خبر وجود السيد/ هاشم عباس, الموظف السوداني في البلدية, في إمارة عجمان, لمبلغ 5,196,881 درهم إماراتي , أودعت عن طريق الخطأ في حسابه المصرفي,و إعلام إدارة البنك بذلك. هذا الخبر نشرته الصحف كخبر عادي, إذ أفردت له الصحف التي نشرته حيزاً صغيراً بجانب الأخبار الأخري التي نشرتها في ذلك اليوم. هذا خبر هام و كبير في قيمته المعنوية, بما يشير إليه من قيم حميدة لا زال السودانيون يؤمنون بها و يتمسكون بها, بل يعضون عليها بالنواجذ, في هذا الزمن الصعب الذي أخذ الكثيرون يلهثون فيه وراء المادة و يتكالبون عليها, و لايهم الوسيلة التي يأتي بها هذا المال. الأمانة من أعظم و أجل قيمة ينبغي أن يتحلي بها الإنسان, ذلك انها تشير إلي أصالة معدنه, و قوة نفسه, و حسن تصرفه إزاء المواقف الأخلاقية التي تمر به, و تشير إلي عفة نفسه و طهارتها من الآثام التي تحيك بالنفس في مثل هذه المواقف التي يبتلي بها المرء. و لعظم هذه الأمانة, فقد جاء في الأثر, أنها أول ما يرفع من التكاليف التي يكلف بها المسلم, في إشارة إلي إبتلاء المسلم في آخر الزمان, إذ يكون المسلم القابض علي دينه, كالقابض علي جمر, كما جاء في الأثر. هل أتينا علي هذا الزمن الصعب؟! ما كان لهذا الخبر أن يمر مرور الكرام, بل كان ينبغي أن يلقي حظه من الإذاعة و النشر في مختلف وسائل الإعلام. و كان ينبغي أن يسوق لهذا الخبر كدليل علي عفة الإنسان السوداني و أمانته. هذا السوداني الذي ما يفتأ الجهلاء و ذوي الغرض, يشيرون إليه بأنه ( زول ساكت) أي لا يصلح لأداء شئي مفيد, مقابل الآخرين ( سماحة جمل الطين) و ذوي ( الحلاقيم) الذين يملأون الدنيا ضجيجاً و عجيجاً, و يبتدعون الحيل لأكل العيش, فبئس العيش و بئس آكليه. جاء في الخبر, أن السيد/ هاشم عباس, يعمل موظفاً في بلدية عجمان براتب شهري يبلغ خمسة آلاف درهم, و لديه إبنان يدرسان الطب, و لكن تعثرت دراستهما بسبب عدم قدرته علي مقابلة تكاليف الدراسة العالية. و السؤال الذي ربما يطرحه البعض : أما كان لهذا الرجل أن يستغل هذا المبلغ الذي وجده صدفة في حسابه, في حل ضائقته المالية؟ إنها الأمانة التي نأت بحملها الجبال, و حملها الإنسان, و هي ما نفاخر به نحن معشر السودانيين, حين نقارن أنفسنا مع الآخرين. أذكر أني في بداية عملي كمحاسب, عملت مع رجل كبير في السن, و طيب القلب. كنت أخرج معه في بعض الأحيان لمتابعة بعض الأعمال. كان يحكي لي عن أمانة السودانيين, و لم يفضلون السودانيين علي غيرهم. كنت أسر لهذا القول, و لم لا؟ أوليست هذه صفة حسنة تضاف إلي سيرتنا حين ننافس في سوق العمل مع الآخرين؟ أذكر أني ذهبت ذات مرة إلي البنك لإيداع مبلغ خمسة آلاف ريال سعودي في حساب المؤسسة. قام الموظف بإستلام المبلغ, و لكن سجله خطأ في حساب المؤسسة, إذ عمل علي كتابة مبلغ خمسون ألف ريال بدلاً من مبلغ الخمسة آلاف التي إستلمها, أي أضاف صفراً. هذا الصفر الشقي الذي يموت عندما يقع في أقصي اليسار, و لكنه يفعل الأعاجيب حين يقع في جهة اليمين.إكتشفت هذا الخطأ عند مراجعتي لسند الإيداع, ثم رجعت إلي البنك فوراً حيث أخبرت الموظف الذي عمل علي تعديل القيد. هذا إجراء خاطئ كان سيكلف موظفي البنك كثيراً من الوقت و الجهد لمراجعة الحركة اليومية حتي يتم موازنة هذه الحركة. لقد جاء في الخبر, أن البنك عمل علي تجميد راتب هذا العميل حتي يراجع حساباته. هذا إجراء عادي يقوم به البنك في مثل هذه الحالات لكي يستوثق من حساباته, و لكي تتحدد المسئولية عن هذا الخطأ الجسيم. و لكن لم ترد أي إشارة إلي أن هذا البنك عمل علي تكريم الرجل, و لا بكلمة شكر, و هذا ما أحزنه. هذا تصرف غير مقبول من إدارة هذا البنك, ذلك أن جزاء الإحسان, هو الإحسان, و لكن البنك لم يفعلها. كم يكون جميلاً إن عملت القنصلية السودانية في عجمان علي تكريم هذا الرجل لأمانته و رد الجميل إليه, ما دام أن الآخرين قد تجاهلوه. و كم يكون جميلاً إن عملت السفارة السودانية علي مساعدته ليكمل إبنيه دراستهما. هذا إنسان مغمور, و لكنه صار مشهوراً بفعل هذا التصرف النبيل. لقد رفع رأس السودانيين عالياً, فله منا التحية. رشيد خالد إدريس موسي الرياض / السعودية