الناظر الى موارد السودان الطبيعية يقف مندهشاً من ضخامتها وتنوعها ومشدوهاً من عدم استغلالها والاستفادة منها اقتصادياً، وعلى العكس من ذلك ظل الاقتصاد يتدهور ويتراجع من اسوأ الى اسوأ بسبب السياسات الاقتصادية والمالية غير الراشدة، ونذكر هنا أن المشكلة الاقتصادية ترتبط عادة بالندرة النسبية للموارد الطبيعية، والسودان بموارده الطبيعية المتنوعة لا يجب أن تكون فيه ندرة؛ هذا من الناحية العامة، لكن ثمة مشاكل اخرى متعلقة بإحدى ركائز القوى الدافعة للاقتصاد الا وهى الملكية الفكرية المتصلة بالمعرفة؛ والملكية الفكرية بحسب الويبو (المنظمة العالمية للمنتجات الفكرية) " هي ابداعات العقل من اختراعات ومصنفات ادبية وفنية وتصاميم وشعارات وأسماء وصور مستخدمة في التجارة". أما المعرفة فهي تضم المعلومات والحقائق والمهارات المكتسبة من خلال التعليم والخبرة والفهم النظري والعملي، وهي التي تحفز الابداع الابتكار؛ وسعت الويبو من خلال مؤشر الابتكار الي التوعية بأهمية الابتكار في النمو الاقتصادي، وادارة حوار حول أفضل الوسائل لإقامة منظومة ابتكار حيوية باعتبارها احد فروض الملكية الفكرية الرئيسة، ومؤشر الابتكار اصبح اداة عالمية رائدة لقياس الابتكار؛ لذلك هنالك علاقة متبادلة بين حيوية الملكية الفكرية والنمو الاقتصادي للدول؛ حيث يُؤكد الباحثون أن القوة الدافعة وراء النمو الاقتصادي هي المعرفة ورأس المال البشري. وفي هذا المجال نلاحظ تجربة سويسرا التي يعتبر اقتصادها واحد من الاقتصادات الأكثر استقراراً في العالم رغم مواردها الطبيعية المحدودة؛ صحيح أن الاستقرار الأمني والسياسي والنقدي على المدى الطويل مكنها من تحقيق ذلك الاستقرار؛ لكن يعود الفضل الكبير في النجاح الاقتصادي الكبير لسويسرا إلى استثمارها في رأس المال البشري، فقطاع الخدمات السويسري في غاية التطوّر والتقدم حيث هناك البنوك وشركات التأمين التي تُزاول نشاطها على المستوى الدولي؛ أيضاً لعبت الملكية الفكرية دورا متزايدا في نشاطها التجاري الدولي، من خلال التصنيع في مجال انتاج الموارد الكيميائية المتخصصة والصحة والادوية والسلع العلمية وأدوات القياس الدقيقة والآلات الموسيقية، وتعتبر المواد الكيميائية هي اكبر السلع المصدرة حيث تبلغ 34 في المائة من السلع المصدرة، أما قطاع الخدمات فيشكل ثلث الصادرات السويسرية بنسبة 28.2 في المائة، وقطاع الآلات والالكترونيات نسبة 20.9 في المائة، والأدوات الدقيقة مثل الساعات تبلغ نسبتها 16.9 في المائة؛ اما الأعمال المصرفية وقطاع التأمين والسياحة، والمنظمات الدولية هي صناعات أخرى مهمة تتميز بها سويسرا. إن الأدوية المسجلة ببراءات اختراع، والسلع التي تحمل علامات تجارية قوية، والمؤلفات اصبحت تسيطر على التجارة العالمية؛ ففي السودان ليس لدينا علامة تجارية واحدة حتى وسط اقليمنا ومحيطنا الأفريقي والعربي، واذا اشتهرنا بسلعة تكون هبة طبيعية من الخالق كالصمغ العربي او الماشية وغيرها، لكن لا علامة تجارية في مجال الادوية ولا مجال التكنلوجيا ولا أي مجال يذكر؛ مع اليقين أنه لا تنقصنا العقول وقادرين على الابداع؛ وما ذكرناه أمثلة قليلة على الدور التي تلعبه الملكية