سيد الأتيام يحقق انتصارًا تاريخيًا على النجم الساحلي التونسي في افتتاح مشاركته بالبطولة الكونفدرالية    وزير الداخلية .. التشديد على منع إستخدام الدراجات النارية داخل ولاية الخرطوم    كامل إدريس يدين بشدة المجزرة البشعة التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع في مدينة الفاشر    شاهد بالفيديو.. استعرضت في الرقص بطريقة مثيرة.. حسناء الفن السوداني تغني باللهجة المصرية وتشعل حفل غنائي داخل "كافيه" بالقاهرة والجمهور المصري يتفاعل معها بالرقص    شاهد بالفيديو.. الفنان طه سليمان يفاجئ جمهوره بإطلاق أغنية المهرجانات المصرية "السوع"    إلى متى يستمر هذا الوضع (الشاذ)..؟!    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    قرارات وزارة الإعلام هوشة وستزول..!    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    تعرف على مواعيد مباريات اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    الأهلي الفريع يكسب خدمات نجم الارسنال    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    إبراهيم شقلاوي يكتب: هندسة التعاون في النيل الشرقي    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    قرار مثير في السودان    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استيعاب الارشاد الالهي في الرسالة المحمدية (2)
نشر في الراكوبة يوم 07 - 05 - 2015

عذرا على تاخير المقال الذي كنت اتمني ان يكون اسبوعيا ولكن يدرك الجميع ما هو الوضع بالسودان اذا كان الشخصي أو العام، فما بين هذا وذلك والهكر وغيرهم يضيع الزمن الذي تزهق فيه ارواح بريئة نتيجة لقصورنا عن الارشاد. واخرها الفتاة التي قتلت بدعوى تمزيقها المصحف ولا يدرك من قتلها بانها اذا كانت مزقت المصحف فهي مزقت الارشاد إلى نفسها ولم تمزق كلام الله فيتعالي الله على الكلام، وهي بذلك الفعل تضر نفسها فقط ولا تضر الإله بشيء.
علاقة الوعي النخبوي بالإرشاد الالهي:
ذكرنا في المقال السابق بعدم وجود تداخل في القيم والوعي بين الاله والانسانية ولذلك عندما سعى الاله لإرشاد الانسانية استخدم ما هو انساني لمصلحة الانسانية، اذا ما يوجد في الارشاد الالهي ليس له صلة بالإله سوى الارشاد الى التعالي الالهي عن كل ما هو انساني، اما ما تبقي من الرسالات فهي عبارة عن قيم وسلوكيات كانت موزعة داخل المجتمع وبين الافراد وتم تجميعها داخل الرسالة باعتبارها افضل القيم لذلك المجتمع وفي ذلك التاريخ. ولذلك كل من يتحدث عن الارشاد الالهي من العلماء وغيرهم يتحدث عن محاولته الذاتية لاستيعاب ذلك الارشاد بل حتى الرسل، فلم يملك الله احدا من البشرية الوعي الالهي، وذلك يعني بالضرورة ان كل من يسمي نفسه او يتم تسميته بالعالم عند الفكر العربي والذين يفتون بالإنابة عن الله ان الله برئ من كل ذلك، فكل منهم يتحدث بلسانه فقط ووعيه الذاتي ومحالة استيعابه للإرشاد الالهي فحتى الرسل حديثهم خارج الارشاد الالهي يعبر عن محاولة استيعابهم لذلك الارشاد.
وهنا يأتي سؤال اذ كيف نتأكد ان ما يقوله فرد ما عن الارشاد الالهي يعبر عن ما اراده الله من ذلك الارشاد؟
الارشاد والحياة الانسانية:
لم يخرج الارشاد خارج اطار الحياة الكلية ولا يمكن ان يكون هنالك تضاد بين خلق الله للحياة وفق سنن كونية او سنن الهية محددة وبين ارشاده لها، ولذلك يجب ان تكون الرؤية الكلية المستوعبة للإرشاد الالهي مستوعبة للحياة الانسانية وتاريخيها، فميزة الحياة الكلية هي الاختلاف والتكامل من غير تضاد اذا كان بين البشرية والطبيعة او داخل الحياة الانسانية بين المجتمع الواحد، فالرؤية الكلية توضح ذلك الاختلاف والتكامل، اذا كان اختلاف داخل المجتمع الوحد بين الرجل والمرأة دون نقص لإنسانية احدهما، وتوضيح مكان الاختلاف الانساني بينهما، وكذلك اختلافهم وتكاملهم في كل مراحل حياتهم العمرية، وكذلك الاختلاف في مراحل التحولات الاجتماعية بين مرحلة واخرى وكيف تكون كل مرحلة عبارة عن مرحلة انسانية كاملة، وكذلك الاختلاف بين المجتمعات دون نقصان لإنسانية احدهما ودون تراتبية بين بعضهم البعض، فكيف يمكن ان نرى الاخر كاخر انساني كما هو دون تغيير، هذا ما يجب ان توضحه الرؤية الانسانية.
