نَشَرت بعض صفحات التواصل مقالاً كتبتُهُ بعنوان التحية لوزير المالية ، وَوَجَدت مادتُه قَبُولاً واسعاً إِلَّا قلةٍ فَهِمت عمداً أنه مناداة لتسليم السيد الرئيس للمحكمة الجنائية ، مع أني لم أقل (فَلْنُسلِم) إنما قلت بالحرف الواضح (فليذهب) وقد جاء في المقال : (وإذا كان سبب الحصار هو شخص الأخ الرئيس وجنائيته فليذهب السيد الرئيس اليها مضحياً بنفسه مرفوع الرأس من أجل وطنه وشعبه حتي إذا أدي ذلك لإعدامه) فالخطاب موجه للسيد الرئيس بحيثياته وبعبارة (فليذهب) وأعني بذلك فليذهب من تلقاء نفسه ، ولا ينبغي له أن يبني قرار عدم الذهاب بحيثياتٍ عاطفية تتجاوز مصلحة الوطن لمصلحته الشخصية ، فيكون بذلك من الذين ندعوا عليهم بقولنا : اللهم لا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، إنما يتعين عليه أن يبني قرار ذهابه للمحكمة مستشعراً مسئوليته تجاه مواطنيه ، فأنا رغم عدم اعترافي بالجنائية إلّا أني لا أري حرجاً في ذهابه اليها ، بل يزيدني ذلك عزاً وفخراً إذا ذهب ليرفع هذا الهم والغم عن كاهل مواطنيه ، فالموضوعية لا تقتضي الهتاف الفارغ واستعراض العضلات الميتة إنما تقتضي الحكمة والالتزام بالواقع مهما كان رأينا فيه طالما أنه يؤثر سلباً علي حياتنا ( الموضوع ما رجالة ) كما أن الكرامة التي جعلناها ثمناً لهذا الواقع ماهي إلّا تحريفاً للكلم عن مواضعه فالجماعة أولي بالكرامة في هذه الحالة من الفرد مهما كانت رمزيته وكرامة الوطن الحقيقية تتجسد في ألّا نكون يداً سفلي تتسول الناس أعطونا او منعونا. يقول سبحانه وتعالي ( وإن الدين لواقع ) وهنالك كثير من الآيات تؤكد أن الواقع يفرضُ الشرائع ، فالهجرة من بطش السلطان شريعة ( ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ) وأكل الميتة وشرب الخمر في حالة الاضطرار شريعة ، وإذا كانت أمريكا ذات شوكة فمناطحتها التي قد تؤدي الي الضرر العام تُعتبر سذاجة وطيش ، والاستجابة للشرعية الدولية مهما كان رأينا فيها قرار صائب وحكيم حيث القاعدة الأصولية لا ضرر ولا ضرار ، والمشقة كما يقول الفقهاء تَجْلُبُ التيسير ، ولذلك أقول إذا كانت الشريعة المبرّأة من كل عيب سبباً في ضيق الدنيا وفقر الناس وفاقتهم فتركها واجب حيث لا يكلف الله نفساً الّا وسعها. هاتفني سراً إخوة كرام نافذين في تنظيم المؤتمر الوطني ، يؤيدون ما ذهبت اليه وطلبوا مني ولأهمية هذا الموضوع ضرورة تناوله في الإعلام ليصبح رأياً عاماً ، وبالطبع ليس بمقدور أحد منهم مهما علا شأنه التنظيمي والفكري أن يتجرأ لنقاش هذا الجند في حضرة السيد الرئيس ، أو في أيّ إجتماع رسمي لأن السيد الرئيس أصبح خطاً أحمراً لا يجوز تعديه مهما كانت التكلفة ، وبما أني أردت لهذا المقال أن يكون مدخلاً لحوارٍ فأختم مقالي بأنه في تقديري لا يجوز أن نجعل من قيمة الكرامة المُفْتَري عليها ثمناً مقابلاً لهذا الواقع المهتريء والذي ينذر بما لا يُحمد عقباه ، والحمد لله القائل ( ولا تلقوا بايديكم الي التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) . فاللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول ويتبعون أحسنه. مبارك الكوده امدرمان الثورة الحارة (20)