عملية اختطاف خطيرة في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    بالصورة.. الممثل السوداني ومقدم برنامج المقالب "زول سغيل" ينفي شائعة زواجه من إحدى ضحياه: (زواجي ما عندي علاقة بشيخ الدمازين وكلنا موحدين وعارفين الكلام دا)    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد بهدف لكلٍ في كأس العالم للأندية    مانشستر سيتي يستهل مونديال الأندية بالفوز على الوداد المغربي بهدفين دون مقابل    وزارة الصحة تستقبل طائرة مساعدات إنسانية وطبية تركية تبلغ 37 طناً لمكافحة الكوليرا    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    تقرير أممي: الجيش مسؤول عن الجرائم وتدهور الوضع الإنساني في السودان    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    أمام الريال.. الهلال يحلم بالضربة الأولى    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    كامل إدريس يؤكد عمق ومتانة العلاقات الثنائية بين السودان والكويت    ترامب: "نعرف بالتحديد" أين يختبئ خامنئي لكن لن "نقضي عليه" في الوقت الحالي    كامل إدريس ابن المنظمات الدولية لايريد أن تتلطخ أطراف بدلته الأنيقة بطين قواعد الإسلاميين    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    عَوض (طَارَة) قَبل أن يَصبح الاسم واقِعا    إنشاء حساب واتساب بدون فيسبوك أو انستجرام.. خطوات    عودة الحياة لاستاد عطبرة    السهم الدامر والهلال كريمة حبايب في إفتتاح المرحلة الأخيرة من الدوري العام    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    ايران تطاطىء الرأس بصورة مهينة وتتلقى الضربات من اسرائيل بلا رد    خطأ شائع أثناء الاستحمام قد يهدد حياتك    خدعة بسيطة للنوم السريع… والسر في القدم    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجلوس فوق برميل بارود ... بقلم: فتحي الضَّو
نشر في سودانيل يوم 07 - 02 - 2010

مع إطلالة العام الجديد أفصحت كثير من الدوائر ذات الصلة بالقضية السودانية عن رؤيتها حيال ما يجري على أرض الواقع. أو بالأحرى توقعاتها في الفترة القصيرة القادمة، حيث باتت الأمور تقدر بعدد الشهور لا السنين، وبالطبع ذلك لا يعني شيئاً ذا بال في ميزان الدول ولا معايير الأفراد... ففي مقال مشترك للدبلوماسيين السابقين القس جون دانفورث والجنرال لازروس سيمبويا، نُشر في صحيفة (إيست أفريكان) الكينية مطلع الشهر الحالي، بمناسبة مرور خمسة سنوات على اتفاقية السلام الموقعة بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان. حذرا فيه من (احتمال إنهيار هذه الاتفاقية وعودة الحرب بطريقة شاملة إذا لم يتم التوصل إلى حل نهائي لقضية دارفور) وعزيا ذلك إلى (عدم تنفيذ بنود أساسية في الاتفاق) وعلى عكس المألوف في أي عملية انتخابية طبيعية، قالا إن (انتخابات ابريل القادم 2010 واستفتاء العام 2011 يمكن أن يلقيا بالبلاد في براثن حرب مدمرة) وعلى الرغم من أن ذلك ليس أول حديث متشائم بخصوص هذه الاتفاقية وتداعيات إنهيارها إن حدث. لكن كونه يأتى هذه المرة من دبلوماسيين حملا الاتفاقية المشار إليها وهناً على وهن، ذلك ما ينبغي النظر إليه بعيون فاحصة وقلوب وجله. فالأول كان المبعوث الرئاسي الخاص للرئيس الأمريكي السابق، في حين لعب الثاني دور الوسيط الأساسي.. إلى أن إنتهت المفاوضات الطويلة بالتوقيع علي اتفاق السلام في منتجع نيفاشا الكيني.