الفكرية، حيث تتعدد اوجه ومجالات انتاج الملكية الفكرية. تعتبر الملكية مهمة للأعمال التجارية لأنها أصول غير ملموسة يمكن استغلالها مالياً حيث تعتبر من الممتلكات المادية التي يمكن بيعها أو ترخيصها. وكل عمل تجاري قد يمتلك هذه الأصول سواء كانوا على علم بها أم لا؛ فعندما تقوم شركة ما بتأسيس وجودها في السوق، يعد الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية وإدارتها أمراً بالغ الأهمية حيث يمكن أن يمثل ذلك فرقاً بين النجاح أو الفشل. ولهذا السبب من المهم أن تفهم الشركات الأشكال المختلفة للملكية الفكرية لأن بعضها يشتمل على عملية تطبيق رسمي وفحص قبل أن يتم تسجيل الحق، في حين أن البعض الآخر يلعب دوره دون الحاجة إلى عملية تسجيل. وتشير كثير من الدراسات والنشرات حول حماية حقوق الملكية الفكرية التي تنشر عبر المراكز المختصة بالبحوث إلى أن القيمة المالية للملكية الفكرية المتراكمة من التراخيص والبراءات يعتبر سبباً قوياً لحماية حقوق الملكية الفكرية. كما أن هذه القيمة المالية تساهم وبشكل كبير جداً في دعم اقتصاديات الدول. حيث تعتمد العشرات من الصناعات في اقتصاديات الدول على تطبيقات براءات الاختراع والعلامات التجارية وحقوق التأليف والنشر، بينما يستخدم العملاء الملكية الفكرية لضمان شراء منتجات آمنة ومضمونة؛ لذلك نجد أن حقوق الملكية الفكرية مهمة، لأن الملكية الفكرية تدفع النمو الاقتصادي وتعزز التنافسية، تحمي المستهلكين والعائلات، تساعد على تحسين وانقاذ حياة الناس حول العالم، تشجيع الابتكار وتمنح رجال الأعمال مكافآت وتفتح لهم آفاق للاستثمار. إن حماية الملكية الفكرية قضية مهمة يجب أن يحققها ائتلاف مصالح قطاعات الصناعة، الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، والنقابات العمالية وجمعيات المستهلكين والمنظمات الدولية والجمعيات التجارية؛ ونذكر هنا أن عدم توفر الحماية الكافية لحقوق الملكية الفكرية يؤثر على مختلف القطاعات، وتلحق الضرر أولا وقبل كل شيء بمبدعي ومنتجي الملكية الفكرية، وذلك لعدم قدرتهم على منع سرقة انتاجهم الفكري .يضاف إلى ذلك أن عدم كفاية الحماية تلحق الضرر بكل قطاع الأعمال في الدولة بما في ذلك القوى العاملة فيها. ونذكر هنا ان منظمة الويبو نشرت تقريراً في نوفمبر من عام 2017م يتعلق بدور راس المال غير الملموس في سلاسل القيمة العالمية، وهو تقرير يسعى الى تحليل دور الملكية الفكرية في الاسواق الاقتصادية، وهي تقديرات عن قيمة رأس المال غير الملموس المشمول بحماية الملكية الفكرية وهو يشكل نحو ثلث السلع المصنعة والمنتجة والمباعة حول العالم؛ وتشكل هذه الحصة ضعف الحصة القائمة على رأس المال المادي التقليدي. إن أحد أهم الخطط والخطوات في العصر الحالي والمستقبل هو التحرك نحو مجتمع المعرفة، وضمن هذا الاقتصاد الجديد يحتفظ الابتكار بدوره ويعززه كأداة فاعلة رئيسة للمنافسة ذات الندية، كما أن احترام حقوق الملكية الفكرية والاهتمام بالمعرفة هو أحد الخيارات الأساسية لتعزيز التجارة والنمو الاقتصادي من خلال الابتكار والابداع. الانتباهة : 20/02/2019 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.