عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. مكانة الشيوخ في الرسالات الإلهية: لا مكانة في الرسالات الإلهية لمرتدي عباءة الشيوخ والذين يشاركون الله في الأمر ويحاولون توضيح ماهية الدين للناس وما هو حرام وما هو حلال، فالرسالات الإلهية مباشرة من الإله لكل فرد ليدرك معناها وفق لحظته الحياتية ويحاول الاستفادة منها رغم إمكانياته. ومع ذلك لا ننفي بناء على الطبيعة الإنسانية وجود أفراد يستطيعون إدراك مغزى الرسالة في اللحظة الحياتية المباشرة أكثر من غيرهم، ولكن ذلك يرجع إلى المجتمع إذا رؤوا فيهم بصيرة أكثر وإدراك للواقع وحقائق المجتمع والتاريخ، فالإله لا ينتخب وسطاء بينه وبين الناس، بل وحاول الإرشاد في مواضع كثيرة إبعاد الناس عن تلك الفئة لأنها في كثير من الأحيان تستغل جهل المجتمع لمصلحتها الشخصية ويبعدوا الناس عن المغزى الحقيقي للإرشاد (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) سورة الأحزاب – (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) البقرة)). فمن يسمون أنفسهم بالشيوخ أو رجال الدين هم فئة دخيلة على الدين، وعلى المجتمع الذي يشيخهم ان رأى فيهم بعدا عن الدين ان يبتعد عنهم خير له من ان يتبعهم ويبتعد عن الدين. ورغم إدراكي لكل ذلك ولكن سأصعد على هذا المنبر لا لأكون شيخا على الناس أو أشارك الله في رسالته وادعي ان هذا حلال وهذا حرام، ولكن حتى انشر العلم الذي توصلت إليه ولا أكون من الذين يكتمون العلم (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) البقرة)، فليس لله شيوخ على الأرض ولا يصطفي الله أحدا لينوب عنه فكل الناس خلفاء لله على الأرض دون تمييز، ولكنها محاولة لتبيان الهدي الذي خفي على الناس كثيرا، فقد ناديت في كثير من المقالات ان تسعى النخب إلى محاولة إدراك ونشر الإرشاد، فقد استعصى على الناس معرفة الهدي من الضلال نتيجة لتسريب الفكر العربي الإسلامي لقيم الثقافة العربية وطريقة حياتها إلى داخل الرسالة بل وأصبحت هي الرسالة وترك الإرشاد الحقيقي الذي يسعي إلى ان تستوعب كل الإنسانية حياتها وتدرك مغزاها ومعنى وجودها. وتحديدا نحن في السودان ومنذ مجيء الحركة الإسلامية أصبح اغلب من يسمون بعلماء الدين تنطبق عليهم الآية (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) البقرة). فأصبح أولئك النفر يتبعون للسلطان في كل ضلاله وتيهه وتجنيه على السودان والسودانيين. وتهرب النخب من هذا الاستحقاق جعل كل الأفكار الاقصائية والهادمة للحياة تنتشر من الفكر العربي الإسلامي إلى داخل المجتمع، وكانت مقولة النخب بان على المجتمع ان يؤمن بما يراه دون ان تجتهد في تبيان حقيقة الإرشاد، كانت هي مدخل الترابي وكل من شايعه للاستيلاء على الحكم وبداية الإبادة والإجرام في السودان، فقد وجد ان الساحة متاحة له عندما تقاعست بقية النخب فخدع المجتمع دون ان يجد من يتصدى له ويقول له ان كل أفكارك ضد المجتمع السوداني وضد الحياة وضد الرسالات الإرشادية التي تتحدث باسمها. الاختلاف بين الإسلام والإرشاد الإلهي: ان ما يسمى بالإسلام عبارة عن رؤية كلية مغلقة، قائمة على الإقصاء وهدم الحياة الإنسانية، وتم العمل عليها من قبل مجموعات فكرية حتى أصبحت جامدة لا تقبل الحذف أو الإضافة، فكل من يتحدث عن تجديد الفكر الديني أو تجديد الفكر الإسلامي هو يرهق نفسه فقط، فقد تم وضع محددات ثقافية حتى أصبحت الرؤية أو الإسلام يعبر عن هوية مجتمعية تاريخية، وتم نصب الأفكار العربية داخل الإسلام وأصبحت تحتج بالإلوهية باعتبارها جزء منها، فأي نقد لتلك الأفكار يتحول مباشرتا لنقد للإله فلا حدود فاصلة بين الإرشاد الإلهي والفكر العربي الإسلامي. وقد شرحت الاختلاف بين الإرشاد الإلهي والإسلام في كتاب الإرشاد في الرسالات الإلهية ووضع الرابط على مدونة الثقافة السودانية وأزمة التدوين حتى لا نعيد هنا ما قلناه سابقا، فمن هذه الخطبة والخطب القادمة سأذهب مباشرة إلى إدراكي للإرشاد الإلهي دون إيراد للاختلاف بينه وبين الإسلام. الإسلام والإيمان: الإسلام أو الفكر العربي الإسلامي مدرسة واحدة تختلف اختلاف جزئي في الفروع ولكنها ذات أصول واحدة ومحددة، فلا يمكن لأحد الحديث عن تلك الأصول نتيجة لتضمينها داخل الرسالة واعتبارها جزء مما يريده ويدعو له الإله، فمهما كانت زاوية