تلك خطى سبقتهما إليها منظمة العفو الدولية التي أصدرت بياناً في 29/1/2010 حذرت فيه من أن (تتسبب الانتخابات في تدهور أوضاع حقوق الإنسان عبر البلاد، وكذلك في ارتفاع وتيرة النزاع المسلح خصوصاً في دارفور وجنوب السودان) وعلى ذات النسق تحدث جان بيونغ رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي يوم 30/1/2010 إلى راديو فرنسا الدولي متسائلاً (هل هناك خطر محدق في إمكانية إشتعال الحرب مرة أخري بين الشمال والجنوب بالرغم من كل ما قيل في نفيها؟ هل سيشجع استقلال جنوب السودان أطرافا أخري في دارفور ومناطق أخري للمطالبة بالمثل؟) ثمَّ أجاب بنفسه اختصاراً (ينتابنا شعور بأننا نجلس فوق برميل من البارود) يأتي ذلك في ضوء تقرير صدر عن لجنة جمع الأسلحة الصغيرة منتصف ديسمبر الماضي، أشار إلى أن (مستقبل السودان يبدو أكثر توتراً، وأن عملية السلام تترنح من أزمة إلى أزمة) وكذا في ظل أسلحة أخرى ثقيلة قالت السيدة سوزان رايتس مندوبة الولايات المتحدة لدي الأمم المتحدة إنها تدفقت عياناً بياناً من الشمال إلى الجنوب. وفي خضم هذه التداعيات دعت كينيا على لسان رئيس الوزراء ريلا أودينقا في تعميم صحفي صدر في 3/2/2010 (المجتمع الدولي إلى مساعدة السودان على تجنب العنف عند إجراء استفتاء جنوب السودان على تقرير مصيره العام المقبل) ومحلياً استلهم السيد الصادق المهدي ذلك التراث الوافر وتنبأ بما اسماه (سيناريوهات جهنمية) يمكن أن تسفر عنها الانتخابات. جاء ذلك في منتدى (بين السياسة والصحافة) الاسبوعي بتاريخ 3/2/2010 وأضاف ترهيباً وترغيباً في آن معاً وقال (في حال لم تمل يقظة الضمير ومصلحة الوطن وبركات العناية علينا نهج التوافق بين مرشحي الرئاسة، سنخوض معركة الانتخابات التي ستفرض على البلاد مزيداً من الويلات المدمرة)!
إذاً فنحن أمام صورة قاتمة تكاد تحظى باجماع مراقبين مؤثرين. ومع ذلك لا يخالجني أدنى شك في أنهم ليسوا وحدهم المتشائمين، فلو أن المرء استفتى أهل السودان جميعاً بناءً على معطيات الواقع الماثل أمامنا، لقالوا بلسان مبين وبجميع لغاتهم المحكية، إنهم يرون وميض نار تحت الرماد يوشك أن يكون لها ضرام. ذلك عدا العصبة ذوي البأس الحاكمة بالطبع، فهم لا يريدون أن ينظروا للأمور بأبعد من أرنبة أنوفهم، لهذا فهم لا يرون ما يراه الناس ولا يشعرون بما يستشعره الخلق. وبالرغم من أن هذا الواقع لم يأت بغتة ولم يهبط فجأة بين عشية وضحاها، إلا انهم ظلوا يكابرون ولا يريدون الاعتراف بأنه من صنعهم، واقع مأساوي جاء نتيجة لتراكمات فساد السلطة على مدى عقدين من الزمن. وتلك هي نتيجة منطقية لمن إستاثر بها غصباً وأراد حكم الأمة بدون إرادة مواطنيها. وتلك هي محصلة بديهية لمن احتكم للقوة وعمل على اقصاء الآخر عنوة، وتلك هي خلاصة متوقعة لكل من ظن توهماً أن العناية الإلهية أرسلته لإنقاذ قوم من شرور أنفسهم. لم يكن أهل السودان يرجمون بالغيب فيما قالوه عشية الانقلاب المشؤوم، فذلك ما استوحوه من دروس وعبر التاريخ، فما تكرر حدوثه في ديارهم حدث يومذاك في الدولة النازية، وحدث في الدولة الفاشستية، وحدث في الدولة الديكتاتورية التي كان الرئيس العراقي صدام حسين أخيرها وليس آخرها. ولم تجتهد العصبة كثيراً فقد استقت كل هذه التجارب مع بؤسها، وغلفتها بغطاء الدين ودغمتها بفتاوي فقه الضرورة.
