أكتبُ هذه الكلمات في الساعات المبكرة من صباح الجمعة، وقد انقضى أقل من أربع وعشرين ساعة على بيان ابن عوف. بعد ليلة من الانتظار القاتل، قاطع فيها النوم معظم أفراد الشعب، جاء بيان زعيم النسخة الجديدة من "الإنقاذ"؛ عوض ابن عوف، مُخيبّا للآمال، بل ومُحبطا ومُغضبا للسواد الأعظم من السودانيين، مما أثار عاصفة ضخمة من الرفض القاطع من جانب الأحزاب السياسية، والتنظيمات المهنية، ومنظمات المجتمع المدني، ومعظم السياسيين والصحفيين وأساتذة الجامعات وصُنّاع الرأي العام، بالإضافة إلى إعلان قطاعات واسعة من الجيش عدم التزامها به ورفضها لمضمونه جملة وتفصيلا، واستمرارها في الاصطفاف إلى جانب الشعب. أما على المستوى الخارجي، فقد جاءت المواقف الرافضة للتحول من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، (وأمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وبلجيكا وبولندا)، والدول الست المذكورة أخيرا طالبت بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن حُدد لها بالفعل يوم السبت. وحتى المواقف التي لم ترفض التغيير صراحة جاءت متحفظة وبلغة دبلوماسية باردة، وتتحدث عن احترام خيارات الشعب السوداني وإرادته الحرة لصنع مستقبله (مصر)، والقول بأن المسألة شأن داخلي وتمنٍ لعودة الأوضاع للأُطر الدستورية (روسيا).. إلخ. بهدف الاستنارة بالرأي والتفاكر عمّا يحدث، هاتفتُ بعض الأصفياء يوم الأمس، فوجدتُ معظمهم لا يقوى على الحديث، بل يشعرُ بحالة من الإحباط والقنوط البالغ، ولا أخفيكَ قولا يا عزيزي القارئ أنني رغم شعوري بالغضب العارم، إلا أنني لم أتفهم مواقفهم تلك السلبية، وذلك للأسباب التالية: 1. انقلاب القصر كان مسرحية سيئة السيناريو والتمثيل والإخراج، ولم تُفلح في خداع أي من فئات الشعب، بل جاءت الإعلانات الصريحة برفض بيان ابن عوف، وكل ما يترتب عليه، فورية عفوية صارخة، وبالفعل استمر الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش والتظاهرات في مختلف أرجاء البلاد، وكُسرت حالة الطوارئ، وتحدت الجماهير حظر التجول ببسالة وعزيمة. 2. أعلنت الأحزاب السياسية والنقابات المهنية ومنظمات المجتمع المدني، وغيرها من الجهات الفاعلة في السودان، عن مواقفها بشكل سريع للغاية، وبحزم يرفض التحوّل المزعوم. 3. حالة الإجماع الدولي على رفض الانقلاب، كما أشرتُ سابقا، مما يشي باتخاذ مواقف خارجية حازمة ربما تساعد بالضغط باتجاه عودة الأمور إلى مسارها الطبيعي؛ حكومة انتقالية مدنية، كما يرغب بها الشعب السوداني. إن الشعب الأبيّ الذي قاوم نظام الإنقاذ لثلاثين سنة لن يقبل على الإطلاق بعودة النظام بأي شكل كان، وليست المسألة بنظره تغيّر الوجوه على طريقة "أحمد وحاج أحمد" كما تعتقد الثلة الحاكمة الآن، بل كانت المطالبة، وستظل راسخة، هي إسقاط منظومة الحكم الشمولي بأكملها؛ المؤسسات قبل الأفراد، والأفكار الشائهة قبل القوانين والتشريعات. قوموا إلى ثورتكم يا رعاكم الله، وترجموا إحباطكم اللحظي عملا جماهيريا وسياسيا وإعلاميا، وثقتي تبلغ عنان السماء بأن هذا الشعب العظيم لن يتوقف حتى يتحقق الأمل المنشود بإسقاط "الإنقاذ" 2.0 وإنشاء سودان الأمل 1.0. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. ////////////////