اما الارشاد الالهي فهو عبارة عن اشارات لكل ذلك باعتبار ان الارشاد الالهي تعامل مع مختلف المجتمعات ومع مختلف مراحل التحولات ولذلك اختلف شكل الارشاد ولكن لم يختلف المعني. اما الرؤية فهي عبارة عن استيعاب فكرى يتضمن الاشارات الواردة في الارشاد الالهي داخل فترة تحولات محددة، وتكون المرجعية الاخيرة الى المجتمعات فهي التي تحكم على الرؤية هل تضيف لها ام لا؟ أي ان الفكر المستوعب للإرشاد الالهي او غيره يجب ان تحكم عليه المجتمعات، أي اذا طلب احدا فتوى في موضوع ما من احدهم عليه ان يسال نفسه بعد تلك الفتوى هل يعمل به ام لا، لان الفتوى عبارة عن راي شخص وليس راي الله. وهنا تكون مهمة النخب التي وجدت من اجلها وهي ارشاد المجتمعات وليس قيادتها، وقد تولي الارشاد الالهي تلك المهمة نتيجة لقصور النخب عن اداء واجبها.
فليس على النخب تحويل اتجاهات المجتمع قسريا او فرض ما تراه صحيحا على مجتمعاتها ولكن عليها ترك المجتمعات لتستوعب ذلك الفكر وفق قيمها وتحولاتها، فما تفعله الرسالات اذا او ما يفعله النخب هو ازاحة العوائق الفكرية والقيمية للمجتمعات نتيجة للاستيعاب الخاطئ من خلال الارشاد من اجل استمرار الانسانية.
مفهوم الاسلام والفكر العربي:
سنبدأ دراستنا بمفهوم الاسلام باعتباره يمثل كلية عند الفكر العربي، وقد استوعبت المجتمعات العربية الرسالة الالهية كرسالة قيمية تعبر عن الله او يعبر بها الله عن نفسه وما يريد ولذلك تم الحاقها بالتقديس الالهي باعتبارها قيمة الهية، وتابعت النخب العربية مجتمعاتها في ذلك الوعي ودونت ذلك الاستيعاب داخل مفاهيم ورؤية كلية.
ونبدأ بالقول ان لا علاقة للإرشاد الالهي بإسلام الفكر العربي وان كل من يسمي نفسه مسلم ويتعبد بذلك الفكر انما يعبد الفكر العربي، واصبح الفكر العربي يقود الانسانية من الشرك الى الكفر.
تسمية الارشاد الالهي:
سمي الله الارشاد الالهي في الرسالة المحمدية بكل الاسماء التي تسمي بها العرب كلامها، فالصفات التي اتخذها الارشاد اذا من الذكر والحديث والقرآن كل تلك هي صفات عربية وليست الهية، اذا الجديد الذي اتت به الرسالة ليست الكلمات فهي موجودة في قاموس اللغة العربية ولكن الجديد هو استخدامها بمعاني مغايرة او في اماكن لم تستخدمها بها المجتمعات العربية من قبل. فلا علاقة قدسية بين الاله والمفردات والمفاهيم في الرسالة المحمدية أي ليست هي لغة الهية وليست تمثل الاله، وكما ذكرنا سابقا بان الرسالة الارشادية عبارة عن مفاهيم ومعاني انسانية ومن اجل الانسانية، وذلك يجب التأكيد عليه كثيرا لإزاحة الغموض عن معني الارشاد الالهي.
