لقد اوردت في كتاب حكاوي امدرمان . أن اهلنا كانوا انصاراً يبايعون الامام . إلا انهم يعطون اصواتهم في الانتخابات , الى جارهم و صديقهم العم حسن عوض الله . بالرغم من أن العم الصائغ مرشح حزب الامة كان يسكن في نفس الحي . و السبب أن العم حسن عوض الله كان اقرب الى الملائكة . له بالطبع اخطاء , ككل البشر , و لكنها قليلةً جداً . كما كان يتمتع بأحترام اعدائه قبل اصدقائه . و آل بدري كانوا اعدائه السياسيين . الاخ الفاضل حسن عوض الله كتب موضوعاً عن والده, إلا انه لم يعطيه حقه . و أنا اظن , ان السبب خوفه ان يتهم بالتطبيل لوالده . الفنانه حوه جاه الرسول المعروفة بحوه الطقطاقة , من كردفان و بت انصار . كانت تحب الحزب الوطني الاتحادي و فريق الهلال . و هي مؤلفة الاغنية التي كانت تغنى في اغاني السيرة و اغاني السباتا و المناسبات ( ازهري اتعلى و التاني حسن عوض الله ) . فحسن عوض الله كان الرجل الثاني في الحزب الاتحادي . و منزل والده الذي كان يسكن فيه مع اخوته و ابنائه هو في جنوب ميدان البوستة في امدرمان أو سوق الموية . و يفتح المنزل كذلك في الزقاق الضيق الموازي لشارع الموردة من جهة الغرب . في هذا المنزل سكن العم حسن عوض الله مع شقيقه الحاج و بقية اهله . و المنزل منزل عادي مثل كل منازل امدرمان . و هو ما يقال عليه منزل ورثة . و في شارع حي البوستة الموازي كان يسكن القطب الاتحادي الكبير و وزير الخارجية الاستاذ مبارك زروق . الزميل و الصديق الشخصي الملازم للاستاذ محمد احمد محجوب , وزير خارجية و رئيس وزراء حزب الامة . و هكذا كانت امدرمان و كل السودان . في اغسطس 1967 , شاهدت الاخ الفاتح حسن عوض الله الذي يصغرني قليلاُ . و كان هذا في مجمع الطلبة السكاني استرافهوف ( 6000 طالب و طالبة ) . و كان يسكن في المسكن رقم 2 الغرفة 137 في الطابق الأول . و كان يشاركه السكن الأخ محمود اسماعيل ابراهيم رحمة الله عليه . و كانا انتقلا الى براغ من كورس اللغة حديثاً . و بسبب معرفتي بالفاتح , و ان كنت لم اتحدث معه من قبل , صرت اتردد عليهم . و كان الفاتح سبباً في أن يصير محمود اسماعيل من أقرب اصدقائي , و تمتد صداقتنا لفترة اربعين سنة , الى أن اختطفه السرطان في السويد قبل سنوات . عندما حكم على محمد الفى شقيق الفنانة حوه جاه الرسول بالشنق سنة 1964 , بسبب قتله صديقنا سالم , مشى للموت بثبات . و كان قبلها يدربنا على الملاكمة , في نادي المريخ . و زغردت حوه الطقطاقة لأن شقيقها مشى بثبات نحو المشنقة . و أمتلأ منزلها بالمعزين . كان احدهم العم حسن عوض الله . و كان هنالك الكثير من أهل امدرمان من حكام و وزراء و بسطاء . منهم جارتها زينب برقو . و هي شيقيقة احد فتوات امدرمان و الذي تخصص في كسر المتاجر و الخزن , وهو آدم قطية . و كانت هنالك المغنية المشهورة عشة ام رشيرش و التي تسكن في نفس الحي . و هي شاعرة و مغنية . و هي مؤلفة اغنية ( في مارس الضربة كانت قوية و يا سمك جاتك هدية ) . و الاغنية تصف احداث اول مارس 1954 . عندما هجمت جموع الانصار على القصر الجمهوري لقتل الرئيس المصري محمد نجيب و الذي كان حضوره يعتبر استفزازاً للأنصار . عملية القتل حدثت في مشاجرة في زقاق المشحمة الذرية خلف سينما الوطنية . و كانت بنت الحان لعبت بالرؤوس . و البطل الاسطوري و الهمباتي , بام سيكا قد قتل صديقة ود نايل في قاعة الشرب في منتصف القرن التاسع عشر . و اضطر بعدها ان يترك البطانة و ينتقل الى غرب السودان . و ما اشبه الليلة بالبارحة . هكذا كنا قديماً في السودان . و المناسبات تجمع الوزير و الغفير . و عندما نكتب عن العالم السفلي يظن , بعض السذج