يعتبر بروفيسور بيتر فردناند دركر (1905-2005م) الأمريكي النمساوي الأصل مؤسس ومخترع علم الإدارة وله من المراجع والمقالات التي أسهمت وأسست بصورة مباشرة في وضع نظريات وضوابط وممارسات العلوم الإدارية الحديثة. من المراجع المهمة ( Managing in Turbulent Times ) الإدارة في الأوقات العصيبة أو المضطربة في العلوم الإدارية حيث يناقش " الممارسات والتطبيقات" الإدارية و علي جميع مستوياتها وفي مختلف تصنيفاتها في الإدارة العامة والقطاع الخاص والمجتمع والأفراد و بوجهة نظر إدارية شاملة و ثاقبة في أكثر الظروف المُضطربة والعصيبة و الاستثنائية. فهو بلا شك مرجع استثنائي لظروف استثنائية كما يشكل الكتاب حجر زوايا للإداريين والتنفيذيين في كونه البوصلة والمنارة التي يهتدي بها صناع القرارات و كبار المدراء و التنفيذيين في الأوقات الحرجة و المُضطربة. ولقد قمنا بجهد المقل في ان نستخلص الخلاصة والأفكار العامة ونضاهيها بقدر ما أمكن مع واقعنا الحالي المُعتم المرير ويكون بذلك نعم العون والنفع لمتخذي القرار، وكما ان استعراض الكتاب وتلخيصه ومن ثم قراءته بتأني وروية يفتح شهية الباحثين والمختصين و لكل من له وجهة نظر ورؤية في الخروج من الوضع الحالي إلي بر الأمان، فالكتاب في تقديري المتواضع يمكن أن يقرءا من عدة زوايا مختلفة وهو كتاب وإن كان في صغر حجمه إلا أن له قيمة فكرية ثاقبة ورؤية إستراتيجية عميقة في استشفاف الخطوط العامة للمستقبل ويضع الممارسات العملية الناجحة للحاضر وتوجهات المستقبل المُضطرب وهذا الكُتيب يأتي التنبيه والإشارة إليه في الوقت المناسب وفي الظروف المناسبة (محلياً وإقليمياً ودولياً) و ليس لما يمر به السودان فحسب فالكتاب مُعد أصلاً لمتخذي القرار و كبار المدراء وصناع القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدولة والمؤسسات والمجتمع وحتى الأفراد ولعله بذلك يفتح شهية المترجمين ودور النشر في العمل علي ترجمته بصورة احترافية. والسودان في اعتقادي أحوج ما يكون لمثل هذه المعارف والأفكار والمراجع وذلك نسبة لما يمر به من أوقات مُضطربة وعصيبة لا يحسده عليها أحد. تمت طباعة الكتاب في العام 1980م عن مطابع دار( بان للأعمال والإدارة – لندن80م ) ومتوفر حاليا علي الانترنت من مكتبة أمازون. يقع الكتاب في حوالي 240 صفحة بمقدمة وأربعة فصول وخاتمة. وهذه الفصول الأربعة في تقديري المتواضع ما هي إلا إستراتيجيات أربعة لمواجهة التحديات والصعاب التي تنشأ مع وفي الأوقات المضطربة والعصيبة ( والتي عرّف معنها: بعدم الانتظام وعدم التنظيم والنّشاذ) وبذلك يمكن ان نُعمم الخطوط العريضة لهذه الاستراتجيات علي الدول والمؤسسات وحتى الأفراد في مواجهة الظروف الصعبة فالكتاب ليس ذلك النوع من الكُتب الجامدة والمرتبطة بأحداث ووصفات زمكانية بعينها بل يتنقل ويتجاوز التنظير والفلسفة كما يتجاوز الحدود الجفرافية والنمازج القديمة الجاهزة ليرسم معالم وخطوط واتجاهات عامة وكُلية وشاملة للممارسات والتجارب والأفعال الإدارية الناجحة والناجعة و كما انه لا يدخل القارئ في تفاصيل محددة إلا في بعض القضايا والحالات الاسترشادية. ولا يمكن اعتباره من الكتب الكلاسيكية في علم الإدارة بقدر ما يعتبر في تقديري