إذا تمّ رفض رفع الحصانات المطلوبة لمتابعة التحقيقات في القضايا التي تمس العدالة والمال والمصالح العامة (فلا حرب على الفساد) ولتعود السيوف إلى أغمادها- هذا إذا كانت قد أُمْتُشقت أصلاً - ولتُرجع السهام إلى كناناتها حتى تضع الحرب أوزارها، ويعود المحاربون النبلاء إلى مقاعدهم الوثيرة في (قطار الشرق السريع) في طريقهم إلى قصورهم سالمين غانمين وهم يتأملون مباهج (روابي سراييفو) الخضراء.. وسيكسب المواطنون راحة اليأس.. حيث من المعلوم أن اليأس كما تقول العرب هو أحد الراحتين! لا يمكن أن تكون هناك معضلة في مسألة (موغلة في الروتين) مثل طلب رفع الحصانة عن نائب برلماني من أجل جمع المعلومات! خاصة وأن الدولة تعلن أنها (في عِز ضراوة معركتها ضد الفساد) مع أن رفع الحصانة لا يغني عن الحق شيئا، إنما هي مرحلة مبكرة ليس فيها إتهام ولا سجن ولا تجريم، وقد تقدمت بطلبها نيابة من نيابات الدولة..وبالله عليك إذا لم يكن هناك مبرر صارخ للسير في التحرّيات الخاصة بتجاوزات ما.. هل كانت أي نيابة في السودان (في ظروفنا الراهنة المعلومة) تطلب رفع الحصانة عن عضو برلماني! إن النواب البرلمانيين ليسوا (ذوات مقدّسة) تتم حمايتها بترسانات الحصانات والتفسيرات الخاطئة للوائح، وإنما هم بشر مثل غيرهم وليسوا من الملائكة الأطهار، ولهم شركات وبوتيكات وفبارك ومعاملات تجارية (بلا حد وبلا عد).. وهم يخوضون في دنيا الناس ودنيا البزنس والمال، فكيف يتم رفض طلب جهة نيابية تريد أن تجري معهم تحرّيات من أجل الحصول على معلومات حول تساؤلات وقضايا (فاغرة الفم) في الساحة السودانية العامة؟ ولماذا الظن بأن رفع الحصانة معناه التجريم؟ ولماذا لا يعني رفع الحصانة إثبات البراءة وتصحيح المعلومات؟ بل كيف لنائب برلماني طلبت النيابة إسمه للتحرّي أن يختبئ خلف الحصانة؟ ولماذا لا يتقدّم بنفسه طالباً رفعها عنه حتى يبرئ نفسه (أمام نفسه) وأمام أسرته وأمام سمعته وأمام زملائه وأمام العالمين.. إذا كان بحق بريئاً من كل تهمة! إن فلسفة الحصانة للبرلماني تعني تحصينه من المساءلة عن كل ما يقوله في البرلمان أو لجانه، وبعض التشريعات تمدد حصانته لتشمل ما يقوله خارج البرلمان.. وكل ذلك يتعلق بوضعه ووظيفته كنائب برلماني، والقصد من ذلك إطلاق حريته في التعبير عما يراه ويعتقده؛ ولكن هل يتصوّر أحد، أو يقول تشريع، بأن حصانة البرلماني تعني حمايته وهو يخطف ويسرق وينهب أو يزوِّر، أو ينتهك الضمانات، أو (يعير) في قوانين المصارف، (ويطيح) في مال الدولة ويلهف المؤسسات! هذا أمر لا يمكن أن يصدر من أي مجنون أو عاقل ..فحصانة النائب هي من باب حماية حقه في إبداء آرائه باعتبار إن البرلماني هو صوت الشعب.. ونحن هنا نعني الإطلاق.. حيث لا نعتقد أن النواب الحاليين في البرلمان السوداني يعبّرون بالضرورة عن صوت الشعب.. حتى لا نفترئ على الله الكذب! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.