واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    عيساوي: البيضة والحجر    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    ماذا قال دكتور جبريل إبراهيم عن مشاركته في مؤتمر مجموعة بنك التنمية الإسلامي بالرياض؟    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    الصليب الأحمر الدولي يعلن مقتل اثنين من سائقيه وإصابة ثلاثة من موظفيه في السودان    انجاز حققته السباحة السودانية فى البطولة الافريقية للكبار فى انغولا – صور    والي الخرطوم يصدر أمر طواريء رقم (2) بتكوين الخلية الامنية    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالفيديو.. في مشهد خطف القلوب.. سيارة المواصلات الشهيرة في أم درمان (مريم الشجاعة) تباشر عملها وسط زفة كبيرة واحتفالات من المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منشورات حزب الحكمة: أنواع التفكير والحالة السودانية: الحلقة الخامسة .. بقلم: د. عبدالمنعم عبدالباقي على
نشر في سودانيل يوم 10 - 03 - 2019


بسم الله الرحمن الرحيم
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
"عجبت لغافلٍ والموت حثيث خلفه"
الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
التفكير التجريدي يسعى وراء المعنى تفسيراً أو استنباطاً أو استقراءً أو تأويلاً. واستنباطه يطلب المعنى الخفي وهو أكثر عمقاً وارتباطاً بالأفكار لا بالمحسوسات، فهو يستنتج فكرة ثالثة من فكرتين كأن تقول: (هطلت الأمطار في الخرطوم وامتلأت الشوارع بالمياه) والفكرة المستنبطة هي (عدم وجود تصريف للمياه)، بينما تأويله هو ما وراء المعنى، وهو ينتج معنىً جديداً لا يبدو مباشرة من عملية الاستنباط كأن تقول: (انعدام الكفاءة أدّى إلى غرق الخرطوم) أو (انعدام التفكير الاستراتيجي كان وراء المشكلة).
وهذان النوعان من التفكير يؤثّران على قدرة الشخص أو الشعب على التصرّف في المآزق وفي حلِّ المشاكل والتقدّم.
ومن الأمثلة السابقة لاختلاف طبيعة الناس باستخدام التفكير الصلب، وهو الاعتماد على المعني الظاهر، أو استخدام التفكير التجريدي، وهو النظر إلى مقصد الكلام أو معناه الخفي، ما حدث في هذا الحديث الصحيح:
" نادى فِينا رَسولُ اللهِ ﷺ يَومَ انْصَرَفَ عَنِ الأحْزابِ أَنْ لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الظُّهْرَ إلّا في بَنِي قُرَيْظَةَ، فَتَخَوَّفَ ناسٌ فَوْتَ الوَقْتِ، فَصَلَّوْا دُونَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَقالَ آخَرُونَ: لا نُصَلِّي إلّا حَيْثُ أَمَرَنا رَسولُ اللهِ ﷺ، وإنْ فاتَنا الوَقْتُ، قالَ: فَما عَنَّفَ واحِدًا مِنَ الفَرِيقَيْنِ".
والمصطفي صلّى الله عليه وسلّم لم يُعنِّف طرفاً منهم لأنَّه يدرك طبيعة البشر ويعرف أن نية الفريقين كانت صحيحة ولكن لولا شكّ الناس في أي فهم كان الأجدر بهم أن يتَّبعوا لما عرضوا الأمر على الرسول ﷺ.
فكلّما كان الإنسان قادراً على استنباط المعاني أو تأويلها كانت قدرته التجريدية أعلى، وحسّه الفكاهي أرقى، وقدرته على حلّ المشاكل أكبر. فنحن في السودان مثلاًّ قد تقدّمنا من مرحلة نكات (ود نفّاش) إلى مرحلةٍ نكات القبائل ثم أخيراً النكات التي تعتمد على المفارقة الذكية، وإن كان هناك من يستمتع بالنكات البدائية إلى الآن حسب مرحلة تطّوره الثقافي.
فالإنسان بطبيعته بدائي يميل للشيء الموجود المحسوس، ويجد صعوبة في تقبّل الأفكار المجرّدة ولذا فقد كانت الأمم السابقة تتّخذ أصناماً تلجأ لها كوسيط بينها وبين الله سبحانه وتعالى الذي لا تستطيع أن تراه. وفكرة الله هي أكثر فكرة امتحاناً لقدرات الناس العقلية. وبرغم تكرار الرسل لتنقية العقيدة ورفع المستوى الفكري من المادي للتجريدي، حتى تؤمن بالله الذي لا تراه، كرّرت هذه الأمم ديدنها واتّخذت أرباباً من دون الله.