مرجع و لبنة مهمة من لبنات كتب الإدارة التي تضع وترسم الملامح العامة لما يجب و ينبغي ويمكن العمل به في ظل ظروف معينة. فالكتاب يناقش ويركز علي الممارسات أكثر وأكثر وعلي اتخاذ القرار أكثر من التحليل والتسويف فهو لا يناقش فلسفة الإدارة في الأوقات العصيبة والي أين المسير عندما تشتد المحن والخطوب بل يضع حزمة من الممارسات والإجراءات والتاكد من سعة وقدرة المؤسسات من النجاة وبمدي قوة هياكلها وصحتها من المؤائمة مع التغيرات المستقبلية في تحويل المخاطر والمهددات الي فرصة و في كيفية الصمود والوقوف في وجه الصعاب والتحديات بجانب كيفية الاستفادة الممكنة من الفرص التي لم تكن في متوقعة ولا في الحسبان والتي تأتي مع المخاطر و الظروف الاستثنائية، والكتاب فائدة حقيقة ملموسة فهو لا يضع القارئي في محك النظرية والتطبيق تلك الفجوة التي يقع في براسنها الكثير من الكُتاب و يساء فهمها عند الواقع التطبيقي فالكتاب اصلا جاهز للتطبيق والتنفيذ وواضح ومباشر في استخدام التعابير و في وضع الحلول فهو يحول النظريات الادارية الي تطبيقات وممارسات تطرق الكتاب لعملية التغيير والمخاطر والابتكار في الاساليب والتكنلوجيا والمعلومات التي تنبأ بها في مستقبل الاعمال و التي تاتي في طيات عملية التغيير ولان التغيير هو الثابت الوحيد والمستمر والذي لا يمكن إدارته بقدر ما يمكن الموائمة معه والاستفادة والاستثمار فيه بدل مواجهته وهو ما تناوله في القسم الاخير من كتابه الادارة في البيئات المضطربة. يركز الكاتب عل الجانب الإداري في تناوله لمجمل القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ويركز علي ثلاثة محاور وهي الأفعال والاستراتيجيات والفرص والتي يأتي في مقابلها علي التوالي في ما يجب فعله ( الأفعال) وما نستطيع فعله ( الاستراتيجيات ) ثم ما يمكن فعله ( الفرص) في الأوقات المضطربة. و ان شاء الله سنتاول وباختصار فكرة الكتاب وخلاصته ونضاهيه مع واقعنا السوداني ما امكن و عسي ولعل ان نخرج منه ببعض ما يفيد مُتخذي القرارت في بلادنا. تتكون استراتيجيات بيتر دروكر في كتابه الادارة في الاوقات المُضطربة في الاتي: إدارة الاساسيات إلادارة للغد إدارة التغيير التركيبة والديناميكية السكانية الجديدة الإدارة في البيئات المضطربة الإستراتجية الأولي : إدارة الأساسيات : السيولة – الإنتاجية – تكلفة المستقبل : يناقش دروكر في الفصل الاول قضايا محددة يمكن في تقديري المتواضع مشابهة لواقعنا الحالي ، فيركز الكاتب علي إدارة "الاساسيات" في الأوقات المضطربة ترتكز أساساً علي الغد والمستقبل ولكن الأولوية دائما للان. ويركز علي الجوانب الاقتصادية الاساسية ( التي تظل هي الركن الركين للدولة والمؤسسة فهي لا تتغير بل تتتغير الظروف التي تحيط بها داخليا وخارجيا ونظامها الإداري (مثال المشروعات والشركات والهيئات الحكومية مشروع الجزيرة وشركة الأقطان هيئة السكة حديد الخ الخ ) إدارة الأساسيات تعني تركيز الجهد الإداري كله للأساسيات وذلك يعني إن النجاح والفشل في الأوقات المضطربة تحدده مدي كفاءتنا في إدارة الاساسيات. وهذه الأساسيات تحتوي علي : السيولة الإنتاجية وتكلفة المستقبل هناك خمسة أعمدة لإدارة الأساسيات وهي : التضخم الموائمة