16 يناير ، لا لنهج (المكاوشة) ——————————- (1) المعارضة والتحديات ماذا تريد المعارضة وهل هي مؤهلة لما تريد ؟ سؤال بديهي دعونا نجيب عليه بأجوبة بديهية : تريد إسقاط النظام ، نظام الحزب الواحد المستبد الفاسد لإقامة نظام وطني مسئول يعبر عن كل السودانيين ، اي ما درجت ادبيات المعارضة بالتعبير عنه (تفكيك دولة الحزب الواحد لصالح دولة الوطن).. التركة التي سترثها المعارضة فعلاً رهيبة ، فالفساد المدمر الذي حاق ببلادنا لا مثيل له ، ليس في تاريخ السودان فحسب ، وإنما في طول التاريخ البشري وعرضه .. هو نوع عجيب من الفساد الاناني ، فالفساد موجود بدرجات متفاوتة في كل مكان تقريباً ، ويتعلق في الغالب بالكسب غير المشروع من ريع الدولة ومؤسساتها كالعطاءات والعمولات والرخص التجارية ..الخ ، اما الفساد الاناني الذي انفردت به حكومة (الإنقاذ) فانه يرتضع من ممتلكات الوطن العامة بتفكيكها وخصخصتها ثم بيعها لأركان النظام واتباعه بابخس الاثمان ، وبالهيمنة علي الموارد الطبيعية والاستحواذ عليها بالنهب بعيداً عن حسابات الدخل والمنصرف في الميزانيات كالبترول والذهب ..الخ ، وبالتصرف في أراضي الوطن بالبيع والرهن والإيجار للاجانب ، وفي ارصدة الديون الأجنبية التي تستجديها لتمويل المشروعات (السدود ، الجسور ، المطارات ...الخ) .. امام المعارضة إذن ، عندما تأتي للحكم ، مهام جسيمة لا توجد تجارب تستلهمها ، عليها ابتداع وسائل سودانية خالصة لمواجهتها .. مثلاً عليها ان تتصدي أولاً للشؤون والمهمات الحكومية العامة من خلال تشكيل لجنة لكل مرفق ، لجنة من خبراء وقانونيين وسياسيين من أهل المجال ، ومن اهم تلك المرافق : مشروع الجزيرة ، العملية التعليمية (في المناهج ، المعلمين ، المباني والمراحل ..الخ) والتعليم العالي ، السكك الحديدية ، هيئة الموانئ والخطوط البحرية والجوية ، الصحة ، العقارات الحكومية ، أراضي السودان المرهونة والمباعة والمؤجرة (زراعية وغير زراعية) ، والأراضي الوطنية المحتلة من بعض دول الجوار .. الخ ، علي سبيل المثال لا الحصر .. وعليها أيضاً ، في نهاية الامر ، ان تعقد مؤتمراً دستورياً بمشاركة الجميع ، الجميع بمعني الجميع ، لتقرير كيفية حكم السودان وشكل ذلك الحكم في دستور يرضي عنه أهل السودان ، وصياغة قانون للانتخابات ثم اجراء انتخابات عامة في ختام تلك الفترة الانتقالية التي لا تقل عملياً عن خمس سنوات .. ذلك هو موجز المهام امام المعارضة عندما تأتي للحكم ، ولأنها مهام وطنية تهم كل أبناء الوطن وأقاليمه ، فإنها تتطلب مشاركة كافة القوي السياسية ، ولكي تتحقق تلك المشاركة يجب ان تكون تلك الأحزاب في حالة توحد حقيقية منذ الان (مرحلة الثورة وانتزاع السلطة) ، الوحدة حوجة أساسية وطريق وحيد في مرحلتي الهدم والبناء ، فهل الذي يجري أمامنا وبيننا الان في مستوي تلك المهام والتحديات ؟؟ .. الحركة الجماهيرية في تجاربها وصعودها الأخير تقول : نعم ، انها مستعدة لتلك التحديات ، وان في أحشائها تكمن قدرات عالية يتوقف تفجيرها وتحديد وجهتها التاريخية علي مبدئية القوي التي تقودها وفي تجردها وصدقها في علاقاتها الداخلية والخارجية ، غير ان الحراك الأخير ، الذي نظمته قوي (المعارضة) ، شابه سلوك غير حميد لا مفر من التعرض له بوضوح لان تمرير مثل هذا السلوك والسكوت عليه يضر بتحالف المعارضة وخططها القادمة ... فما الذي حدث لنقول انه سلوك غير حميد وضار ؟. (2) 16 يناير ، ماذا حدث ولماذا ؟ دون الدخول في تفاصيل اللقاءات والنشاطات التي جرت بين كتلتي المعارضة : نداء السودان وقوي الاجماع ، والتي سبقت حراك يناير ، أتوقف فقط عند اخرها التي جرت عقب اجازة الميزانية والزيادات الرهيبة التي رافقتها في أسعار السلع وتكاليف الحياة .. انتهت تلك اللقاءات باجتماع رؤساء تلك الأحزاب وصياغتهم لوثيقة (اعلان الخلاص الوطني) كبرنامج يهتدي به الناس ، وفي جلستهم التي انعقدت يوم 20 ديسمبر 2017 اتفقوا علي تنظيم وقفة احتجاجية شعبية للتنديد بالقرارات والزيادات ولإعلان فشل النظام ومطالبته بالرحيل ، وان تكون تلك الوقفة يوم الأربعاء 17 يناير 2018 في ميدان المدرسة الأهلية بامدرمان .. وأثناء الإعداد لهذه الوقفة ، وفي اخر اللحظات ، تفاجأ القوم بإعلانات وملصقات صادرة عن الحزب الشيوعي السوداني/تنظيم العاصمة تدعو الي موكب سلمي يوم الثلاثاء 16 يناير 2018 ينطلق من حدائق الشهداء لتسليم مذكرة ( لوالي الخرطوم ضد ميزانية ولاية الخرطوم ) !! مستفيداً من تلك التهيئة الشعبية التي قامت بها وشاركت فيها كل احزاب تحالف المعارضة !! حدث ارتباك وتراشق طفيف بين ذلك الحزب وبقية احزاب المعارضة ، انتهي بان يخضع الجميع للامر الواقع بالاتفاق والتجاوب ودعم الدعوة منعاً لأي انشقاق او ظهور بمظهر المعارض للنهوض الجماهيري اذ لا وقت ولا مجال لشرح الامر لجماهير الشعب ، فخرج الجميع في المسيرة ... كان خروجاً ماكراً عن الاتفاق وخطفاً لجهود الآخرين وإلا لماذا لم يقترحوا ذلك داخل اجتماعات رؤساء الأحزاب ؟ ولماذا بالتحديد يوم 16 يناير قبل يوم واحد من 17 يناير الموعد المتفق عليه بين الجميع ؟؟ لا يهمنا التفسير الرائج عن صراع داخلي في الحزب الشيوعي بقدر اهتمامنا بالنتائج : بيانات الحزب الشيوعي ، مقالات كتابه ، تعليقات أعضائه وجماهيره في الاسافير ثم بيانات ورسائل الأحزاب الشيوعية في المنطقة ، كلها تشير للحدث وكأنه دعوة وجهود من الحزب الشيوعي استجابت لها الأحزاب والجماهير ، وأحياناً بعبارات ظاهرها التواضع بانه لا فضل للحزب الشيوعي وباطنها الترويج بانه من صنعه !! لا يهمنا كل ذلك ، بل يهمنا اكثر مستقبل العمل الجماعي الموحد لاحزاب المعارضة ودرجة ثقتها فيما بينها في الذي تتفق عليه من خطط ومواقف نتيجة لهذا السلوك الذي أعاد الي ذاكرة البعض من جيل الانتفاضة (ابريل 1985) الذين كانوا طلاباً بجامعة القاهرة/فرع الخرطوم ، يقولون ان الذي حدث الان تكرار لما حدث آنذاك ، قالوا : ( في اجتماع للجنة السياسية لاحزاب التحالف تم الاتفاق علي تسيير موكب مظاهرة يوم 6 يناير 1982 وقاموا بتهيئة قواعدهم الطلابية تماماً لذلك الموكب ، ولكنهم فوجئوا بتنظيم الشيوعيين لركن نقاش يوم 5 يناير حرضوا فيه الطلاب علي الخروج في تظاهرة !! وبالفعل خرج الجميع في التظاهرة منعاً لأي انشقاق ، بعدها اجتمعت اللجنة السياسية للتحالف عصر نفس اليوم وقررت فصل التنظيم الشيوعي/الجبهة الديمقراطية من التحالف بسبب ذلك السلوك ، وخرج موكبهم في اليوم المحدد 6 يناير 1982 وهو الموكب الذي تسبب في خروج جماهير الخرطوم معهم في المظاهرات الضخمة المعروفة) مثلما حدث يوم الأربعاء 17 يناير 2018 عندما تجمع الناس حول الميدان الذي أغرقته اجهزة النظام بمياه الصرف الصحي ، ومن هناك الي دار حزب الأمة حيث عقدوا المؤتمر الصحفي الذي أذاعوا فيه (اعلان الخلاص الوطني) ولكن بغياب القيادات العليا للحزب الشيوعي وعناصره الحركية المؤثرة بسبب موكب اليوم السابق ( 16يناير 2018 ) .. هذه حقائق اجد نفسي مضطراً لذكرها ونشرها انحيازاً لمستقبل الوحدة التي بدأت تتشكل عملياً بين قوي المعارضة ، الوحدة القائمة علي مواثيق واتفاقات وخطط عمل يتفاني الجميع في تحقيقها بتجرد ومبدئية والتي من الصعب إنجازها في وجود مثل هذا السلوك الدعائي المظهري ، وهي الوحدة التي ندخرها في المقام الاول لمرحلة الإصلاح وإعادة البناء لكنها تبدأ الان .. اذكرها انحيازاً لمستقبل الوحدة بين قوي المعارضة فقط اذ لا مصلحة لي من اي نوع في مثل هذا الحديث عن سلوك سلكه الحزب الشيوعي الذي أكن له كل الاحترام وتربطني علاقات صداقة شخصية واجتماعية مع عدد من قياداته وكوادره .. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.