التاريخ كما نعلم لا يُمحي بأستيكة. وثمة قاعدة أزلية تقول إن ما بني على باطل فهو باطل، وهي القاعدة التي تظل صالحة لكل زمان ومكان مهما اجتهد مزينو الباطل في إخفاء عيوبه بأساليب الفهلوة والخداع ولعب (الثلاثة ورقات) وعليه فإن قصة أهل السودان ببساطة شديدة تقول إن عصبة تسورت حائط السلطة ليلاً وأجهضت نظاماً برلمانياً منتخباً أياً كان الرأي حوله إتفاقاً أو إختلافاً. مارس النظام الإنقلابي كل الأساليب البغيضة مع مواطنيه بصورة عامة ومعارضيه بصورة خاصة. ولم يكن يري سوى البندقية وسيلة لتداول السلطة، بل أن رئيسه لم يجد حرجاً في نفسه من أن يطالب معارضيه بالمنازلة الصريحة إن أرادوا الوصول لها، وهي الدعوة التي وجدت استجابة مدعومة إقليمياً ودولياً، الأمر الذي فتح أبواب العنف وأغرق البلاد في بحور من الدم. ونتيجة للأوضاع غير الطبيعية في تلافيف السلطة الحاكمة حدث ما اسموه بالمفاصلة في ديسمبر 1999 وانقسم الاسلاميون جرائها إلى جناحين، المؤتمر الوطني الذي استبقى نفسه في السلطة بآليات جديدة وبقيادة الرئيس عمر البشير ومؤتمر شعبي لزم صفوف المعارضة بزعامة دكتور حسن الترابي. توصل الأول إلى اتفاق مع الحركة الشعبية في 2005 شاركته بموجبها السلطة والثروة بغض النظر التشاكس المستمر. وعلى غرار ذات الاتفاق حاولوا تمكين أنفسهم في السلطة باتفاقيات اخري مماثلة مع قوي وتنظيمات سياسية، كان قاسمهم المشترك فيها جميعاً نقض العهود والتنكر للمواثيق. على أية حال تقرر اقامة انتخابات رئاسية وتشريعية وولائية الآن بموجب اتفاق السلام. إلا أن هذه الانتخابات تعرضت لجدل شديد، فالبعض يراها إمتداد لنهج الكذب والخداع الذي دأبت عليه العصبة. ويعتقدون إنها زيفت الانتخابات سلفاً بالتلاعب في سجل الناخبين، والذي سبقه التلاعب نفسه بالاحصاء السكاني. ويرون أيضاً إنها لن تكون حرة ونزيهة طالما أنها تقام في ظل ترسانة قوانين قمعية، علاوة على أن العصبة الحاكمة عمدت إلى استغلال امكانات الدولة دونما حياء وأمام عيون مفوضية الانتخابات التي لا حول لها ولا قوة. في الجهة المقابلة يرى انصار قيام الانتخابات أن النواقص المذكورة لا ينبغي أن تكون سبباً في مقاطعتها، بدعوى أنها يمكن أن تكون خطوة أوليه في مسار تحول ديمقراطي وإن طال السفر، أو أنها يمكن أن تكون سبباً لاستثارة مشاعر المواطنين للقيام بإنتفاضة انتخابية حقيقية إن جاز التعبير.
الذي حدث أن إرتباكاً غير مبرر ساد أروقة القوى المعارضة التي اصطفت مع الحركة الشعبية في خندق جوبا، وحددت في اجتماعها الأول المنعقد في سبتمبر 2009 شروطاً للمشاركة في الانتخابات، وقالت إن على الحزب الحاكم الايفاء بها حتى تاريخ 30/11/2009 لكن التاريخ المذكور مرّ دون أن تحرك العصبة الحاكمة ساكناً. وبالرغم من أن القوى المتحالفة لجأت إلى أساليب أخرى للتعبير عن موقفها مثلما حدث في مسيرتي 7 و14 ديسمبر2009 إلا أن عنف السلطة المتوقع كان مدعاة لتناقضات بين القول والفعل، ففي حين استمرت بعض القوى السياسية في موقفها الداعي إلى مقاطعة الانتخابات ما لم تُلبى الشروط المذكورة، كان البعض قد شرع فعلا في اجراءات الانتخابات. وهنيهة ذابت الفواصل فتوجه الجميع نحو المشاركة عدا السيد على محمود حسنين الذي بقى مثل السيف وحده ينادي بضرورة المقاطعة. في ضوء الوضع الجديد هذا اجتمعت قيادات من القوى السياسية مرة أخرى في جوبا واصدروا بياناً بتاريخ 2/2/2010 حوى جملة قرارات رمت جميعها في اتجاه المشاركة بغض النظر عن التحفظات التي لازمت القوانين القمعية. بل لم يجد المجتمعون بداً من الالتفاف حولها ببند أقرب إلى الاستجداء (طالب الاجتماع رئيس الجمهورية باصدار قرار جمهوري يقضي بتجميد وابطال كافة القوانين المقيدة للحريات في الفترة ما قبل الانتخابات، وتعديلها نهائيا بواسطة البرلمان المنتخب لاحقاً حتى تتوافق مع الدستور الانتقالي) وبهذا أسدل الستار على المقاطعة حتى وإن تمسك البعض بخيط واهن في حدوثها قبل إنتهاء فترة الانسحاب المحددة بتاريخ 25 فبراير الجاري.