فأرسل الله سبحانه وتعالى المعجزات كشيء مرئي ومحسوس كبرهان على وجوده، ولكن حتى ذلك لم يؤثّر في تغيير أفكار الناس المجبولة على التعلّق بمادية الأشياء، فاتّهموا الرسل بالسحر وأشياء أخرى حتى إذا ثبت لهم بالدليل العقلي بعد التجربة ضحالة أفكارهم وضلالها مثل موقف سيدنا إبراهيم عليه السلام بعد أن حطم الأصنام الصغيرة وترك كبيرها:
" فَرَجَعُواْ إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُواْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ اْلظَّالِمُونَ"، وهذه تسمي صحوة الظالم ولكن سرعان ما تتبعها النكسة عندما يدرك أنّ ثمن التمسك بالرأي الجديد كبير وهو السلطة الزمنية والجاه:
" ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنطِقُونَ؟
ونحن نذكر صحوة المشير عمر البشير عندما بكي وقال إنَّهم سفكوا دماء المسلمين لأتفه الأسباب وها هو يسفكها اليوم بنفس الأسباب التي حكم عليها بأنَّها تافهة، فهي لا تختلف عن الخوف من الفوضى وانعدام الأمن وتفكيك الوطن.
وكلّما ازداد التفكير الصلب أو المادي في أمّة، سعت هذه الأمّة لعمارة الأرض لإثبات قوّتها ووجودها. وكلّما كانت أقل قدرة على الرقىّ الفكري، والتجريد للمفاهيم من المعلومات أو المحسوسات كلّما ازدادت دلائل قوّتها المادية. واليوم نرى آثار الأهرامات وإرم ذات العماد والبتراء والرومان وناطحات السحاب ولا نرى من إرثهم الفكري إلا مبدأ القوّة. ولذلك فقد نبّهنا المولى عزّ وجل إلى قلب مفاهيمهم بقوله:
‫"أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ‫وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا". ‬ ‬ ‬‬‬‬
وعندما طغوا وتساءلوا تساؤل واثق: "
‫"فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟‬‬‬
ذكّرهم الله سبحانه وتعالي بأنّه الذي خلقهم "أشدّ منهم قوة"، فانظر إلى البلاغة في إضافة أشدّ إلى القوّة، إذ ذاك يدلّ على القوةّ اللانهائية التي لا تحدّها حدود، فكلما ازدادت قوّتهم كانت قوة الله سبحانه وتعالى أشدّ وأعلى، وهي دليل على القوة الحاضرة والديمومة والاستمرارية المستقبلية.
وينطبق عليهم قوله سبحانه وتعالي ساعة زوال الغفلة:
" ‫حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا‬"‬‬
وسيعلمون أيضاً أنَّ قوتهم المادية بعتادها ورجالها لن تنصرهم وهي أقل عدداً من الشعوب التي تثور من أجل حقوقها الإنسانية:
" ‫حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا‬"‬‬
وسبب غفلة أصحاب التفكير الصلب هو تغليب القوة المادية الخشنة على القوة الروحية الإنسانية الناعمة قلباً للأولويات التي ذكرها المولي عزَّ وجل عندما أمر المسلمين بإعداد القوة:
" ‫وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ ‬"‬‬
ونري في هذه الآية الكريمة الأمر بالإعداد لما يستطيعه المسلمون من قوَّة وقد تركها مُبهمة، ثمَّ عطف عليها مثال القوة المادية وضرب مثلها برباط الخيل التي يمكن أن تمثل الدبابات أو الطائرات، ووضَّح السبب وهو إدخال الرهبة في قلوب الأعداء.
