البلاد في ضيق سياسي ومعاشي، حالة الطوارئ زادت الضيق ضيقا ..إن الضيق الاول فجّر الاحتجاجات الشعبية التي جاءت حراك جماهيري عم مدن السودان تشارك فيه قطاعات شعبية لا يمكن نسبتها لحزب أو جماعة سياسية أو مهنية،بل هي وليدة قناعة عامة عارمة،بأن الحزب الحاكم وأجهزة الحكم تتخبط –منذ سنوات طوال- داخل دوائر من الفشل الذي طال جميع مرافق الدولة...استشعرت السلطة وفي مقدمتهم الحزب الحاكم الضعف والخطر،فصدر العنف اللفظي على لسان رموزه القيادية،،وعبارات القصاص من قمة القيادة التنفيذية! فلعلع الرصاص في مواجهة الهتافات والعُزل وسقط الشهداء مضرجين بدماء رسمت معاني الصدق ونبل القضية،فلتهنأ أرواحهم الطاهرة وليربط المولى على قلوب زويهم،فالعزاء والتضحية والفداء للوطن...تواصلت المقاومة سلمية من أجل العيش الكريم..اندهشت الأجهزة الحاكمة من التحدي الذي حملته هذه الإحتجاجات،فبعد العنف المميت والتخوين وقطع الرؤوس وكتائب الظل،تفاجأت السلطة بأن الجماهير لازالت ممسكة بالمطالبة بالتغيير من أجل الحرية والحياة الكريمة...واذا بقرارات حل الحكومة واعلان حالة الطوارئ وعسكرة حكام الولايات واحتماء الرئاسة من المطالب بإعلان حالة الطوارئ وفي ذات الوقت الدعوة للحوار والوقوف على مسافة واحدة من الموالين والمعارضين.. اعلان الطوارئ ومجمل قرارات الرئاسة قوبلت بالرفض من الاحزاب المعارضة وقطاعات الحراك الشعبي والمواطنين عامة،وقد ردت الجماهير بانطلاق تظاهرات ليلية بعد اعلان حالة الطوارئ وتواصلت الإحتجاجات... في حال مسايرتنا لفرضية أن الرئيس البشير أراد بالإجراءات الأخيرة الإنتحاء جانباً عن الحزب الحاكم وإحداث تغيير سياسي يوسع دائرة المشاركة والحوار مع المعارضين،فإن الطوارئ تضعف جدية هذه الفرضية،لأن ما شاهدناه من الأجهزة الأمنية عقب أعلان الطوارئ هو اشتداد القبضة الامنية – تم اقتحام ميز الاطباء واعتقال الأطباء – وأقتحام جامعة مامون حميدة والتنكيل بالطالبات والطلاب –ومواجهة التظاهرات السلمية في أم درمان والخرطوم وبري بعنف وقسوة-الطواري لا تستقيم مع دعوة الرئيس للحوار كما ذكر كثيرين في مواقع عديدة.إذن لماذا الدعوة للحوار وإعلان الرئيس أنه على مسافة واحدة من جميع السودانيين(وهذا هو الأصل في كل رئيس منتخب!). لقد ضيقت الطوارئ الضيّق واشتدت القبضة الأمنية.....في هذا المناخ الغير مُبشر هل يستغل الرئيس الطوارئ بما تمنحه له في المادة (210) من الدستور ليصدر قوانين وأوامر استثنائية يعطل بموجبها النصوص التي تبيح الإعتقال في قانون الامن الوطني! ويعطل النصوص التي تقيد وتحد وتصادر الحريات في جميع القوانين،ويُخلي المعتقلات من المقوبض عليهم—ويفتح تحقيق قضائي مستقل في حالات القتل والتعذيب والإنتهاكات المروعة؟! بما يعطي المصداقية لدعوته للحوار،وبما يهيئ مناخاً لهذا الحوار –وهو حوار الدعوة فيه موجهة للمعارضين قبل الموالين؟هل أسرفت في التفاؤل!،ربما –ولكن لا مخرج لأزمة البلاد السياسية والاقتصادية والإجتماعية والحل السلمي-إلا بتغيير سياسي أساسه الحريات السياسية والمجتمعية عامة،تتكافأ فيه فرص الصراع السلمي فكريا وسياسيا...المعادلة الصفرية التي رفضها خطاب الرئاسة،هم من جاءوا بها في 30 يونيو 89 بعد أن كانوا منافسين ديموقراطياً ولهم وجود مُقدر داخل المجلس النيابي وتيارهم كان مؤثراً،ولكنهم أقصوا الدستور والأحزاب والنقابات ونكلوا بالجميع....الآن ..وبعد ارتوت ارض السودان بدماء المطالبين بالحرية والعدالة، لا مخرج سوى العودة للديمقراطية التي انقضوا عليها طيلة ثلاثة عقود.. رغم هذا الإرث الدامي،فللحزب الحاكم حق المشاركة المتساوية والمتكافئة،بعد المساءلة والإقرار والمصالحة وتضميد الجراح- ليحدث الصفح لمن أراد أن يعفو والقضاء العادل لمن أراد أن ينتصف له.. وتبقى المحاكمة السياسة منعقدة فهذا سجله التاريخ ولا مجال لمحوه!. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.