[email protected] لدينا مصاهرة فى الجزيرة فى طيبة الشيخ عبد الباقى تحديداً حيث أن أحد الشيوخ متزوج من بنت عمتنا . وبسبب هذه المصاهرة كنا نزور مدنى وطيبة فى مناسبات كثيرة. وفى يوم غائظ من أيام رمضان وبالتحديد فى السابع منه سافرت الى مدنى ومكثت عدة أيام فى منزل بنت عمتى.....وفى هذه الأثناء حدثت مصادفة غريبة.....جاء أحد الأشخاص الى منزل الشيخ - المفتوح دائما ًللجميع - جاء فى العاشرة صباحاً وهو سكران طينة وطلب طعاماً...فقامت زوجة الشيخ التى هى بنت عمتنا- قامت باللازم تجاهه ووضعت له صنوف الطعام ، وبدأ الرجل يأكل باستمتاع .....وبعد فترة قصيرة عاد الشيخ الى منزله من الخارج ورأى منظر الرجل وهو يتحكر فى الصينية فى منتصف نهار رمضان...وقد تحفزت أنا وتخوفت مما قد يفعله الشيخ بهذا السكير....ولدهشتى الشديدة أطلق الشيخ ضحكة مدوية وقال للرجل ( يا فلان ألم تسمع بشهر أسمه رمضان ) فرفع الرجل رأسه بدهشة وقال للشيخ ( هو خلاص ثبت ). واستغرق الشيخ فى الضحك ودعا للرجل بالهداية ودخل غرفته.......وبعد عدة سنوات من هذا المشهد أصبح الرجل صاحب القصة أشهر من يقرع النوبة فى طيبة الشيخ عبد الباقى ويغيب فى ملكوت الأذكار الألهية.....وبالمناسبة هذه القصة حقيقية وليست من وحى الخيال وبعض معاصريها ما زالوا أحياء بمن فيهم قارع الطبل....ومغزى القصة واضح وهو أن شيوخ الطرق الصوفية بما لديهم من حضور واطمئنان روحى استطاعوا أن يطبقوا الآية الكريمة ( لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ) وبذلك ملأ الحب والشوق قلوب مريديهم وأتباعهم حتى تشبهوا بهم وترسموا خطاهم التى قادتهم فى النهاية الى طريق الهداية والخلاص . أقول هذا الكلام وأنا أشاهد الرئيس البشير فى التلفزيون فى أحدى اللقاءات الأنتخابية مع أحد شيوخ الطرق الصوفية وهو يقول بالحرف الواحد ( اننا لا نريد أصوات المخمورين....وأى مخمور سنجلده ...الخ ). وهذه العبارة التى لا داعى لها فى تقديرى تستلفت انتباه المراقب لعدة أسباب منها: خطيرة . وبالطبع الخمور هى صورة من صور الفساد الكثيرة فى هذه البلاد ولا ينبغى أن يتم التركيز عليها تحديداً مع التركيز على الجلد. ويستطيع كل ذى عقل أن يستنبط النقاط التالية من وحى الحديث الأنتخابى للرئيس : ان عملية الجلد التى وردت فى خطاب الرئيس ( سنجلدهم ) مخيفة جداً وتحتوى على عدة مضامين منها أن سياسة الجلد والضرب والأذلال ستستمر فى ظل حكم الرئيس البشير المنتخب شرب الناس الخمور أم لم يشربوها. أن قانون النظام العام سيكون أشد صرامة وشراسة بعد انتخاب البشير رئيساً. ان الديموقراطية لا تعنى انبلاج فجر جديد من الكرامة والعزة للأنسان السودانى بما فى ذلك دراسة حالات المخمورين وصانعات الخمور ووضع البدائل المناسبة لهم للكسب الشريف بدلاً من أن يستمر الجلد والأقصاء والطرد من رحمة الله التى وسعت كل شىء..... والى متى نستمر فى الغلوتية القديمة حول من هو القوى الأمين ومن هو شارب الخمر الذى لا يؤتمن على شىء ومن ثم تقوم الدولة بجلد الناس وطردهم من وظائفهم ويؤتى بمتنفذين آخرين لا يتورعون عن فعل أى شىء تحت دثار الأسلام بما فى ذلك شرب الخمر وسرقة المال العام و فعل كافة الموبقات الأخرى. ماذا جنينا من هذه السياسة – سياسة تصنيف السودانيين – جهوياً وقبلياً وعرقياً وخمرياً...