"تأمل فى معنى القصيد". هكذا خاطبنا العنوان ، وصاحب العنوان، وقلمه الساحر بياناً ومعنىً ، نثراً وقصيداً أو فكراً هنا وهناك ....... فلا عجب ....فالدكتور الطبيب عبدالمنعم عبدالباقى إستشارى أمراض الطب النفسي بنيوكاسل غنى عن التعريف لمعشر الأطباء بالمملكة المتحدة ولقراء سودانايل وهو أيضاً كاتب ومؤلف قدير. قلمه الساحر الممتع يقف متميزاً بجماله وسط أقلام سودانية كثيرة متميزة وهبها الله البلاغة في حسن وتخير جمال الكلم والرقي فى التأليف والشعر ومخاطبة القراء الكرام الذين يبحثون بشغف عن الجديد فى مجال الأدب والثقافة والفنون والطب وكل ما يهم الإنسان في حياته بما فى ذلك مشاكل السياسة التي تؤثر سلباً أو إيجاباً علي معاشه وأمنه اليومي. بعد إنتهائه من حلقات نقاشه الفكري المعقدة التركيب عن الإيمان والإلحاد آثر الأخ عبدالمنعم بطبعة الفنان وأحاسيسة الرقيقة ومنظور تخصصه في الطب أن يدخلنا في عوالم أكثر رومانسية في سياحة حديقة غناء ملأى بالفواكه والورود العطرة لكى نسترخي قليلاً من عناء ضغوت العمل وفقر دم الجيوب والعقول ومشاكل الحوارات الجافة والدوران في حلقاتها المفرغة وترديد أسطواناتها التي شاخت ولم تحرك ساكناً ولم تغير حالاً من الأحوال التعيسة. السباحة فى بحور الشعر تحتاج إلى عوّام يجيد العوم فيحيل رياضته تلك إلي جاذبة سياحية تؤدي إلي قمة المتعة وتشحذ ذائقة محبي الشعر. الدكتور الطبيب عبدالمنعم بغض النظر عن علاقته الوثيقة بصديقه الشاعر القدال فهو خير من يأخذنا في سياحة ثقافية فنية سابحاً منتشياً فى بحور شعر القدال وغيره. لقد سعدت بمطالعة ما كتب من قبل فى مواضيع مختلفة وما يكتبه الآن في هذا المجال الخاص الذي يدور حول قصة حليوة. وقصة حليوة تلك جداً "حليوة" والتصغير للتعظيم. فى رأيي المتواضع أن ترتيب نص المقال والنقد والتحليل لبديع في كل الفقرات. اعجبت بدقيق الشرح والتفصيل خاصة بالاخيرة من فقرات الحلقة الثانية حيث قال: زي جهر الكهارب الفي المداين". وحتى الرتاين لا يشبه نورها نور هذه الخدود، فإنّها تجهر كما تجهر الكهرباء في المدن، وهذا التشبيه هو جزء من تجربة القدّال حينما غادر فانوس حليوة المغذّى بالكيروسين لفانوس المدينة المغذّى بالأسلاك الكهربائية. ( انتهى الإقتباس). تذكرت ساعتها أغنية "آمنة" المشهورة، تأليف وغناء فنان بربر " ود الشقلة" بابكر ودالسافل ( عليه رحمة الله) الذي بالغ في وصف آمنة والتي بالفعل كانت حسب ما جاد به الوصف حورية جنة تمشي علي أرض بربر . فقال مبالغاً " حتى أن الذي لم يرها قد أكتفي بمشاهدة من رآها " واحدين قالوا شفنا الشافا" ما تلوموني يا خلانى آمنة في الضمير ماذياني ما شفتوها يا خلانى واحدين قالوا ضامر هافا ماشفتوها واحدين قالوا شفنا الشافا ما شفتوها يا خلانى انا بس بجيب اوصافا روقوا واسمعوا اخبارا دي الحارقا العباد بينارا ماشفتوها يوم صديرا عام في الدارة خلت ناس فلانة حيارا ماشفتوها عامت وانتنت زي بانة ساقيها الندي ورويانا القلل صبرنا واذانا شفت عيونى فى سيقانا الدر فى سنونا لآلي العناب لهيجا الحالى ما شفتوها زي لون آمنة ما لاقاني في عينيها عالم تاني في إيدا الحرير مساني من يوم داكا