يقيني أن الكل يتمنى لو أنه أزاح أستار الغيب ليعلم ماذا يمكن أن يحدث غداً في مسرح العبث هذا، فبالرغم من إيماننا الرامي في اتجاه إن هذه الانتخابات لن تفضي إلى تحول ديمقراطي حقيقي، وبالرغم من أننا لا نرى جدوى يمكن أن تُجنى منها في ظل (الكنكشة) التي تمارسها العصبة ذوي البأس في السلطة. لكن سنضع ذلك جانباً وسنحاول أن نساهم في استنكاه ما يمكن أن يحدث طبقاً للوقائع التي بين أيدينا والتي سنرسم بها سيناريوهات إتكأت على الواقع واستلهمت من الخيال صوراً قد تصيب وقد تخيب. باديء ذي بدء لابد وأن المراقبين قد لاحظوا أن المشاركة المكثفة للقوى السياسية التي دفعت برموزها إلى قمة الانتخابات الرئاسية قد أربكت خطط المؤتمر الوطني، والذي يبدو أنه بني حساباته على أساس أن هذه القوى لن تأخذ الأمر مأخذ الجد، أو حتى إن فعلت فستكون وفق مشاركة ضعيفة إيحاءً بتحقير العملية الانتخابية برمتها. وطبقاً لذلك لابد وأن عصبة المؤتمر الوطني ركنت إلى أنها ستحصل على الأغلبية وتحسم الموضوع من الجولة الأولى أو على أسوأ الفروض الحصول على نسبة ال 51% (وهي تعادل 8046859 من جملة عدد المسجلين البالغ 15778154) للعبور للجولة الثانية. لكن جاءت ما سُمي باستراتيجية تشتيت الأصوات لتكون عنصراً مربكاً، لاسيما، وقد أتضح للعصبة الحاكمة وفقاً لحديث الأرقام أنه يصعب الوصول لأي من الهدفين في ظل مشاركة الحركة الشعبية، إلى جانب الحزبين التقليديين، والمؤتمر الشعبي، والقوي الحديثة بما فيها اليسار والآخرين. بل يبدو ذلك مستحيلاً حتى ولو جنحت لتزويرها في وضح النهار!
إزاء هذا الوضع المعقد لابد وان يتساءل المرء عن الكيفية التي ستخرج بها عصبة المؤتمر الوطني الحاكمة من هذه الورطة؟ في تقديري هناك طريقان لا ثالث لهما، أولهما دخول العصبة في تفاوض مباشر مع بعض القوى السياسية المنافسة، وبالفعل يبدو أن ذلك ما حدث بالفعل مع إثنين، الحركة الشعبية لتحرير السودان، والتي تقول أخبار الكواليس أن المؤتمر أراد ابتزازها أولاً بدعم سليفا كير كمرشح لحكومة الجنوب، حتى وإن تطلب ذلك التخلي عن تنظيمات وافراد من صنيعهم هدفوا من ورائها لزعزعة الأرضية التي تقف عليها الحركة الشعبية، وعندما لم يجد الابتزاز سبيلاً جنحوا للمقايضة، إذ طلبوا من الحركة الشعبية سحب مرشحها (ياسر عرمان) وتوجيه قواعدها للتصويت لمرشحهم، ذلك مقابل شراكة مستقبلية يتم فيها استفتاء سلس. ووفقاً لما علمنا تجدر الاشارة إلى أن الحركة الشعبية دفعت بمقترح في ديسمبر الماضي واعتبرته آخر فرصة للوحدة، وقد اقترحت فيه أن يكون الفريق سيلفا كير رئيساً للسودان على أن تتخلى عن مقاعد السلطة التشريعية. وما الزيارة المثيرة للجدل التي قام بها رئيس النظام للملكة العربية السعودية مطلع العام ببعيدة عن هذا السيناريو. وهو ما أزاح المشير عبد الرحمن سوار الذهب رئيس اللجنة القومية لمرشح الحزب الوطني النقاب عنه بعض الشيء، فوفقاً لحديثه للصحافة 5/2/2010 فقد (كشف عن مساومة من قِبل بعض القوى الغربية من أجل أن يتنازل المشير عمر البشير عن الترشيح في الانتخابات الرئاسية المقبلة مقابل اسقاط تهمة ممارسة الابادة الجماعية) على كل يبدو أن عصبة المؤتمر الوطني ظنوا أن في ذلك إغراء كاف للحركة الشعبية، الأمر الذي أوصد تصريح لأمينها العام باقان أموم الأبواب أمامه، لأنه فيما يبدو كان مجرد نبيذ قديم في قارورة جديدة. وقد جاء اجتماع جوبا الثاني كدليل على أن الحركة الشعبية قطعت به قول كل خطيب في علاقتها مع المؤتمر الوطني. من جهة ثانية دخل المؤتمر الوطني في تفاوض أيضاً مع الحزب الاتحادي الديمقراطي، وقدم له بحسب ما علمنا إغراءً يرمي إلى إخلاء دوائر جغرافية لتكون من نصيبه في الانتخابات التشريعية القادمة، وهو إغراء لم يجد الاستجابة الكاملة حتى الآن ربما لضعف الطالب والمطلوب. وعليه يتضح ألا مناص أمام عصبة المؤتمر الوطني سوى المضي في طريق الترغيب، لربما وجدت من استجاب لها لكي تعبر بمرشحها نحو بر الرئاسة. لكن إن لم يحدث ذلك فليس أمامنا سوى الإقرار بالسيناريو الذي أفزعني وينبغي أن يفزعكم أيضاً. إنه السيناريو الذي يؤكد أن هذه العصبة ستفتعل اضطرابات عنيفة تنثال فيها الدماء، لتجعلها مبرراً لإعلان حالة الطواريء والأحكام العرفية وبالتالي إلغاء الانتخابات!
