الدولة العباسية..!!.
ففي الدولة العباسية الأولى انتشرت كل أنواع المفاسد من فساد مالي وإداري ونهب للأموال العامة والاختلاسات، والفساد الأخلاقي بكل صوره وأشكاله، وأكثر ما وثقته الكُتب الليالي الحمراء التي تكتظ بسير النساء والجواري والمغنيين وشعراء الحُكام الذين يتغزلون في بني العباس ويزينون لهم سوء الأعمال....!!
تماماً مثلما يحدث في (دولة الإنقاذ) الآن..!!.
أبومسلم الخرساني هذا كان خادماً لدى مجموعة الثوار من البيت العباسي في بداية الإعداد للثورة، ويقدم لهم القهوة والشاي وأحياناً يقوم بعمليات التدليك (مساج) لزعيم البيت العباسي، وبعد فترة اكتشف الثوار أن ذلك الخادم أبومسلم الخرساني قد خدم نفسه ورباها على الفكر والطموح فتجاوبوا مع طموحه وجعلوه واحداً من فرسانهم..!!.
تماماً مثلما يحدث في (دولة الإنقاذ) الآن..!!.
المعتصم بالله عندما جاء من عمورية منتصراً للمرأة التي صرخت (وامعتصماه) تفاجأ بتآمر بعض وزرائه عليه في غيبته وأرادوا خلعه وتنصيب ابن أخيه العباس بن المامون، فما كان منه إلا أن أمر بحبسه و إطعامه أشهى أنواع الطعام ومنع عنه مياه الشرب حتي مات من التخمة والعطش..!!.
وفي الدولة العباسية الثانية كل من يحاول الخروج عن (المركز) سيتم التعامل معه وفق التصور والسيناريو المستمر حالياً بمرجعية (الدولة العباسية) الأولى، وقد جرب أهل السودان من الأشخاص والمناطق والأقاليم هذا الدور..تم ضرب الجنوب لأنه عمل على الخروج عن فكر (المركز)...أُحرقت دارفور في أكبر إبادة جماعية لأنها طالبت بحقوقها، الأمر الذي أزعج (المركز)، تم ضرب جبال النوبة لأن أهلها عبروا عن رأيهم فيما يعتقدون أنه الصواب..!!.
تم قتل مجموعة من أهالي بورتسودان عُزّل بدم بارد لأنهم خرجوا في تظاهرة سلمية طالبوا فيها (المركز) بحقوقهم..!!.
تم قتل أهالي كجبار وأمري العُزّل من أي سلاح لأنهم هتفوا ضد قرار ترحيلهم من مناطقهم..!!.
لمن تقرع الأجراس..؟
الروائي والفيلسوف آرنست همنغواي عندما كان يغطي الحرب الأهلية الأسبانية قال في كتابه (لمن تقرع الأجراس) أنه كان حينما يعبر الجسر يسمع أجراس الكنيسة تقرع لتعلن عن وفاة أحد الأشخاص الذين لا يعرفهم قال "ليس هناك إنسان يُشكل جزيرة معزولة بذاتها، نحن جميعاً جزء من القارة التي هي جزء من الكيان الكبير، ولهذا لا يهم لمن تقرع الأجراس" في إشارة إلى موت إنسان، وهذا يعني أن الهم الإنساني واحد، لا يهم أن يكون هذا المرء قريباً أو صديقاً، فهو إنسان، وموت إنسان أيا كان هو مبعث للحزن العميق ولا سيما إن كان سوداني، ودلالة هذا الأمر أن وحدة النسيج الإنساني هي أكبر حافز للبشر على التقارب ومحاولة فهم بعضهم البعض بأكبر قدر ممكن، لكن هؤلاء القتلة الذين استباحوا الحُرمات في بلادنا استغلوا الدين الحنيف في تحقيق مآربهم العنصرية والحاقدة ضد كل مكونات الوطن الأثنية والثقافية والجهوية، فالدين الذي يحتمون به لم يحترموا موجهاته ففي الشهر الكريم كانت الطائرات تدك القرى والمدن في دارفور وجنوب كردفان، وفي أيام العيد المبارك كانت قوات الحكومة تهجم على الآمنين في جبال النوبة وسط صيحات التهليل والتكبير..!!.
كلما أشعلوا ناراً للحرب في منطقة خططوا ورتبوا لاشعالها في منطقة أخرى..تماماً كما حدث في الجنوب حينما نقلوا الحرب لدارفور، ثم جنوب كردفان،،، وها هم الآن قد وصلوا النيل الأزرق.. هؤلاء الملاعين لا يسلم من شرهم أحد..قاتلهم الله أين ما ذهبوا.