بعضهم يجلدوا..... وبعضهم يتمرغون فى المال الحرام حتى آذانهم ولا يسألون..فى حين أن رسولنا الأعظم صلى الله علي وسلم قال ( وأيم الله ، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ). صدق رسول الله . الرئيس السابق جعفر نميرى رحمه الله قال فى أحدى المناسبات انه رئيس كل السودانيين فى الداخل والخارج ، الموالون والمعارضون ، شاؤوا أم أبوا ( أى سودانى أنا رئيسه ) وهو محق فى حديثه ما لم يثبت أحد عكس ذلك ولم يثبت أحد عكس ذلك يومئذ.... وكذلك الحال مع الرئيس البشير الآن..... ولكن السؤال الهام الذى ينبغى أن نطرحه على أنفسنا هو هل سيظل الرئيس ( فى حال فوزه ) هو نفس الرئيس قبل الأنتخابات؟؟؟؟ هل سيكون الرئيس الذى يلملم جراح السودانيين ويطرق بهم آفاقاً جديدة من المصالحة والتعايش والمحبة ، أم سيكون الرئيس الذى يعود بالناس القهقرى الى عصور الأنغلاق والتشدد والاقصاء ولكن بطريقة ديموقراطية هذه المرة وبموافقة الشعب. سيدى الرئيس ، نصيحة من العبد الفقير لله الى سعادتكم.... ان كان الذين يديرون حملتكم الأنتخابية لايعرفون قيمة الكلمة فى هذا الوقت بالذات ، فأرجو أن تشمر عن سودانيتك القحة وتقول على رؤوس الأشهاد أن الناس فى عهدكم الجديد سيكرمون ولا يهانون ، ويعزون ولا يذلون ، وسيتساوون فى الحقوق والواجبات ، وستوفر لهم معينات الحياة الكريمة ....الخ ، أما التركيز على الجلد قبل الخبز فان هذا لن يزيدك الا بعداً عن المواطنين وعندها لن تفقد أصوات المخمورين وحدهم التى لا تريدها أصلاً كما جاء فى حديثك ، وانما ستفقد أصوات كثيرة جداً تخاف مما سيفعل بها فى العهد الديموقراطى الجديد علمأ بأنك فى حالة الفوز ستكون رئيساً لكل السودانيين وليس لأعضاء المؤتمر الوطنى فحسب. نحن لسنا ضد شريعة الأسلام السمحاء ولكننا ضد تطويعها لتوافق هوى من يريد تطبيقها لشىء فى نفس يعقوب وهؤلاء كثر وأكثر مما تتصورون.... وموضوع الخمور هذا يمكن أن يترك للجهات الشرطية و القانونية والقضائية لتبت فيه ولكنه بالقطع لا يصلح أن يكون برنامجاً انتخابياً. أن جمع غفير من أهل هذه البلاد يتعاطون الخمرولكن هناك فرق فى اللغة بين المخمور وبين الذى يتعاطى الخمر. فالمخمور فى الأسلام هو الأنسان الذى يشرب الخمر ويثمل رغم علمه بحرمتها ..... أما الذى يتعاطاها دون موانع من دينه أو تقاليده فهو ليس بمخمور ولا ينبغى أن نطلق عليه هذا الأسم بغرض الاساءة والتعريض . ونتساءل من هم المخمورون المحتملون ؟؟ أهم شركاء السلام القدامى الذين لا يدينون بالأسلام وتسمح لهم عقيدتهم أوعدم عقيدتهم بشرب الخمر، أم هم شركاء السلام الجدد الذين تسمى الخمور عندهم طعاماً حسب بيئهم وعاداتهم وتقاليدهم ....وكنت أجرى بحثاً فى بعض أقاليم دارفور فى السبعينات واستغرب أحد ملوك القبائل هناك بأنه كيف يتفق ألا نشرب ( البغو ) التى قدمت لنا وهى نوع من أنواع الخمور البلدية . و ضحك الرجل حتى كاد أن يموت من الضحك على هذا القصور فى الفهم.لدينا . كذلك عندما يمر أحدهم على بعض الأشخاص الذين يعملون فى الزراعة يقول لهم ( ان شاء الله تشربوه بالعافية ). ...أى أن يستوى هذ الزرع وينضج وتصنع منه الخموراللذيذة. وكما يقال فالسكران فى ذمة الواعى....واذا ما فزتم بالرئاسة فجميع فئات المجتمع ستكون فى ذمتكم بما فى ذلك السكارى والحيارى حتى توفروا لهم ما يسد الرمق حتى ولو كان الرمق الأخير. 26/2/2010