‫"وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ ‫أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ ‫قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ على شفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأنْقذَكُم مِنْها"، وهذه هي أعظم قوَّة ممكنة، وهي ما نسميه بمفاهيمنا الحديثة "توحيد الصف الداخلي"، ثمَّ هناك قوَّة العلم التي يمكن أن تستخدم في الحرب النفسية أو في صناعة الأسلحة الرادعة المتطورة لا شرائها من العدو لتقاتلها به، فلن تستطيع أمَّة أن تهزم عدوَّها أو تتفوّق عليه وهي تعتمد على السلاح الذي صنعه.‬‬‬‬‬‬
وأيضاً هناك قوَّة العدل، وقوَّة الحب والكثير من القوي الناعمة الأشد فتكاً لأنَّها تلين القلوب، وتفتح نوافذها للنور فتدحر الظلام. ولكن ماذا نفعل مع أصحاب التفكير الصلب المادي الذين ما إن سمعوا بسورة التوبة إلا وفسروها بما يروق لهم خارج سياقها، وأعلنوا موت كلِّ أنواع القوي الناعمة التي جاء بها الإسلام بنسخها، وغفلوا عن أنَّ القوة المادية لا تقيم ممالك لله على الأرض فهي تملك القوالب ولا تملك القلوب وتنشر النفاق والفساد، والله سبحانه وتعالي عندما أعطي الإنسان حرية الإرادة وحرية الاختيار كان يريد عبودية عن محبَّة لا عبودية عن قهر:
؟" ‫وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ‬. ‬‬‬
ومن رحمة الله سبحانه وتعالى بخلقه، وهو أدرى بهم، علمه أنّ بهم ضعفاً، وأشدّ أنواع الضعف هو الضعف الفكري، وهل الحياة وما فيها نتاج شيء غير الفكر؟ يؤمن النّاس بفكرة ما، ثمّ يلتفّون حولها ويقيمون لها الشعائر والطقوس ويبنون تجسيداً لها ويحاربون من أجلها ومع مرور الزمن يغفلون عن روح الفكرة ويصنعون منها أو من الجماعة التي تحميها صنماً يعبدونه.
تأمّل حال الجماعة الإسلامية في السودان التي تركت اتّباع الحق وراء ظهرها وتمسَّكت بجسد الجماعة ممثلاً في الحزب والحكومة تري في المحافظة عليهما الأولوية الأعلى حتى وإن كان هذا الحزب أو هذه الحكومة سبب خراب البلاد وفساد العباد وعندما تسألهم أن يحاسبوا أنفسهم بخراب ضمائرهم وضمور أخلاقهم يدافعون عن نجاحهم وماذا يستخدمون في إثبات هذا النجاح؟ تراهم يتحدثون عن الإنجازات المادية مثل الطرق والجسور والبترول فهذا هو تفكير أصحاب التفكير الصلب الذي يري القوّة في المادّة ويصنع صنماً يعبده مثل عجل السامري.
وهذا سيد التفكير التجريدي الإمام علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه يقول في نفس المعني:
" إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق . . . تعرف أهله"
أذكر أنّي سألت أفراداً من الجماعة الإسلامية وقيادات المؤتمر الوطني وقت انتخابات 2010 عن البديل للمشير عمر البشير إذا وقع الأجل ومات؟ فكان ردَّهم الأوَّل: هل هو مريض؟ وهل تعلم شيئاً لا نعلمه؟ سألوا ذلك لأنّي طبيب. فقلت لهم أنا أتحدث عن الموت وليس عن المرض والأجل لا يريد سبباً. فقالوا: إن شاء الله سيكون بخير وسيعيش عمراً مديداً وسيفوز في الانتخابات. هذا تفكير جماعة تدَّعي أنَّها ممثلة الإسلام وروحانيته وتغفل عن الموت والمولي عزّ وجل يقول:
" ‫"إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ‬‬‬
وفي حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال:
"كنْتُ عاشِرَ عشرةٍ في مسجِدِ رسولِ اللهِ ﷺ، فقام فتًى من الأنصارِ، فقال: يا رسولَ اللهِ، أيُّ المؤمنينَ أفضَلُ؟ قال: أحسَنُهم خُلقًا. قال: فأيُّ المُؤمنينَ أكيسُ؟ قال: أكثرُهم للموتِ ذِكْرًا وأحسَنُهم استعدادًا قبلَ أنْ ينزِلَ به، أولئك الأكياسُ".
فها هي الأيام تثبت أنَّهم ليسوا الأفضل ولا الأكيس وهم يحصدون الحصرم الآن نتيجة ما غرسوا. وقد كان سيدنا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول إذا قعد:
" إنَّكم في ممرِّ اللَّيلِ والنَّهارِ في آجالٍ منقوضةٍ وأعمالٍ محفوظةٍ، والموتُ يأتي بغتةً فمن زرعَ خيرًا يوشِكُ أن يحصدَ رغبةً، ومن زرعَ شرًّا يوشكُ أن يحصدَ ندامةً، ولكلِّ زارعٍ ما زرعَ لا يسبقُ بطيءٌ بحظِّهِ، ولا يدركُ حريصٌ بحرصهِ ما لم يقدَّر لهُ، فمن أعطيَ خيرًا فاللَّهُ أعطاهُ ومن وُقيَ شرًّا فاللَّهُ وقاهُ".