مع التضخم : التضخم يشوه الحقائق ويغير من شكلها والأرقام والإحصاءات تصبح غير صادقة ومزيفة وفي الاوقات المُضطربة لا يمكن الاعتماد إلا علي الخبرة المتراكمة والحدس السليم فكل شئ غير حقيقي ومشوه ومشوش ، فالأموال تصبح قيمة في حد ذاتها أكثر من السلعة او الخدمة فالتكيف مع التضخم وإدارته أولوية لمتخذي القرار كما ان الأرباح في فترة التضخم وسجلاتها تصبح وهمية وغير ممكنة وغير صحيحة . معظم المدراء يتعقد بان التضخم جزء أصيل ومستمر من النشاط الاقتصادي والمالي وهو اعتقاد خاطئ فالتضخم حالة شاذة يمكن التغلب عليه وإدارته والتوائم مع ظروفه الاستثنائية وهو ذات الأمر الذي يقودنا إلي العمود الثاني وهو: السيولة إدارة السيولة والقوة المالية : اعتمدت إستراتيجية الإدارة للأساسيات عدة أعمدة كان أولها الموائمة مع التضخم وما يخلقه من تزييف للحقائق والأرقام وما ينتجه من أوهام في الأرباح و يأتي من بعدها مشكلة توفر السيولة والقوة المالية ( منذ الأزمة المالية العالمية 2008م وما خلفته من تبعات وخاصة في العالم الثالث في ازمة غذاء عالمية او ما يسمي بأزمة غ، س، و( الغذاء، السيولة ثم الوقود " الطاقة " وهي نفس أعمدة الثورة المضادة التي تعمد عليها في تشويه وتشويش الفترة الانتقالية وتضع العراقيل أمام الحكومة الانتقالية فمشكلة الخبز والسيولة والطاقة مستمرة ومتصلة بفترة حكم الإنقاذ: The Triple" F " Crisis (Food, Financial and Fuel). وللتضخم اليد الطولي في توفر السيولة المالية من عدمها وأوضاع أسواق تبادل الأوراق المالية، وأثناء الأوقات العصيبة توفر السيولة علي درجة من الأهمية أكثر من المكتسبات والموازنة المالية بل تكون أهم من الأرباح وعليه يجب وضع السياسات التي تقوي من العملة وتقوي من توفر السيولة وفي الأوقات المضطربة تكون السيولة المالية وتوفرها هدف وغاية في حد ذاته وليس وسيلة لغايات اخري كما انها تمثل طوق النجاة في الاوقات المضطربة. العامود الثالث وهو ما تقوده السيولة ألا وهو الإنتاج والإنتاجية. الإنتاجية إدارة الإنتاجية : وهو عمل إداري محض وخالص ويجب التركيز علي الإنتاج والإنتاجية وعلي زيادة عناصر الإنتاج : رأس المال، الموارد الطبيعية الوقت والمعرفة. فالإنتاجية لا تعني الصناعة فقط بل تعني تحديث القطاعات المختلفة وتطويرها فالتصنيع يعني التصنيع في كافة القطاعات فالزراعة مثلا لا تعني زراعة المحاصيل المتنوعة وغيرها بقدر ما تعني التصنيع الزراعي. إهمال الإنتاج والإنتاجية هو الخطر بعينه و الضعف في الإنتاج كما ونوعا يتسبب في الانكماش الاقتصادي ويزيد من ضغوط التي يخلقها التضخم بجانب المشاكل الأخرى السياسية والاجتماعية وغيرها. إدارة الإنتاجية تعني إدارة المصادر الأربعة للإنتاج كلا علي حدا منفردا وبصورة ثابتة وواعية. الالتزام الصارم بمضاعفة الإنتاج ( رأس المال الإنتاجي). فالإنتاج لا يدير نفسه هناك من يقف خلفه وخلف خطوطه ألا وهم العمال والموظفين المهرة وهي العمود الرابع في استراتيجية الاساسيات. العنصر البشري العمالة المهرة إنتاجية العمالة المهرة وهي تلك التي تتمتع بمهارة ومعارف وخبرات معرفية متميزة وتكون دائما في قمة العمل الإنتاجي المثمر ولو أن تكلفتها عالية " نموذج اليابان