بأن العالم السفلي هو مثل الانفاق ينزل اليها الانسان بالسلالم أو المصاعد . و لكن في امدرمان ما عرف برجال او نساء العالم السفلي , كانوا جيراننا و يشاركوننا في المناسبات . لا يتجنبهم الا الجبناء و الضعفاء . و لا ننبذهم أو نعاديهم . لمن لا يعرف حوه جاه الرسول , أو حوه الطقطاقة . فهي السيدة الجميلة التي تظهر في الصور القديمة , و ترتدي ثوباً سودانياً في شكل العلم السوداني القديم . و لقد اعتقلت عدة مرات في ايام الاستعمار . لأنها كانت تحمس المتظاهرين بالغناء و الصفقة . و قال لها ظابط البوليس كوكس عندما اعترضت على اعتقالها : ( انت كل يوم جاي طق طق طق تصفق ) . فصار اسمها حوه الطقطاقة . و لقد كانت في المطار على رأس الآلاف الذين حضروا لاستقبال شاعر الشعب محجوب شريف بعد علاجه . و لقد شاركت النساء في كل السودان في المظاهرات و الاجتجاجات . و لقد اعتقل الطالبات منهم الاستاذة الدكتورة خالدة زاهر سرور الساداتي . و كانت الشرطة تتصرف معهم بمنتهى الرقة و الأدب . و يذهبون لأبائهم لكي يحضروا لأخذهم . أين الانقاذ اليوم من هذا ؟ . أذكر ان الاخ عز الدين حسن عبد النور, استلم خطاباً في براغ . فقام بتمزيقة الى قطع صغيرة قبل ان يكمل قرائته . ثم ندم و اراد ان يعيد قرائته . فلم يتمكن من ترتيبه . فقام الاخ الفاتح حسن عوض الله بسكب ماء على منضدة و نحن محتارون .ثم وضع الاوراق على المنضدة المبلولة و بدأ بالأركان . و في ثوان كان الخطاب متكاملاً على الطاولة . و قال الاخ الفاتح بأنه تعلم اشياء كثيرة من والده الوزير حسن عوض الله . لأنهم في أيام مقاومة حكم الفريق عبود العسكري قد تدربوا على عمل المخابرات . ذكر لي الدكتور محمد محجوب عثمان رحمة الله عليه . ان الحزب الشيوعي تعاون بشدة مع حزب الامة و الحزب الاتحادي في ايام الدكتاتورية . كما اكد لي الخال محجوب عثمان رحمة الله عليه . ان الصديق المهدي قد طلب منهم ان يدربوا كوادر حزب الأمة على العمل السري ضد الدكتاتورية. و كما عرفت بأن اتصالهم مع قيادة الحزب الوطني الاتحادي كانت عن طريق العم حسن عوض الله . و كان عندما يكون قد أمن الشارع و يتأكد من أن البوليس السري ليس متواجد كان يجلس امام منزلهم في الزقاق الصغير . و قد يربط منديلاً على رأسه كأشارة ان الخطر قد زال . و كانت الاشارة تتغير في كل مرة . كما كانت تحصل بعض لقائات سريعة في دكان الجزار المثقف الاخ محجوب حمد شقيق حارس مرمى المريخ الاسطوري مصطفى حمد . و دكانه على بعد خطوات من البريد المركزي , في سوق امدرمان , و هو جار لآل عوض الله . و في هذا الدكان كان يتواجد اصدقاء محجوب حمد المقربين الوسيلة و البروفيسور على المك و عبد الخالق محجوب . و كان اول محل جزارة في أمدرمان مزود بالبرادات و الماكينات الحديثة و ماكينات السجوق . و تزين جدرانه صور لينين و ماركس . و على بعد خطوات كان يسكن بعض الشيوعين الشباب . على رأسهم المناضل سمير جرجس و كانوا يستأجرون ذلك المنزل من ظابط البوليس قرشي فارس . و قرشي فارس هو ظابط البوليس الذي كلف على رأس قوة كبيرة ان يفرق موكب جبهة الهيئات . و عندما شاهد رئيس المحكمة العلياء مولانا عبد المجيد امام عبد الله على رأس الموكب , اعطاه التحية العسكرية بكل احترام . فطلب منه عبد المجيد امام الانصراف . فأخذ جنوده مسروراً و انصرف . و نجحت اكتوبر . و سقط العسكر . و السبب جهد رجال كثيرين . أحدهم العم حسن عوض الله . في سنة 1978 ذهبت لزيارة صديقي صديق حيدوب أو صديق امبدة . و كان بصحبتي عمي العميد محمد بدري . و وجدنا العم حيدوب و معه امام الجامع و آخرين . و العم حيدوب هو الذي بنى الجامع