وَ أيُّ حياة بعدَ أم فقدتها كَمَا يفْقِدُ الْمَرْءُ الزُّلاَلَ عَلَى الظَّمَا تَوَلَّتْ، فَوَلَّى الصَّبْرُ عَنِّي، وَعَادَنِي غرامٌ عليها، شفَّ جسمي، وأسقما وَلَمْ يَبْقَ إِلّا ذُكْرَة تَبْعَثُ الأَسى وَطَيْفٌ يُوَافِيني إِذَا الطَّرْفُ هَوَّمَا وَ كانتْ لعيني قرة وَلمهجتي سروراً، فخابَ الطرفُ وَالقلبُ منهما فَلَوْلاَ اعْتقادِي بِالقضَاءِ وَحُكمِهِ لقطعتُ نفسي لهفة وَتندما محمود سامي البارودي الموت حق ولكن ما أصعبه فراق الأم أو الوالد الأبدي. وهكذا رحلت عن دنيانا الفانية مساء الأمس فقيدتنا الحاجة نادية الجزلي عليها رحمة الله فودعت الدنيا وهي تنضح شباباً ورقة ونضاراً وطيب معشر. هي إنسانة من خلق الله الصالح وأحسبها من أهل الجنة الذين يمشون على الأرض، يعيشون مع الآخرين يأكلون الطعام كغيرهم ويدخلون الأسواق، ولكن الفرق أن الله قد خصهم بحب الآخرين وحب أعمال الخير، كما أنزل على أيديهم بركة تحسها إذا صافحت يداك أيديهم وإذا أكرموك وأطعموك طعامهم أو إذا شاركتهم يوماً مسيرة رحلة الحياة وإن كانت محدودة الأمد فى إنجاز أي مشروع إنساني. هكذا كانت الفقيدة عليها رحمة الله عشاً أخضراً حانياً يحتضن من الطيور المهاجرة من أرض الوطن التي قد أسعدها الحظ لتحط الرحال على تلك الدوحة الظليلة الحانية ترتاح حتى تستعيد نشاطها. كانت أماً حنوناً على كل الذين سعدوا بمخاواة أبنائها وكانت نعم الزوجة الصالحة المستقيمة العابدة الصائمة التي تقوم الليل والتى كرست كل جهدها لخدمة زوجها وطاعته ولتربية أبنائها خير تربية وخير تعلم وتعليم حتى صار منهم المهندس والطبيب والإقتصادي وفوق كل ذلك توجتهم بتيجان الخلق الحسن والرقي فى كل سلوك يحمد ويرجى لتكملة فضائل الشخصية الإنسانية . الحياة فى عالم الحاجة نادية كانت كلها سهلة ميسورة ببركة أنزلها الله على يديها فكرمها الغير محدود لضيوفها الموشح بالفرح لا تكلف ولا ضجر فيه بل كانت بكل الحب تكرم الضيوف مهما كثر عددهم وتنوعت أعمارهم من الزغب الصغار أو الشيب والشباب، لا فرق، بل يتعدى الإكرام حدود منزلهم العامر إلى حدائق إنجلترا الفسيحة الغناء برحلات كاملة الوجبات كانت تقوم بها خلال مواسم الربيع أو الصيف المعتدل. فكانت لنا ولزوارنا من الأسرة الممتدة ولغيرنا من السودانيين فى حضرتهم أجمل الرحلات والأنس فيا ليتها عادت لنا أو عادت الأيام. حاجة نادية ينطبق عليها قول " خلف كل رجل عظيم إمرأة" وكيف لا وهي قد أكرمها الله كذلك بزوج من أروع بني الإنسان شهامة وأريحية وكرماً وصدقاً وعلماً وذكاءاً ونجاحاً فى الحياة ألا هو المهندس عثمان العوض خليفة عميد الجالية السودانية بمدينة بورنموث جنوبإنجلترا. عانت أخيرا من علة لازمتها فترة فقالت لزوجها وابنائها أنها تتمنى أن تموت فى السودان وتحتضنها ترابه جوار والدها. أثناء إحتفائها وفرحتها بقدوم إبنتها البارة بوالديها الدكتورة مروة من قطر خلال هذه الأيام تدهورت صحتها وكان للقدر المحتوم موعد لا يخطئه فأسلمت روحها الطاهرة بحضور إبنتها مروة وزوجها الحاج عثمان العوض قبل غروب شمس أمس يوم الإثنين الموافق التاسع والعشرين من هذا الشهر يوليو 2019 . هكذا رحلت عنا أختاً وأماً وصديقة لخلق كثير أفارقة وعرباًوعجماً وسوداناً وتركت فينا فراغاً كبيراً وأمنية لم تتحقق لها رحلت معها بصعود روحها الطاهرة التى عطرت السماء. وكأنني بحالها تقول وهي تغالب سكرات الموت فى الثانية والخمسين من عمرها القصير بكلمات هى لوحة هكذا يرسمها خيالي: من زمان كانت لى أمنية يسوقنا الشوق والحنين لتراب الوطن بعد الغياب وطول السنين جوار أبوي المدفون هناك أكون أرتاح من العذاب ومعاه أدفن فى المكان الأمين كانت دى أمنيتي النهاية هناك تكون لكن القدر يجيك من غير خبر وبيسكون الروح تودع صاحبا للسفر فوق تحلق رحيلاً فى سما بلد غريب لكن أكيد مع أبوي هناك ستلتقي فى جنة نعيم تفرح وتنتشي رحماك ياربي من بعدي على أولاد حشاي رحماك على الفراشات الحلوة من وراي من بلد ليبلد ترحل حاملة حبي وغناي ومن وراي ألطف بعثمان الحبيب والد جناي أحفظه سيف الحديد لا يلين ولا ينكسر ألبسه ثياب الصلاح ولسانه يكون عامر بالذكر وأختم بعزائي الحار لأخينا الأكبر بل الوالد الشيخ حاج عثمان وأبنائه البررة المهندس محمد بقطر والأستاذة صفا بالسعودية والدكتورة مروة بقطر ومزمل ومنى بإنجلترا وكذلك لكل أسرة آل الجزلى بالسودان وخارجه سائلاً الله أن يرحم فقيدة الطرفين ويغفر لها وأن يجعل الفردوس الأعلى مسكنها مع النبيين والشهداء والصديقين والصالحين وأن ينقها من الذنوب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم لا تفتنا بعدها ولا تحرمنا أجرها . اللهم أجعل من موتها لنا ولمعارفنا وأصدقائنا تذكرة وعبرة بأن الحياة جداً لرحلة قصيرة ولا تستحق التخاصم فى أمور الدنيا التافهة ومشاحنات لا تسمن ولا تغني من جوع وأن كل ابن أنثى خطاء ، فالذكرى الجميلة هي التي تبقي والعمل الصالح هو الذي يصحب صاحبه إلي دار الخلود كما يعم نفعه على العباد. جزى الله خيراً زوجها وأبناءها البررة الذين سيسافرون بجنازتها بعد أكتمال الإجراءات القانونية ليدفنوها جوار والدها على تراب أرض الوطن السودان كما كانت هي قد تمنت. ربنا يجعل قبرها روضة من رياض الجنة عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.