ومدي تطور العنصر البشري فيها ". ترقية وتطوير العنصر البشري بالتدريب والتأهيل وزيادة المهارات والمعارف للعمال والموظفين من أهم العناصر لزيادة الإنتاجية ومضاعفتها. ( يتمتع السودان بعناصر وكوادر ادارية وفنية ومهنية متميزة ورائد في مختلف المجالات كما انه له من المؤسسات التدريبة ومؤسسات التعليم العام والعالي والجامعات المرموقة علي مستوي العالم العربي وافريقيا والشرق الاوسط هذا ناهيك عن المؤسسات التي تعني بامر التدريب الحوكمي والمصلحي " المجلس القومي للتدريب، والذي هو امتداد لمؤسسة التدريب منذ الاربعينيات من القرن المنصرم وحتي الان وهو الامر الذي يوضح علي مكانة وأهمية التدريب والتاهيل في الدولة السودانية قديماً وحديثاً ومدي ريادته). العامود الخامس وهو زبدة وخلاصة استراتيجية إدارة الأساسيات التي بدأت بالتعرف علي توفر السيولة والإنتاجية وتكلفة المستقبل ( الربح) ومن ثم تناولت الأعمدة التي تقوم عليها إستراتيجية الأساسيات وهي الموائمة مع التضخم وتوفر السيولة والإنتاجية و تثمين دور العنصر البشري الذي يرتكز علي المعرفة والمهارة ثم العامود الأخيرو هو : التكاليف تكاليف البقاء في العمل مقابل وهم الربح : العمود الخامس الذي تقوم عليه إستراتيجية التوجه للأساسيات في مواجه الأوقات المضطربة وادارة الاساسيات تحتوي علي مكاسب اليوم وما تحتويه تكاليف يوم الغد ويمكن تلخيص فكرة التكاليف في النقاط الاتية : اي تقدم اقتصادي يحتوي علي مخاطر كبيرة ومتسعة والاقتصاد يعتمد علي القدرة علي تشكيل راس المال والذي بدوره يولد الزيادة في الانتاج والانتاجية كما يعني خلق فرص العمل وزيادتها كماً ونوعاً. الاوقات المضطربة تنشئ حالات عدم اليقين والمخاطر الكبري وتصبح المخاطر اكبر مع المستقبل والذي يحمل التغيرات الكبري والابتكارات والتكنلوجية. هناك عوائق حقيقية تتعاظم للحيلولة دون تشكيل راس المال والذي يتاكل وينحدر مع ظروف التضخم وهنا تظهر مخاطر النظر الي تكلفة البقاء في العمل كجزء من تكاليف المستقبل وليس كجزء من تكاليف العمليات الحالية "التكاليف المؤجلة " والامر الذي يوضح المشكلات الرئيسة ويمكن نوجزها في النقاط الاتية : تكاليف البقاء في الاعمال تعني المستقبل وتعني التوقع الدائم بالمخاطر المحتملة فالنشاط الاقتصادي ما هو الا التزام للمصادر المالية المتيقن منها في الوقت الحاضر. هناك عدة عقبات تواجه تكلفة البقاء في الاعمال ومن اهمها تكوين وتشكيل راس المال. هناك احتياج للسيولة " لتكوين راس مال " في الاوقات المضطربة وهناك عوائق حقيقية تحول دون تشكيل او تكوين راس المال وعلي سبيل المثال يشكل التضخم و الادخار والذي يمثل شعور عام لدي المواطنيين في تحويل الاموال الي " مقتنيات واشياء" بدون فوائد اقتصادية ومردود مالي معين. تظهر مشاكل وعوائق اخري من ضمنها العجز المالي وعلي جميع المؤسسات العامة وقطاع الاعمال والسوق. وعدم معرفة التكاليف الحقيقية من قبل متخذي القرارات يشكل مشكلة حقيقية وكبيرة فالبقاء في الاعمال ومعرفة التكاليف الحقيقية بجانب معرفة الوضع الاقتصادي والمالي للمؤسسة يساعد علي اتخاذ القرارات المستقبيلية وتكلفة الاعمال الحالية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.