أخذت اتأمل فيما مجموعه 18 وزارة منها ما يعرف بالسيادي ومنها الخدمي ومنها المرتبط بمعاش الناس. والمثير للتأمل أكثر أن لكل وزارة تم ترشيح عدة شخصيات تراوح عددها بين الثلاثة والستة علي أن يقوم السيد حمدوك باختيار من هو أجدر في وجهة نظره بناء علي الكفاءة. معني ذلك أن للسيد رئيس الوزراء (حق النقض) أو حق خاص بحكم الثقة التي أولتها اياه قوي الحرية والتغيير. وكذلك لخلق نقلة نوعية علي مستوي الإختيار للأكثر كفاءة وإطلاق يد رئيس الوزراء بأن يكون أكثر استقلالا في إختيار طاقمه الوزاري. وقد أثارت الترشيحات للوزارات ما أثارت من فضول عند البعض. وتساؤلات حول خلفيات الشخصيات عند الآخرين، كما انعقدت مقارنات وطال الأمر استفهامات، وانسالت مجموعة من السير الذاتية حتي ضجت بها الاسافير للعديد من المرشحين ، وخبراتهم ومستوي نضالاتهم ومالي الي ذلك من لغط. الواضح أن ما لم يثر الإنتباه كثيرا حول طبيعة الوزارات والمهام بإعتبار أن 18 وزارة تعتبر لحد ما رشيقة وتغطي معظم مجالات الحياة في اتجاهتها السياسية والخدمية. علي أن تكون هنالك مجالس متخصصة. ربما لا ندري علي وجهة الدقة مستوي وزن تلك المجالس مقارنة مع ثقل الوزارة وما أثارته وتثيره من اهتمام ونقاش ، ولربما لا يكون هنالك تفسير كافي لمستويات الاهتمام بالوزارة ومتقلديها من الوزراء مقارنة مع المجالس المزمع إنشائها ، فالواضح أن الثقافة السياسية السودانية تلقي بظلال كثيفة علي هذا الأمر سيما كلمة وزير والتي تعني قمة اتخاذ القرار في الهرم السياسي علاوة علي ما يحيط بهذا المنصب من بهرج لمتقلديه. مهما يكن من أمر ؛ فإن عقد المقارنة بين المجلس والوزارة يعتمد وبشكل كلي علي Mandate والمهام والوظيفية المنتظر أن تقوم بها المجالس والوزارات. إن إطلاق يد السيد حمدوك باعتباره رئيسا للوزراء كان يمكن أن يستفيد منه ليتأمل كفاية من عدم كفاية الوزارات المطروحة أمامه. خاصة وأن هنالك مجال في دمج وزارات أو فصل وزارات وهذا اقل ما يمكن أن يرجي من رئيس وزراء سبقته سمعته في المعرفة والدراية وأعمال العقل النقدي فيما يطرح عليه ، لا سيما وأن التشكيل المكون من الوزارات الحالية قد عكف علي وضعه سياسيون ممارسون للسياسة انشغل واشتغل معظمهم بالسياسة اليومية استغرقت جل طاقاتهم بدرجة لم تمكنهم من تقدير ما يتناسب مع المرحلة الراهنة من وزارات قد تكون مفتاحية كوزارة البيئة. وبنظرة عامة وحتي بنظرة تدعي وتستلف نظرة انسان في قامة د.حمدوك العلمية كان يجب أن يسترعي غياب وزارة للبيئة انتباهه قبل الآخرين ، فالرجل يتحدث عن الموارد التي يتمتع بها السودان ، كما أنه قد ركز علي إنتاج تلك الموارد من مواد أولية قال إنه لن يصدرها إلا وهي مصنعة ، وفي ذلك عين العقل ضمن اشتراطات خاصة بالبنية الإنتاجية التحويلية . إلا أن البيئة التي تنتج تلك الموارد تحتاج لعناية خاصة يجب إدارتها بشكل يضمن استدامة تلك الموارد وهنا من الملاحظ أن الحديث منصب علي الموارد الطبيعية وهي تشمل أغلفة الحياة كما يسميها البيئيون ، مثل الموارد المائية وعناصر الغلاف الجوي و التربة وبقية الاغلفة الحيوية Bio sphere بما فيها الغابات والنباتات الطبيعية وجميع الكائنات الحية الدقيقة والمتطورة والتي سخرها كلها الله سبحانه وتعالى من اجل الانسان ورفاهه. كما أن السيد حمدوك مهتم وبشكل مباشر بقضايا السلام والنزوح واللجؤ ، والمعروف أن أحد أكبر محركات الحرب اللعينة في دارفور قد كان في أحد جذورها الرئيسة التذبذبات المناخية والقحط وتدهور الموارد الذي طال منطقة الحزام الأفريقي بما فيها دارفور و لفترات متطاولة Protracted ومتكررة Recurrent ، وهذه تجليات بيئية غير مبهمة تستوجب التركيز عليها بشئ وافر من الفعل الموجب لبناء بيئة متوازنة تفرز عملية سلام مستدامة. بعد ذلك ينعقد حاجب الدهشة بالتعجب بعدم وجود اهتمام خاصة بالبيئة والمخاطر المحيطة بها ليتم حصرها في مجلس . ففي حقيقة الأمر وبالتوصيف السابق للبيئة يبدو لكل متأمل أن البيئة هي أم الإنسان ، بل وأم الوزارات. وهي في السودان تحتاج ليس فقط لوزارة خاصة بها ، وإنما لعدة مجالس تدعم هذه الوزارة علي المستوي الاتحادي والولائي اذا كان الأمر أمر تغيير حقيقي علي مستوي الإنتاج ، وتقليل تكلفة المخاطر المنظورة وغير المنظورة المرتبطة به ، فإذا فات أمر بالغ الحساسية كالبيئة علي فطنة انسان انعقدت عليه نهضة أمة . وعالم ملم ببواطن الأمور في جذرها البيئي الطبيعي، فلربما وجد المرء من المؤشرات الدالة علي الدوران في ذات الدائرة التي كان يدور في فلكها السودان دون أن يأمل في الخروج.