انطلاقتك إذا كانت من خلال اللغة العربية أو العقيدة أو الفقه أو السيرة أو غيره ستجدك نفسك تتجه إلى اتجاه واحد محدد تم رسمه بدقة من قبل النخب العربية أو نخب تابعة للفكر والثقافة العربية يجعل لفظ مسلم يحوى كثير من الفخاخ الهادمة للحياة تتحول في الأخر إلى بؤرة ايدولوجية تعبر عن الثقافة العربية التاريخية، فخروجك عن ذلك المسار يؤدي إلى كفرك في نظر الفكر العربي، وبالتالي فان إسقاط كل تلك القيم والمفاهيم داخل لفظ مسلم جعل من غير الممكن إيجاد مكان للإرشاد الإلهي داخل ذلك اللفظ، مما دفعني إلى إيجاد مفهوم أخر يعبر عن الفكر الذي اعتقده، ولم اتعب كثير باعتبار ان الحل كامن داخل الإرشاد الإلهي، فعندما أصبح الإسلام بعد فترة قصيرة من بداية الإرشاد عبارة عن رموز شعائرية فاقدة للمعاني واستمر العرب في ذات تفكيرهم ورؤيتهم للحياة، وبالتالي أصبح لفظ مسلم لا يطابق مغزى الرسالة الإرشادية دعت الرسالة إلى الحذر من ذلك بالتحول إلى ألفاظ أخرى تدل على ما تريده من معاني (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) الحجرات). فالإسلام (الرسالة) قد تلوث بجرثومة الفكر العربي ليس على مستوى السودان ولكن على مستوى العالم، فقد قسمه إلى شيع وطوائف وكل يقول انه مسلم أكثر من الآخرين أو يكفر الآخرين وغيره من الأفعال التي تدور الآن من حولنا. ولذلك أسقطت لفظ مسلم من حساباتي نهائيا ولم اعد اعرف نفسي بذلك اللفظ ولم تعد تؤثر محاولة القهر اللغوي التي يلجا إليها تيار الإسلام السياسي عند تساؤلهم هل أنت مسلم أم لا؟ وهو تساؤل من اجل فرض مفهومهم للإسلام عليك وتمرير رؤيتهم كما هي، فقد أصبحت أجاوب بكل بساطة بأنني لست بمسلم فانا مؤمن وأتمنى ان يخرج الجميع من الإسلام العربي الذي يوظف الرسالة الإرشادية من اجل تمرير رؤيته الاقصائية والتدميرية للحياة. اما ماهية الإيمان فقد شرحته في كثير من المقالات ولكن في هذه الخطب سأذهب إلى العقيدة الشخصية داخل ذلك الإيمان. لماذا خطبة الخميس: أي لماذا الخميس وليس الجمعة كما تعود الجميع؟ وللإجابة على ذلك نقول ان خطبة الخميس سنأخذها مدخل إلى الإيمان، فالرسالة في الإسلام تحولت إلى رموز جامدة تمارس لذاتها باعتبارها من الله، ولكن في الإيمان نعود بالرسالة إلى معناها الأولى كرسالة إرشادية تعمل على تبصير الناس بمعنى ومغزى الحياة، فالرسالة بمعناها الإرشادي لا تقرر القيم الإنسانية ولكن تستوعبها داخل المعنى الكلي للحياة. فلم يتم اختيار الجمعة للصلاة من الله ولا من الرسول ولكن تم اختيارها من المجتمع (وتحدثنا عن ذلك سابقا). فالمجتمعات هي من تختار يومها بناء على تفاعلها الاجتماعي وتفاعلها مع البيئة، فتعمل المجتمعات على انتخاب يوم في الأسبوع ليكون يوما للفعل الاجتماعي خارج عن إطار الفعل الفردي أو الحياتي الطبيعي، فلم يختار الله يوم الجمعة أو ما كان يسمى قديما بيوم العروبة، فللأسف يقرا الجميع الإرشاد بصورة معكوسة، فلم تأتي سورة الجمعة وآية الصلاة لسن أحكام فرض الصلاة أو عدم البيع في الجمعة كما يروج الفكر العربي، فتلك السورة جاءت بعد زمن من أداء صلاة الجمعة وإنما جاءت فقط لتنبيه ذلك المجتمع للاستفادة من يوم العروبة في محاولة متابعة واستيعاب الإرشاد الممثل في ذكر الله الوارد في الآية والذي كان يأتي متواترا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) سورة الجمعة) وكلمة ذلكم خير لكم ليس امر ولكنها دعوة باعتبار ان الإرشاد اساسا في صالح الأفراد والمجتمعات. وكما لم يختار الله الجمعة للعرب فهو لم يختار السبت لليهود أو الأحد للمسيحيين، فكل تلك الأيام تم اختيارها من جانب المجتمعات، فالغاية في الإرشاد إذا ليست القيم أو الرموز الجامدة مثل الصلاة أو غيرها من القيم فلم يأتي الإرشاد ليوجد للناس قيمها ولكن جاء لتوعية الناس والمحاولة معهم في إدراك المعاني بغض النظر عن القيمة، وما فعله الإرشاد هو اخذ بعض المجتمعات وجزء من قيمها وضرب بها الأمثال، فتركت تلك المجتمعات المعاني وأصبحت تعبد في الأمثال. وبناء على إدراكنا ان الإرشاد يتمحور حول معاني القيم وليس حول القيم في ذاتها فقد اخترنا الخميس باعتباره من أكثر الأيام ارتباطا بالفعل الاجتماعي في الثقافة السودانية. فانتظرونا في خطبة الخميس من اجل وعي معافى من جرثومة الفكر العربي الإسلامي.