لسبب ما يسمي السودانيون الحالة المعروفة علميا ب "نوكتام بلزم**" والتي تعرف في اللغة الإنجليزية المتداولة بالمشي أثناء النوم، بحمار النوم. لم أكن لأكتب هذه السطور لولا أن هذا "الحمار" كان قد اعترض طريقي ذات ليلة صافية السماء على الشاطئ الشرقي للنيل بين قريتي أرقو والبرقيق. كنت أقييم مع عائلة تسكن في أحد المنازل الحكومية المقامة في مجمع حكومي صغير. كان رب الدار يعمل مع عدد من أبناءه في محطة توليد المياه المجاورة التي كانت تدفع بمئات الجالونات من مياه النيل إلي قنوات الري التي تسقي المزارع الصغيرة المقامة علي ضفاف النيل. في أول يوم من أيام اقامتي قام مضيفي بتقديمي للجيران، ثم قمت بالسباحة في النيل قبل أن يأخذني مضيفي وعياله في جولة تعريفية للمنطقة. زرت محطة توليد المياه، وشاهدت أبقار العائلة. وعندما حل المساء تعشينا سمكا لذيذا تم صيده بسهولة عندما علق في أحد منحنيات الأنابيب الضخمة في محطة المياة التي زرتها قبل ساعات. كان السمك شهيا جدا، بيد الماء الذي أنزلنا به كتل السمك التي بلعناها حمل بعضا من رائحة البنزين، ولا غرو فلقد تم سحبه مباشرة من جوف تلك الآلة المعدنية الضخمة. كانت تلك ليلة شديدة الحرارة، وضاعفت جيوش البعوض الجائعة من عذاب تلك الليلة وبؤسها. كان أزيز تلك الحشرات وطنينها اللامنقطع في أذني يفوق بما لا يقاس الألم والورم الذي تحدثه عضتها، فقد كان أزيزها وطنينها في أذني شكلا فظيعا من أشكال التعذيب العقلي! عندما حان وقت النوم، توقعت أن يريني مضيفي سريري في "الحوش" الكبير، بيد أنني أمرت – دون تفسير- بأن أسير خلف مضيفي للصعود إلي سطح المنزل. فوجئت عند وصولي للسطح بنصف درزينة من العناقريب المتراصة تحت السماء المفتوحة وفوق سطح المنزل المعدني. كنت واثقا من ذلك المنزل الحكومي يمكن أن يحتمل مثل تلك الأوزان فوق "رأسه"، وكيف لا وهو من المنازل الحكومية القديمة قوية البناء ذات السقوف الحديدة المتينة. لم يكن لبيوت الطين وأسقف "الجريد" التي يسكنها غالب سكان القرية لتحتمل مثل ذلك العبء، إذ لم تكن سوى أغصان شجرة النخيل عندما تجرد من أوراقها. أخذ كل منا مرقده علي عنقريبه، وظللنا ننظرإلي السماء، و"نرعى النجوم وسط القمر" ونستمتع بمرور نسمة هواء عابر. وعلي سبيل الدعابة والمؤانسة، وقطعا للصمت، حاولت أن أشرح لمن معي أمنيتي بأن لا يأتيني "حمار النوم" تلك الليلة وأنا علي سطح الدار، فأقوم من نومي وأسير بلا هدي حتى أجد نفسي أهوي من عل إلي أرضية الشارع تحتنا. لم تأت محاولتي للدعابة بثمارها المأمولة، فبدا القلق والإشفاق علي وجه مضيفي "محمد"، فأنتفض من سريره منزعجا وطالبني في الحاح أن أهبط معه للنوم في "الحوش" تحسبا من "حمار النوم" اللعين. لم أكن متحمسا بالطبع للنوم في "الحوش" حيث طنين وأزيز مئات البعوض الجائع، فبذلت غاية جهدي لإقتاع مضيفي بأنني لم أكن جادا عند الحديث عن "حمار النوم"، فسمح لي بعد لأي أن أبقي في ما يسمونه"رأس البيت" حيث النسمات العليلة والليل الهادئ الخالي من طنين وأزيز جيوش البعوض الجائع. خلدت بعد أن نجوت من سوء منقلب تلك الليلة في "الحوش" إلي نوم هانئ عميق. لم اشرف بزيارة "حمار النوم"، بل كنت أقرب ما أكون إلي ما سميته "حجر النوم"! ----------------------------------------------------------------------------------------- نشر البريطاني "إيان مارشال" هذه الحكاية القصيرة في يناير عام 1994م في "مجلة الدراسات السودانية" التي تصدر في بريطانيا noctambulism (sleep–walking)** هو بحسب ما ورد في موقع "الراكوبة" السوداني (والمنقول حرفيا دون إشارة للمصدر من صحيفة الشرق الأوسط) يعد أحد اضطرابات الحركة التي تحدث خلال مرحلة النوم العميق (الثالثة والرابعة من النوم غير الحالم) أثناء الثلث الأول من فترة النوم في أغلب الأحيان، وهو ضمن مجموعة اضطرابات سلوكية وأحداث غير مرغوب فيها تسمى علمياً «الباراسومنيا». وللتفريق بين هذا الاضطراب وبين الحالات الأخرى التي قد تتشابه معه أحياناً، نعطى صفاً لما يحدث للمصاب بداء المشي أثناء النوم، فذكر أن هذا الاضطراب يتميز بالحركات المتوافقة والمعقدة، التي تظهر بداية على هيئة استيقاظ مفاجئ من مرحلة النوم العميق، كما يتميز بضبابية الوعي وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين. وتتراوح بعد ذلك الحركات من بسيطة مثل النهوض من الفراش والمشي في أنحاء الغرفة، إلى حركات أكثر تعقيداً كالتجول في أرجاء البيت، وحتى الخروج وقيادة السيارة لمسافات طويلة، وقد يصحبها غير ذلك من الأحداث، كالكلام أو تناول الطعام أثناء النوم أو إعادة ترتيب أثاث المنزل. ولا يتذكر المصاب تفاصيل ما مر به من أحداث أثناء النوم، حيث يمكن للنوبة أن تنتهي بعودة المريض من تلقاء نفسه إلى سريره وإكمال نومه، إلا أن إيقاظه من نوبة المشي أثناء النوم، يمكن أن يؤدي إلى ارتباك شديد أو ردة فعل عنيفة قد تصل إلى حد الضرب والصياح، ولذا يُنصح أن يتم توجيه المريض للعودة إلى السرير بهدوء بدلا من محاولة إيقاظه المفاجئ. http://www.alrakoba.com/news-action-show-id-7486.htm http://www.aawsat.com/details.asp?section=15&article=503362&issueno=11009 badreldin ali [[email protected]]