ذلك ليس رجماً بالغيب إنما بحسابات الواقع، والشاهد في ذلك إن دخول عصبة المؤتمر الوطني هذه الانتخابات بظهر مكشوف يعني خسران مبين لمرشحها، وفي ضوء تطورات المحكمة الجنائية ستكون الخسارة سيفاً مصلتاً على كثير من الرقاب وليس الرئيس المطلوب للعدالة وحده. ويعلم المراقبون أن هذه العصبة لم تلتف حول مرشحها ليس لأنه أكثرهم وطنية ولا أرجحهم عقلاً ولا أكثرهم تديناً ولا أقلهم فساداً، ولكن لأن مثوله يعني مثول قائمة قد تطول وقد تقصر. الشيء الثاني تعلم عصبة المؤتمر الوطني أنها تدخل انتخابات وهي خالية الوفاض من إنجازات ملموسة في حياة المواطن، إنجازات تجعل هذا المواطن يقدم طوعاً لإعادة إنتخاب من جربه لعقدين من الزمن. بل إن ما يزيد الوضع ارتباكاً فهي تقدم على المغامرة بسجل ملييء بالأوزار ومثقل بالأخطاء والخطايا. وتتعقد المعادلة أكثر في ضوء ما رشح من اخبار تؤكد تنامي تيار بين العصبة نفسها، شرع في إثارة المسكوت عنه في أجندة السلطة والثروة، وهم من يرون انفسهم أقل الناشطين تورطاً في قضايا الفساد، بل أن التساؤلات تزايدت باستفهامات تساءلت عن الهدف من انتخاب رئيس لن يستطيع زيارة أي دولة مؤثرة من دول صناعة القرار العالمي؟ والراجح عندي أن هذا التيار لو حدث وتمدد وطمح إلى ضرورة استبدال المرشح بمرشح، فإن الرئيس المعني لن يقف بيد عاجزة عن أن تتناول بزته العسكرية التي خلعها بالأمس!
من نكد الدنيا على هذا البلد العظيم إنه أصبح يعيش في كنف واقع تحف به رمال متحركة من كل حدب وصوب. واقع لا يتوقف عند مكابرة العصبة ذوي البأس في عدم الاعتراف بمأساويته، بل تماديها في تقبيح الجميل وتجميل القبيح. عصبة تريد ان توهم الناس بأن العالم كله يتآمر عليها، دون أن تقول لماذا هي وحدها دون سائر خلق الله، عصبة ما تزال ترى الفساد إنجازاً والفشل إعجازاً، عصبة تظن أن حرمان مواطنيها من ابسط قواعد الحياة نعمة وأن موتهم رحمة، عصبة تعتقد أن شكوى مواطنيها من غلاء المعيشية وتدهور خدمات الصحة والتعليم ترف لا مبرر له، عصبة ترى التسلط أرقى أنواع السلطة، عصبة اختلطت عليها مفاهيم السيادة وباتت تنظر لأصحاب القبعات الزرق كأنهم رزق ساقه الله عليها، عصبة تيقن أن الكذب خصلة يمكن أن تضاف لميزان حسناتها. يا سيداتي وسادتي.. تعلمون إننا نقف أمام وطن يزحف نحو القبر، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه كم من السودانيين يعلمون دافنيه؟ وكم من الذين بيدهم الأمر يدركون أن النار التي استوقدوها ورقصوا حولها طيلة العقدين الماضيين لن تكون برداً ولا سلاماً بعدئذ!!
عن صحيفة (الأحداث) 7/2/2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.