فالقلب القاسي يتبع تفكيراً صلباً ماديَّاً قاسياً مُجرَّداً من الأخلاق والرحمة ونحن نشهد في هذه الأيام مصداق ذلك في معاملة حكومة المشير عمر البشير للمواطنين العُزَّل الذين لا يطلبون شيئاً سوي ما أمر الله سبحانه وتعالي به وهو الحرية والعدالة والإحسان والكرامة، فأيٍّ من هذه المبادئ الإلهية السامية قدمتها حكومته؟ وليحدثنا ماذا يميزه عنَّا حتى يكون له السمع والطاعة وكلّ تاريخه يثبت فشله في كلِّ شيء وفقره من كلِّ شيء إن كان علماً أو مهارة أو خبرة أو رؤية أو فكراً أو أخلاقاً أو حكمة؟
ويظنَّ الناس أنَّ المشير عمر البشير استبدل حزبه المدني بالجيش وهذا فهم خطأ فحزب المؤتمر الوطني وقيادته من الحركة الإسلامية مدنية المظهر وعسكرية الجوهر ولكنَّه ابتعد من العسكرية الخفية للعسكرية الظاهرة لأنّ حس الغريزة للبقاء لا تثق إلا في قاعدته الآمنة وهي الجيش وحتى في الجيش القليل منهم ولذلك نسمع عن إحالة الكثيرين للمعاش.
وهذا يمثل تفكير المجموعة والذي حتماً، كما توقعت من قبل، أن يصير تفكير شخص واحد بعد أن يتخلّص من بطانته إذا ضاقت عليه السبل. هذا تفكير من يفهم قتل المتظاهرين على أنَّه قصاص!
وأصحاب التفكير الصلب المادي يؤمنون بثلاثة مفاهيم وهي إرهاب الآخرين، والتمكين والهيمنة والمناورة وهي كلَّها مفاهيم عسكرية. وسأفرد لها مقالاً في وقت لاحق إن شاء الله، ولكن يجب أن نفهم أنّ هذه المفاهيم لا يمارسها إلا من زكَّي نفسه ووضعها فوق العالمين، وآمن أنَّه أحق من الناس بقيادتهم وتدبير شئونهم، فلذلك فهي مفاهيم منبثقة من جذع النرجسية النفسية الصنميّة التي قال فيها المصطفى ﷺ "أعْدى أعداءِكَ نفسُكَ التي بينَ جنبيكَ"، فالعدو داخلي وليس خارجياً وفي ذلك يقول الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه:
" حقٌ على الملك أن يسوس نفسه قبل جنده"، وقوله: من كرُمت عليه نفسه هانت عليه شهواته.
ونسمع من الجهلاء من يقولون إنّ المشير عمر البشير هو الضامن الوحيد لمخرجات الحوار الوطني فماذا سيحدث لأهل وطن إن مات المشير عمر البشير؟ وكيف يكون هو الضامن الوحيد وهو سبب الورطة السياسية في البلاد كأنَّ القوم يقولون ما قاله سفيه الشعراء أبو نواس: "وداوني بالتي كانت هي الداء".
ومن علامات فشل القائد أن يكون هو الوحيد الذي يكون في قدرته قيادة البلاد بعد ثلاثين عاماً من الحكم فهو إمَّا أنَّه تعمَّد ألا ينافسه أحد ولذلك لم يدرِّب قيادة جديدة أو أنَّه لا يملك المهارة ليفعل ذلك وفي الحالتين فهو فاشل لا يحقّ له أن يقود أمَّة. ويقول أهل حزب المؤتمر الوطني، بعد أن لفظهم المشير عمر البشير وضحي بهم قرباناً لعرشه وسيضحي بالوطن كلّه من أجل ذلك، إنّ في حزبهم قيادات كثيرة فإن كانت هناك قيادات فأين هي طوال ثلاثة عقود؟ أو كيف يكون المشير عمر البشير هو الضامن الوحيد لسلامة الوطن إذن؟
آن للجماعة الإسلامية أن تترك الغفلة، وعبادة الأصنام، وزئبقية المواقف التي توجَّهها مصالح الدنيا، وليعرفوا أنَّما يقودهم جهلاء قساة القلوب عميان، لا فكر لهم ولا علم لهم ولا رشد لهم ولا رؤية ولا مهارة، وأنَّهم ليسوا خير البشر ولا يمثلون المسلمين.
حقّاً إنّ أوحش الوحشة العجب.
وسنواصل إن أذن الله سبحانه وتعالي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.