جاني الجاني جلت قدرته السواك زاد الهيبة نوره كساك كل الجمال أداك منه إخترتى انت براكى ما شفتوها يا خلانى https://youtu.be/aWPZAW2_4UQ والله يا منعم أنت وصديقك القدال الشاعر "لكأنكما" ترعرعتما وتمرغتما في عشب سهول بادية وطننا الحبيب " البطانة" والتقول عشتما وجريتما في أزقة بربر وبشَّرتما في "الخَنَّاقَة" دلاليك أعراسها في ساحاتها الواسعة أو تحت حرازاتها التي كانت مرابط ومحطات سيرات العرسان وأولاد الطهور في مواسم الأعياد والخريف. نقلتموني إلي أيام طفولة وصباً كانت فيها عدسات عيوننا شديدة الحساسية والتركيز فى اكتشاف الجديد وتفهم درجات الجمال فى ما حولنا من الناس والأشياء وإلتقاط تلك الصور من المناظر المنيرة المتوهجة وجوهها بجمال الخلق والإبداع الإهي الذي خُصّ به الانسان. كنا في طفولتنا اليافعة البريئة نحب ونحس بتفاوت درجات الجمال،قبل أن نبلغ الحلم، فى كل شيء وإن لم نغص في تجارب متاهاته ومقالبه..... لكن كان يؤثرنا كل الجمال المحض ، حقيقة كان أم خيالاً وتؤثرنا فعاليات كبارنا من نساء يجدن الرقيص كالأوز المسترخي عائماً في الأنهار الهادئة الصافية مياهها..... ورجال جميلين في قاماتهم الباسقات ولبسهم من جلاليب وعمائم وطواقى أو عراريق وصداري وسراويل طويلة ..... وفوق كل ذلك القوة والفروسية التي كانت تتحدث بنفسها ...... فبعصيهم وسيوفهم كانوا فنانين يجيدون لعب الرقص والعرضة بالدرق والسيوف ويصمدون كالصخر العصي أمام الجلد المبرح بسوط العنج. وتنتهي "اللعبة" بتكسير الرتائن و"قَدْ الدلوكة" نتيجة الشكلة والسكرة الطارت والحمير العارت!. الأطفال يرددون: تفرقيتا تفرقيتا وكل دجاجة علي بيتا في الساعات الأولى من الصباح وتسكت حينها شهرزاد عن الكلام المباح.... كانت أيام وليالي أكاد أراها أمامي الآن رأي العين، أحن إليها وإن لم أذق أبداً طعم شبَّال طيلة حياتي ولم أجرب الحِنَّاء إلا عُنوة عند ما قبضوا عليْ كغيرى صغيراً للتختين لكننى قبلت لبس الحريرة والجبيرة الفضية والجعرانة والسوميت. رحم الله كل ذاك الجمال الذي يرقد الآن بعيداً عنا في عالم الخالدين.... عزيزى القاريء إنني أوصي كل شخص خاصة الشباب من جيل اليوم قراءة هذه السلسلة الفنية الأدبية البديعة من قبل د. عبدالمنعم عبدالباقى علي. فكلها كما أسلفت عبارة عن عرض لصور فنية جاءت جميلة الإخراج مرصعة بدرر تراث ريفنا الحبيب وجميل الذكريات العتيقة الخالدة وعبق فل و ياسمين تلك الأيام الخوالي بل عبق محلب وسرتية وصندلية وفليردامور وريفدور "وصدى دق ريحة" ورنات دلوكة تعطر وتبهج الأحياء والأزقة فتهتز طرباً لها أشجار النخيل والنيم والحراز وفوق ذلك يزينها جمال الإنسان المتفرد في كل السودان وجمال الأشياء وجمال الكلمات والتعابير والنيات السليمة . ما أجملها تلك الأيام وأفراحها وناسها ، كانت حبيبة وظل لها إيقاع في قلب كل منا ولا يزال صداها يرن طرباً وحزناً وشوقاً في نفس الوقت كل الشكر لك د. عبدالمنعم ولشاعرك العظيم الفنان صديقك القدال. المقطع أدناه له علاقة بما ذكز من تلك الذكريات الحبيبة عبدالمنعم https://youtu.be/sHjlbe8kFn4 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.