الاسلام في الارشاد الالهي:
تلك كانت تسمية الارشاد وراينا انها صيغت بأسماء وصفات من داخل اللغة العربية، فماذا عن متبع ذلك الارشاد؟
بما ان كل رسالة عبارة عن رسالة من داخل الانسانية ولمصلحة الانسانية ولذلك نجد ان الله لم يأتي بأسماء من عنده، فعندما سمي متبع الارشاد الالهي في كل الرسالات اختار ما اختاره الخليل ابراهيم (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78))، ولذلك تم تسمية متبع الارشاد الالهي لكل الرسالات ومن ضمنها الرسالة المحمدية بالمسلم، ولم تكن تلك الكلمة غريبة عن القاموس العربي ولكن اختلف معني استخدامها.
اذا معني الاسلام بناء على الاشارات الواردة في الارشاد الالهي تتمثل في الايمان بالإله المتعالي، والوصول الى ذلك الايمان يعني معرفة معني الحياة الانسانية ككل، فلا يمكن ادراك معني الاله المتعالي دون ادراك معني الحياة الانسانية.
وكل الرسالات الارشادية هي رسالات اسلامية كاملة في ذاتها أي تدعو الى التفطن بمعني الحياة الانسانية والاله المتعالي، والاختلاف بين رسالة واخرى يرجع الى الاختلاف داخل الانسانية ومراحل تحولاتها (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ الَهُ مُسْلِمُونَ (133) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)).
نقصان وكمال الرسالات الارشادية الاسلامية:
تتحجج النخب العربية في ان رسالتها هي الرسالة الوحيدة الاسلامية وذلك لان رسالتها هي الرسالة الوحيدة الكاملة وان الرسالات الاخرى قد حدث بها زيادات، وان الله قد حفظ الرسالة المحمدية من التحريف، ولكن ذلك هو التحريف بعينه فاذا اراد الله فيمكنه ان يحفظ كل رسالاته من التحريف وليس الرسالة المحمدية فقط.
فاذا كل الرسالات كنص تعبر عن ما اراده الله من الارشاد الالهي، ويرجع ذلك الحفظ الى الانسانية، فالمجتمعات تستوعب لحظة الرسالة كلحظة للتداخل بين ما هو الهي وبين ما هو انساني، ولذلك كل المجتمعات التي جاءت بها رسالات قد حفظت فترة الرسالة بكل احداثها كفترة مغايرة لما هو انساني وليست جزء من تاريخها وتحولاتها.
اذا التحريف الذي تم للرسالات الارشادية ومن ضمنها الرسالة المحمدية لا يكمن في النص او في تاريخ فترة الرسالة فهي محفوظة في الوعي الاجتماعي، ولكن التحريف حدث بين معني الارشاد الذي اراده الله وذلك الذي استوعبته المجتمعات ودونته النخب (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)).
فالكتاب في الآية السابقة تعني ان كل الرسالات عبارة عن رسالة واحدة في معناها ولكن تختلف باختلاف الانسانية وتحولاتها، وان التحريف الذي يتم لذلك الكتاب يتم للمعني وليس للكتاب نتيجة لقصور الوعي الاجتماعي والنخبوي.
ويكون التحريف للإرشاد الالهي بان يطابق احدا بين كلامه او ما يكتبه وما جاء به الارشاد الالهي، أي ان تقول بان ذلك هو ما اراده الله وليس هو استيعابي للإرشاد الالهي، فكما حرف علماء المسيحية معني الارشاد الالهي بكلامهم وكذلك علماء اليهود نجد ايضا ان علماء العرب قد حرفوا الرسالة المحمدية، كما نجد عند الشافعي وابن تيمية والطبرى وغيرهم من علماء العرب فكل من يكتب كتابا او يقول كلاما يقوله بالإنابة عن الله وليس بالإنابة عن استيعابه الذاتي (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)).
اذا الرسالات الارشاد كنص هي كاملة اذا كانت التوراة او الانجيل او القرآن ولكن تم التحريف في المعني عند كل تلك الرسالات (وَقَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)).
ان الارشاد لا يقرا قراءة مباشرة مثل التعاليم والاوامر كما قال علماء التوراة والانجيل والقران، فلا يجب معاملة النص كما يعامل البشر النصوص فيما بينهم، فاذا كان الوعي بين البشرية من المشتركات فان لا وعي مشترك بين الاله والبشر، فيجب قراءة النص ككلية وليس قراءة المفردات مجزئة عن بعضها البعض وفق حقائق الكون والانسانية.