الفاخر في واجهة امبده الجهة الشرقية . و تحدث العم حيدوب عن امبدة قديماً . و عن التغيير الذي حدث في أمبدة . و عن قيمة الاراضي التي تضاعفت عدة مرات بسبب ادخال الكهرباء و الماء . و كان يعزي السبب لود عوض الله الذي وعدهم بأدخال الماء و الكهرباء و على غير عادة السياسيين , كان ادخال الماء و الكهرباء في امبدة أول ما قام به . و كان يحكي عن معاناة اهل امبدة قديماً في الوقوف في طوابير للحصول على الماء . و كيف ان صديقنا صديق حيدوب كان يذهب لأحضار الماء في الصباح و قد يأخذ الامر مشاحنات و شجار , قبل ان يذهب الى مدرسة الاحفاد . و أن كل شئ تغير بسبب ود عوض الله . العم صديق البلولة احد اشداء امدرمان و الذي كان مهاباً في حي العرب , كان له مسكن كبير شمال مركز الشرطة في امبدة . كنت اقضي معه امسيات طويلة و استمع له في الثمانينات . و هو والد اصدقائي الطاهر ( الريح ) و الزين و آخرين . و كان يقول لي انه بعد مغيب الشمس لم يكن يأتي لأمبدة إلا اهلها أو من هو فارس . لأن الفراغ بين امبدة و امدرمان كان يعج بالرباطين . و ان كل شئ تغير بعد ود عوض الله . و أن امبدة صارت امان . و الاراضي قديماً كانت تباع بالجدعة بدل المتر . و صار المتر في امبدة يباع بالذهب . و صارت امبدة اكبر من امدرمان القديمة . كأغلب زعمائنا قديماً , مات العم حسن عوض الله في منزل ايجار . الطائرة التي اتت في بداية الثمانينات و اسقطت قنابل حول الاذاعة السودانية , سقطت احدى القنابل في منزل الصادق المهدي و لم تنفجر . و سقطت الثانية في منزل العم حسن عوض الله . و لحسن الحظ سقطت في بئر السايفون و لم تسبب اضراراً كثيرة . و لكن قتلت الخادم رحمة الله عليه . و المنزل كان خالياً ألا من الخادم . و تحدث الناس عن منزل العم حسن عوض الله . و لكن عرفت من الاخ سراج سعيد رحمة الله عليه ان المنزل منزلهم . و سراج سعيد هو شقيق الاستاذة ام سلمة سعيد رئيسة تنظيم المرشدات السودانيات ( الكشافة ) , و محمد سعيد . يبدو ان العم حسن عوض الله اراد ان يستأجر داراً من احد اعدائه السياسيين , حتى يكون بعيداً عن المجاملة و شبهة استغلال النفوذ . فمن الممكن انه اذا استأجر من احد التجار او من ينتمون الوطني الاتحادي لقيل عنه انه لا يدفع ايجاراً . او ان صاحب الملك يحابيه و لا يأخذ منه الايجار الكامل . الاخ سراج سعيد رحمة الله عليه كان مصادماً . و هو صاحب نادي التراب في حي الملازمين . الذي حافظت بناته على التواصل حتى بعد موته . و كان يقود شباب حزب الامة في تفريق المظاهرات , و الهجوم على الاعداء . و قديماً كان الانصار و حزب الامة يسيطرون على نادي الخريجين , الذي هو مركز العمل السياسي في امدرمان . و بسبب دعم السيد عبد الرحمن فاز الشوقيون بزعامة محمد على شوقي , الذي سميت عليه انا , و هو من أقطاب حزب الامة , على الفيللين . بزعامة السيد الفيل . و صلى محمد على شوقي بالجميع بعد الانتخابات و قرأ جهراً سورة ( الم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) . و بعد تدخل المصريين و دعمهم , و الكتابات المكثفة في الصحف , خسر حزب الامة الانتخابات . فهجم شباب الانصار بقيادة سراج سعيد و حطموا النادي و أعتدوا بالضرب على الاعداء . و قطع اصبع الاستاذ الكاتب محمود انيس . و العم حسن عوض الله مثل العم نصر الدين السيد الذي وزع اراضي بحري , لم يأخذوا شيئاً لأنفسهم . يذكر الناس تاريخ الهلال و ينسى الناس ان حسن عوض الله و الحاج عوض الله , كانا من مؤسسي و من لعيبة الهلال . البارحة 18 سبتمبر 2011 اصبت بنشوة و سعادة غامرة عندما تأهل الهلال لدوري الاربعة في المنافسات الافريقية . و انا مريخابي . كنت ادفع اشتراكات لفريق المريخ منذ ان كنت في الخامسة عشر من عمري . و لقد دفعت للمريخ بدمي . فلقد خضت ماتشات ملاكمة بأسم نادي المريخ . و تحصلت على كاس و الميدالية الفضية لفريق المريخ و انا في السادسة عشر من عمري . في دار الرياضة الخرطوم . و لكنا نحب الهلال جداً . و نحب ابطاله . و فوق هذا لنا حب خاص للمورده . لا يعلوه اي حب آخر . و نحب الربيع و نتعصب للعباسية و نقدس ابو عنجة . و نحس بالانتماء للكراكسة و بيت المال , و الحريقة و الحديد و كل فرق الكرة . و نحب الكوكب و النيل و القرود و ود الشواطين و ابراهيم كبير و دولي الصغير و الكبير . و هذه هي الرياضة . المريخ بدأ قبل الهلال , اكرر المريخ بدأ في المسالمة قبل الهلال . و كان الجميع يتمرنون في الميدان الذي صار ميدان الزهور فيما بعد في المسالمة . و لبعد المسافة بدأ بعض الشباب و على رأسهم طلعت فريد الذي يسكن بالقرب من مستشفى امدرمان , و الاستاذ هاشم ضيف الله و الذي لعب لفريق ليدز الانجليزي في الثلاثينات , و مع خليل ابو زيد و التوم كديس و حسن عوض الله و الحاج عوض الله في اللعب في الميدان الذي كان خلف مدرسة امدرمان النموذجية. و ما عرف بسوق القش حيث كان يباع القصب و البرسيم و اللوبا . لأن اي منزل في امدرمان لم يكن يخلو من الغنم . هذا الحي عرف بحي الغنادير , أو فريق برمبل . و تعهد بهذا الفريق العم عباس جلادي . و هو رجل طويل القامة تميز بأنه كريم العين . و كان يدفع من حر ماله و يجهز الكور التي كانت تحتاج لعملية تزرير و ربط بالدبارة بعد كل تمرين . و صار هذا فيما بعد فريق الهلال . و العم حسن عوض الله و الحاج عوض الله لا يذكرون كطلائع لعيبة الكرة في السودان . و لا أحد يذكر الانسان البسيط و الذي يعمل كجلاد و الذي كان يدفع من حر ماله و يشجع الرياضة و هو العم عباس . و لقد انضم اليهم لثلاثة مواسم الفنان و ملحن اغلب اغاني الحقيبة كرومة . و الذي كان يسكن بالقرب من حي الشهداء في امدرمان . و هو مؤلف اغنية الهلال التي كانت مسجلة في اسطوانات . و نحن في براغ كان الطلبة الافارقة يتميزون بملابس جميلة و مختلفة , و خاصة الطلبة من المستعمرات الافريقية . و أذكر ان الفاتح حسن عوض الله كان يقول لي : ( لمن اشوف الصور بتاعت ناس ابوي في المؤتمرات , الاحظ انه بدل الافارقة حاجة جميلة و تلمع و شكلها غريب . و بدل ناس ابوي دي شكلها عادي ) . و لقد كان قادتنا قديماً بسطاء لا يمدون ايديهم للمال العام . شاهدت في التلفزيون السوداني الاستاذة آمنة الصادق بدري و هي تتحدث عن طفولتها . و ذكرت أن العم حسن عوض الله كان يجمعهم و هم اطفال صغار و كان يتبسط معهم , و يسألهم بعض الأسئلة . و كان يسألهم عن جنسهم . و كان البعض يرد بجعلي و شايقي و دنقلاوي . و عندما ردت الطفلة آمنة بأنها سودانية , قال لها : ( دا الكلام الصاح , نحن كلنا سودانية . مافي حاجة اسمها جعلي و لا رباطابي ) . هذا الدرس الرائع افسدته الانقاذ . عندما ذهبت لتعزية زملائنا و أبناء الرباطاب , عثمان وداعة رحمة وشقيقه كمال . و منزلهم في شارع العرضة , في الركن الشرقي لمستشفى الارسالية . و هذا منزل العم وداعة رحمة شقيق اللواء مبارك رحمة . شاهدت العم حسن عوض الله , و كان انيقاً و يرتدي بدلة بلون سمني غامق او بيج . و كانت بدلة عادية . و ما كان يميز تلك البدلة هو الرجل الوسيم الذي في داخلها . و كانت تتقدمه دايماً ابتسامة و نظرة ودودة , و كان رجل دولة بمعنى الكلمة , يشاهده الانسان في كل المناسبات رائعا بشوشا بسيطا , إلا انه يأسرك . رحم الله الفارس السياسي الرياضي الانسان ( ودعوض الله ).