ربما يبدو هذا الأمر أشبه بضرب من ضروب الخيال ، أو في أفضل الأحوال فرضية تحتاج إلى دعمها بأدلة ومثال ، غير أنّ هذا هو الواقع أمام معلومة نادرة وردت في سفر إسباني هام يحمل عنوان (سجلات فلوريان دي أوكامبو التاريخية) نشر في العام 1553 م ، معلومة كان قد أوردها من قبل كل من المؤرخ الإغريقي (إيراثوسثينيس) والمؤرخ الروماني (إسترابو) ، من أنّ الأمير طهارقا قاد حامية عسكرية في القرن السابع قبل الميلاد في إتجاه الغرب حتى بلغ (أعمدة هرقل) وهو الإسم القديم الذي أطلقه الرومان على جبل طارق . لقد كان أول من أشار لاحقا إلى هذه الواقعة الكاتب الأمريكي المعروف (إيفان فان سيرتيما) في منشوره (العصر الذهبي للبربر) والذي نشر في مجلة (جمعية النقوش) عدد رقم 171 - المجلد السابع – أبريل 1971 ، غير أن ما يثير الفضول في هذا الأمر هو العثور – بحسب المجلة – على نقوش في إسبانيا تدل على أن الأمير (طهارقا) قد أصبح فيما بعد ملكا لمصر والسودان وأنه يعرف في التاريخ الإسباني بإسم (تاراكو) . غير أنّ السؤال الذي يبرز هو : ما الذي دفع (طهارقا) لكي يقود حامية عسكرية في إتجاه الغرب حتى يبلغ جبل طارق ؟ فالقاريء للتاريخ الكوشي يدرك تماما أن الكوشيين لم يكونوا أبدا توسعيين ، بل أن فطرتهم مالت على الدوام للإلتزام بحدودهم وعدم الإعتداء على الأخرين ، إلا إذا إستنجد بهم طرف مستضعف ، مثلما حدث في حالات عديدة كتدخلهم في مصر تلبية لمناشدات أهلها حينما ألمت بمصر دورات الفوضى في عصر المملكة الحديثة ، أو في حالة تدخلهم لحماية أورشليم من الخطر الآشوري حينما إستنجد بهم بنو إسرائيل ، بل حتى في القصة الأسطورية ل (ميمنون) كان التدخل بناء على طلب (إبرايم) ملك طراودة ، للمساعدة في حربه الضروس ضد أثينا ، فهل ذهب طهارقا غربا متحالفا مع البربر ضد عدو مجهول أم هناك أمر أخر؟ هل المقصود حقا هو تاراكو الكوشي أم هناك تاراكو أخر ؟ إن علينا كسودانيين أن نهتم بهذه الجزئيات الهامة لأن لها ما بعدها بالدرجة التي تمنح تاريخنا القديم بعدا جديدا . إن مهمتنا تنحصر اليوم ببساطة في ترجمة النص الأسباني لهذا الكتاب وهو متوفر حتى على نقاط البيع الإليكترونية في الأنترنت ويمكن الحصول عليه بسهولة ، إن الترجمة سوف تحسم جدلية هذا الأمر وحدوث هذه الواقعة من عدمها ، بدلا من جعلها معلقة بين التصديق والتكذيب ! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.