عربة القمامة..!!!
لا يختلف معي أحد في أن الذين يقودون النظام الحاكم في بلادنا هم ليسوا أسوياء البتة وتؤكد ذلك تصرفاتهم تجاه الآخرين، سلوكهم العدائي والعنيف تجاه كل من يختلف معهم في الرأي.. وقد تجردوا من كل دين، ومن القيم الانسانية التي آخت بين الناس وجمعتهم على صعيد واحد برغم اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأفكارهم ومناطقهم، لكن عربة القمامة هذه المتمثلة في الحزب الحاكم لا بد أن يتأذى منها الجميع، إن المرء الذي يعاني من المشاكل والعقد النفسية والاحتقانات الداخلية يبدو في تعامله مع الآخرين مثل عربة القمامة التي تسعى إلى تفريغ شحنتها، فالعربة تظل تسير إلى حين أن تجد مكاناً ترمي فيه شحنتها أو تظل تتساقط هذه الشحنة يُمنةً ويسرى أثناء سيرها، لأن الشحنة أكبر مما تتحمله، ولأنه لم يوجد التخطيط المناسب للتخلص منها أو تدويرها للصناعة وإعادتها في قوالب جديدة، وما أن تجد هذه العربة مكاناً خالياً حتى تقوم بتفريغ شحنتها، بغض النظر عن طبيعة هذا المكان.
هذا الوصف أعلاه ينطبق على الطغمة الحاكمة التي تتمثل قمامتها في الأحقاد السوداء والكراهية النتنة التي زرعتها في بلادنا وفرغتها في بني السودان في الجنوب ودارفور وجنوب كردفان فلم تسلم من موجات القتل النساء والأطفال بل الحيوانات التي أحرقت في دارفور بالطيران القاذف للهب..!!.
شعوباً وقبايل..!!
قادة الحزب الحاكم لم يرتضوا بالمشيئة الربانية التي جعلت أهل السودان شعوباً وقبايل وأن الأنظمة الحاكمة في الكثير من بلاد العالم تؤمن بالتنوع العرقي والثقافي والفكري والسياسي، بل تعتبره ثروة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، تحافظ عليها وتغدق عليها بالاهتمام والرعاية برغم أنهم غير مسلمين ولم يعرفوا أن الاسلام حث على احترام التنوع بل وتعضيده وتقويته والحفاظ عليه من المظالم، في دول أوربا لا نجد دولة إلا وفيها تنوع واختلاف اثني وثقافي وغيره وتعيش كل هذه التباينات البشرية في مأمن من كل سوء وكأنهم قد سمعوا قول الله تعالى في كتابه العزيز (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا).
هذا يدل على أن الإسلام هو دين الانسانية حقاً فقد حث على التعامل الإنساني من أجل التقارب والتآخي بين الناس، وفي سورة التين يقول الله تعالى "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" دليلاً على عظمة الخالق في تصميم تركيبة الإنسان في أجمل صورة ليجسد معجزة الخلق بذاتها، لهو شيء رائع وجدير بالتفكر في هذا الخلق الجميل، فإذا كان الرب سبحانه وتعالى قد خلق هذا الإنسان في أجمل الصور فلماذا تنتهك حكومة السودان حرمته وتقتله وتنفيه من الوجود لأنه لا ينتمي لحزبها الحاكم ولا يدين بمعتقدها ولا بثقافتها..؟!.
جاهل من يعتقد بأن موجات القتل التي يقوم بها المؤتمر اللاوطني في السودان نتيجة للاختلافات السياسية بينه والآخرين لكنني أجزم بصدق وأمانة بأن القوم يريدون تصفية كل العناصر الأخرى في السودان وخاصة ذات الأصول الأفريقية، وهناك الكثير الذي يعضد كلامي من تصريحات عنصرية للرئيس عمر البشير وأفعال لنائبه علي عثمان محمد طه وإبعاده وكراهيته لكل من ينتمي لأقاليم السودان الغربية والجنوبية، إن كراهية الحاكمين في السودان ثقافة يتداولها أعضاء الحزب الحاكم وأسرهم وتنفذها القنوات الفضائية السودانية وتعبر عن هذه الكراهية بصدق شديد الفضائية السودانية وقناة النيل الأزرق..!!.