ولذلك فالآية السابقة تدل على صحيح التوراة والانجيل كما تدل على صحيح القرآن كنص، ولكنها تدعو الى قراءة النص واستيعابه بعيدا عن الحواشي الملحقة به من قبل من يسمون العلماء. فالتوراة اذا هي رسالة صحيحة في ذاتها والانجيل كذلك هو رسالة صحيحة في ذاته وكذلك القرآن، ولكن غير الصحيح هو التفسير الذي اعطي لتلك الرسالات. وكل تلك الرسالات هي في الاخير عبارة عن رسالة اسلامية واحدة تدعو الى معني واحد وهو ارشاد الى ادراك معني الانسانية ومفهوم الاله المتعالي.
وعندما نقرا المفاهيم في الارشاد الالهي نقراها وفق معناها الكلي الذي تدل عليه في سياقها العام، ولذلك يكون الحكم الوارد في الآية السابقة ليس بمعناه الذاتي أي بمعني التقاضي ولكن بمعني الاستيعاب، فالرسالات كما ذكرنا احتوت على تفاصيل مراحل تاريخية ولكنها ركزت على عموميات لكل مراحل التحولات الانسانية. وهنا تدعو التوراة الى استيعاب اليهود إنسانيتهم وانسانية غيرهم وفق ارشاد التوراة كما تدعو المسيحية والتي هي في الاصل رسالة يهودية ثانية ايضا اليهود والمسيحيين الى استيعاب الحياة وفق الارشاد الذي في الانجيل، كما يدعو القرآن العرب كذلك وفق الارشاد وليس وفق التعاليم والاوامر الالهية. اما بقية المجتمعات فعليها استيعاب مغزى الارشاد فقط وليس تفاصيل الرسالة باعتبار ان لكل مجتمع طريقته في استيعاب الحياة من خلال قيم وعادات (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)). ففي مثل هذه الآية يجب ان نستوعب علاقة الارشاد بالإنسانية حتى نستطيع ان نفهم على ماذا تدل، فالإرشاد جاء مستوعبا لطبيعة البشرية، فالمجتمعات تفترض ان للرسل مقدرات خاصة تم مدهم بها من الاله ولذلك يسالون الرسل عن كل قضاياهم ومسائلهم الخاصة (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65))، فيتعامل الارشاد مع بعضها ولكن من داخل الوعي الانساني أي لا يأتي بقيم من السماء ولكن بأكثر القيم الموجودة داخل المجتمعات والتي تلبي حاجة المجتمعات في مرحلة التحولات تلك، هذا في بعض المسائل اما في الكثير منها يترك الرسل لاستيعابهم الخاص. فالرسل جاءت لإرشاد المجتمعات وليست لتحكم ولكن المجتمعات هي التي تجعل منهم حكاما ولذلك على المجتمعات ان تنزل على حكمهم.
واعتبار ان القرآن مهيمن على التوراة والانجيل لا يعني ذلك بانه ناسخ لها كما ذكر التدوين العربي، وكيف يكون ناسخ وقد قال الله لليهود ان يرجعوا اليها في استيعابهم للحياة الانسانية (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44))، فاذا تصبح مهيمن عليها هنا باعتبار ان القرآن قد اورد اسباب قصور الاستيعاب عند اليهود والمسيحيين وجادلهم بها فيصبح القرآن في اجزأ كثيرة منه يوضح قصور الاستيعاب أي يصحح علماء اليهود والمسيحيين فيما استوعبوه من الارشاد ويظل الارشاد كاملا في التوراة والانجيل كما تظل القيم التي جاءت في اليهودية والمسيحية كاملة الى ان يقرر اليهود والمسيحيين قصورها. فهو لا يلغي تلك الكتب ولكن يلغي استيعابهم لها ويطالبهم بالرجوع اليها مرة اخرى.
خلاصة:
اذا يصبح الاسلام ليس هو رسالة محددة اذا كانت المحمدية او غيرها ولكن كل الرسالات الارشادية هي رسالات اسلامية، فالتوراة والانجيل كنص تعبر عن ما اراده الله لتلك المجتمعات اما كمعني فقد تم تحريفها. وقد تم تحريف القران ايضا كمعني عن ما اراده الله له من قبل العلماء العرب، واذا يمكن لليهودي ان يكون مسلم او مشرك او كافر بناء على استيعابه للإرشاد الالهي وكذلك المسيحي والعربي وكذلك بقية المجتمعات حتى التي لا تتبع رسالة ارشادية معينة (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (89)).
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.