عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. بأي حال عدت يا عيد ونحن في هذا الواقع المرير نخرج من بكاء، لنكتب عن غثاء، وفي كل مرة نصاب بضربة حزن.. فمن قهر الاستعمار إلى هيمنة السادة إلى بطر الغوغاء، والأخيرة أشد وأوجع لأنها شاملة وضاغطة وكافرة. خرج المستعمر في عام 1956، إلا أنه ترك بنيات استعماره في الجيش والإدارة والتعليم..الخ، وورثته لزعماء الطوائف والعشائر الذين تسيدوا المشهد حتى العام 1989، والذي انتهى بانقلاب "الكيزان"، فأنتقل بذلك السودان من حكم العسكر والسادة إلى حكم الغوغاء بكل مكرها وجبروتها ولصوصيتها. إن أكثر اللحظات سوادا في واقع السودان السياسي تبدأ من المرحلة التي شهدت صراع الإخوة الأعداء(المؤتمر _الشعبي) أي ما عرف بالمفاصلة. وهي المرحلة التي شكلت واقع السودان السياسي بكل مآسيه...لأنه ومنذ يونيو 1989 وحتى لحظة المفاصلة كان كل الإسلاميين مجرد (حمير انطاكية). وكان هؤلاء الحمير هم حملة الحجارة التي بنت صرح الإنقاذ في سنينها الأولى . كانت دولة الإنقاذ حينها دولة "كيزانية" تنظيمية بالضبط (كالاتحاد العام للطلاب)، مع الفارق طبعا. وكنا نحن السودانيين برمتنا نعيش تحت رحمة تلك المنظومة "الكيزانية" المتحكمة والمنظمة لإدارة الدولة على غرار "نظرية"، "حمير انطاكية"، التي جاء بها أمين حسن عمر في إحدى كتاباته الاحتجاجبة الرافضة لترشيح البشير. والنظرية تنبنى على نوع من السلوك الجمعي اللا إرادي واللا عقلاني، والتي تساق فيه المجموع سوقا نحو الفرد المثل، الرمز، لتكريس وتأسيس فكرة الفرد المهيمن فكرا وسلوكا. لذلك كنا نرى، ولو ظاهريا، كيف انتظم البلاد ذلك النشاط الكيزاني الواسع في مفاصل الدولة والمجتمع في التسعينات، بدءا بإجراءات الصالح العام وإطلاق اللحي في الجيش، والدفاع الشعبي، وشباب البناء والوطن والمؤمنات، والحميراء... الخ. وإطلاق أناشيد وشعارات روسيا وأمريكا دنا عذابهما... الخ. كان العقل السياسي للدكتور الترابي يعمل على صياغة تلك المرحلة بخطى متسارعة، وهي مرحلة يمكن تسميتها بمرحلة خلاصة التجربة بالنسبة للترابي، الذي ظل على مدى نصف قرن يغرس اظافره في أي نظام جاء إلى الحكم وكان آخره نظام النميري الذي أعلن مبايعته له. وصل الترابي في التسعينات وقبيل المفاصلة إلى اوج تنطعه وانتشاره على المستوى الشخصي والسياسي محليا واقليميا ودوليا، وبدأ يخطط ربما لإضافة بعض من البغال والخيول وربما النوق أيضا للمساهمة في حمل الحجارة، التي كانت حكرا على "حمير انطاكية"، وكان الأمر ربما قد استدعي بعض الإجراءات التي تمس وتطال كثير من الحمير التي أصابها الوهن من كثرة الاحمال، وبدأت الفرفرة والرفس خفيا إلى ان انتهى بالرفسة الكبرى التي اطاحت بالترابي إلى درجة الوفاة. وكان ما كان بعد ذلك من صراع بين جماعة القصر و جماعة المنشية، وفشل الفرقاء الكيزان على ايجاد لجام التنظيم، وخرج مارد الأتباع من قمقمه رافسا الترابي وتنظيمه. ومنذ ذلك التاريخ تجاوز الواقع السياسي بنيته التقليدية لنظام العسكر الذي يتبعه انفراجه ديمقراطية تغذيها نخب ذات نزعات طائفية وطموحات افندية محدودي الأفق وعاشقي سياسة واضواء ووهم، الى مجموعة من المتاسلمين، الذين وضعوا دفة السلطة في اتجاه واحد وثابت هو التحكم وليس الحكم، وهي نظرية براغماتية تعني السيطرة عبر الوسيلة دون الوضع في الإعتبار مدى قانونية او أخلاقية او انسانية تلك الوسيلة المؤدية إلى الغاية. نحن الآن في قلب العاصفة ولا نجد من يعتقد انه يوجد الآن كيزان او حزب يسمى مؤتمر وطني بالعنوان والصفة التي عرفناهم بها منذ الميثاق الاسلامي، انتهاء بالجبهة القومية.، فهم الآن اخطبوط وخليط من الكهنوت والأرزقية ونخب الفتات وصعاليك الفاقد التربوي، وانهم كونوا من خلال هذا التحالف عرى من الوشائج والتصاهر وتناسلوا وورثوا من خلالها انسبائهم السلطة والمال، وتاريخا زائفا من الأمجاد. واطلقوا أكبر حملة للاغواء في التاريخ السياسي الوطني بان يجعلوا من اي سوداني (كوز) ولو بمقدار حبة من خردل. ////////////////