كتاب (عباقرة الكذب)
قبل فترة قليلة أصدرت كتابي (عباقرة الكذب) وهو عبارة عن مجموعة مقالات اخترتها بعناية في سياق كشف مرامي الحاكمين الذين استغلوا الدين الاسلامي أبشع استغلال لاستمرار وجودهم في الحٌكم، وكنت قد حاولت طباعة الكتاب ورقياً لكن الظروف لم تسمح لي بذلك فقررت اتاحته للقراء مجاناً ونشرته عبر الشبكة العنكبوتية وقد وجدت تجاوباً منقطع النظير حينما أعلنت رغبتي في إرسال نسخة الكترونية لكل من يريد مراسلتي عبر بريد الكتروني خصصته لهذا الغرض، ثم كانت مبادرة الأخوة في موقع حركة العدل والمساواة (سودان جيم) وموقع (الراكوبة) في اتاحة الكتاب لكل من يرغب في الحصول على نسخة منه، في الحقيقة لم أكن أتوقع أطلاقاً هذا التجاوب العجيب من الإخوة القراء حيث مضيت أسبوعاً كاملاً أرسل لهم الكتاب عبر الشبكة، استقبلت حتى قبل يومين فقط أكثر من 25 ألف رسالة وأرهقت ارهاقاً شديداً وأحمد الله تعالى أن وفقني في ارساله لهذا العدد الكبير من القراء ولا أعرف الحقيقة كم الذين قاموا بتحميل الكتاب من المواقع الكثيرة التي اتاحته للقراء وجعلته في صفحاتها الرئيسية.
خلال هذه التجربة اكتشفت أشياء كثيرة لم يكن لدي علم بها وأولها أن غالبية السودانيين الذين طلبوا الكتاب وأرسلته لهم كانوا خارج السودان وفي وظائف قيادية مما ظهر من العناوين المكتوبة أسفل البريد على سبيل المثال - مُدراء بنوك ورؤساء إدارات في شركات عالمية، وفنيين في مطارات دولية وأساتذة جامعات عالمية عريقة ومسؤولون في وظائف شتى في العمل التجاري والاقتصادي على مستوى العالم.
لكن ما سرني أن غالبية الذين وصلهم الكتاب كانت تعليقاتهم غاضبة ضد النظام والكثير منهم صبوا جام غضبهم على عمر البشير وجماعته ودعُوا عليهم بالويل والثبور، والكثير من التعليقات وقفت عندها متأملاً وقلت في نفسي "ليت عمر البشير وعلي عثمان محمد طه وصلاح قوش ونافع علي نافع يشعروا بكراهية الناس لهم والدعوات القوية والصادقة التي تنادي رب العزة والجلالة بالانتقام منهم"..!!.
وكنت أتساءل في نفسي.."لماذا يصل المرء لهذه الحالة التي يرفع فيها الناس أكفهم بالدعاء عليه وعلى أسرته ومن معه"..؟؟!!.
ماذا تنفع المغانم والمكاسب الدنيوية والكل ناغم عليك ويدعو عليك.. أعوذ بالله من هكذا مصير، فإن إراقة الدماء وظلم الناس وأكل أموالهم بالباطل لا تجر لصاحبها إلا الخٌسران المبين في الدنيا والآخرة.
لكن أكثر ما أفرحني وجعلني أعيش لحظات من السعادة الدعوات الصالحة التي سمعتها عبر الهاتف وبالرسائل البريدية من الذين فرغوا من قراءة الكتاب واستحسنوا ما فيه من مقالات برغم الأخطاء الطباعية التي صاحبته، والقارئ الكريم يقدر أن هذا المجهود ذاتي تم مع زحمة العمل والجري وراء لقمة العيش..أسأل الله تعالى أن يوفقني في المؤلف الجديد الذي أعكف عليه حالياً بعنوان (الإسلاموية أفيون الشعب- على ضوء تجربة الحكم في السودان) مشفعة بالأرقام والإحصائيات في أعداد القتلي والجرحى من البشر والحيوانات والنازحين والمهجرين والمُهاجرين في أصقاع العالم، وأعداد القرى التي أحرقت، وأعداد الذين أحيلوا للصالح العام في هذا العهد، وأعداد السجون والمعتقلات والذين تم اعتقالهم من النساء والرجال بالمقارنة بين سنة وأخرى، وأعداد الفاسدين من الحُكام وأرقام الفساد بالأرقام واختلاسات المال العام مقارنة بين سنة وأخرى....إلخ.
3 اكتوبر 2011م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.