إن تشكيل الحكومات بعد خفوت صوت الشارع الثائروفشل الإمساك بالشرعية الثورية وتفعيلها يؤدي حتما لدعوات خجولة للتظاهر ومسيرات مليونية كسولة من القوى التي فجرت ذلك الشارع والتي كان يتوجب عليها أن تغوص في دواخل اؤلئك الثائرين والثائرات حتى تتعرف على مطالبهم. وقد كانت تلك المطالب واضحة وبينة لكل ذي بصر وبصيرة. وقد كان على رأسها عدم الإعتراف ب "إنحياز!!" مجلس أمن المخلوع لثورة الشعب والسير بالثورة حتى نهاياتها المنطقية كثورة، برفض ذلك الإنحياز المؤذي ومن يقف خلفه من بقايا النظام البائد من "أولاد" البشير وإجبارهم على تلبية رغبة الثوار وتجسيد هتافها الثلاثي الكلمات " حرية سلام وعدالة". أذكر إنني إلتقيت ذات أمسية رمادية ساد فيها صمت مريب على الشوارع المحيطة بساحة الإعتصام بإحدى كنداكات بلادي والتي لم تكن فخورة بالهتافات التي تمجد قادة قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين. تلك الكنداكة قالت لي وفي عبارات فصيحة " أنا لست متفائلة لأن نصف ما خرجنا من أجله لم ولن يتحقق". سألتها "وما هو ذلك النصف الذي لم يتحقق؟" قالت وإبتسامة جامدة على شفتيها "ما ناس قريعتي لسع قاعدين ومعاهم الكيزان ودعاة الهبوط الناعم". خلال أقل من شهر واحد من تأريخ تشكيل حكومة "الثورة!!" الإنتقالية وقعت ثلاثة أحداث تؤكد دونما الإستعانة ب "صديق" أن بقايا بني كوز لا يزالون يمسكون بمفاصل حكومة حمدوك التي كان من المفترض أن تتشكل على قاعدة الشرعية الثورية، لا قاعدة المحاصصة الحزبية والجهوية "المعروفة وغير المعلنة"، كما تؤكد كذلك تواضع قدرات أطقم الإعلام والمراسم بمكتب رئيس الوزراء والمداميك التي وضعها البعض أمام حكومة حمدوك. معذرة ولنعد للمداميك التي وضعتها الدولة "الغريقة" والأطقم التي ذكرت في وجه الثورة ورئيس وزرائها (لن أعود للوراء كثيرا). تأملوا معي أولا: في أول مؤتمر صحفي له مع وزير خارجية ألمانيا بح صوتا حمدوك وضيفه وتصببا عرقا. لماذا؟ هناك من عطل معدات الصوت وأجهزة التكييف. وكانت النتيجة معاقبة بعض بني كوز من الذين تسببوا في الإظلام الصوتي وإنعدام الهواء البارد. وبس. والسؤال هنا: ماذا كان يفعل طاقم مكتب إعلام رئيس الوزراء؟ ثانيا: ثم يقرر حمدوك مخاطبة الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليكتشف سيادة رئيس الوزراء أن تأشيرات الدخول للولايات المتحدة لم تكن جاهزة ويستنجد بالسفارة الأمريكية التي نجدته بتطوع موظفيها بالعمل خلال عطلتهم الأسبوعية "يوم الجمعة" حتى يغادر ووفده. وماذا عن حجوزات السفر؟ بحسب الحجوزات كان حمدوك سيسافر بلا وفد. وهبت لنجدته سفارة السودان في أبو ظبي! والسؤال هنا: أين كان طاقم المراسم بمجلس الوزراء؟ ثالثا: ثم يعود السيد رئيس الوزراء بعد مخاطبته للجمعية العامة للأمم المتحدة وزيارته الناجحة لفرنسا ليجد أن مكتبه الصحفي قد "شالته الهاشمية" وقرر- دون إعداد جيد- أن يعقد له مؤتمرا صحفيا بمطار الخرطوم. وليته لم يفعل، فقد حدث ذلك الهرج والمرج والضرب مما أجبر رئيس الوزراء ووزير الثقافة والإعلام الأستاذ فيصل محمد صالح على الإعتذار "بالمناسبة كان إعتذار فيصل هو الثاني خلال أسبوع واحد، إذ سبقه إعتذاره لمراسل صحيفة الشرق الأوسط!!". وكانت قمة الإستهتار ذلك التصريح الذي خرجت به السيدة داليا الروبي والذي حاولت فيه توضيح "ملابسات حادثة الإعتداء على صحفيين أثناء مؤتمر حمدوك"، وياليتها لم تنطق، فقد زادت الطين بلة حين أثبتت " حادثة الإعتداء!! إن كان هذا هو أداء المكتب الإعلامي، وتلك هي قدرات القائمين على أمر الإعلام بالمجلس، فأرجو أن يكتفي السيد حمدوك بأصدار بيانات صحفية، بدلا عن المؤتمرات التي ثبت أن طاقمه الإعلامي غير مؤهل للإعداد لها بصورة تليق بمنصبه. ما حدث منذ ديسمبر المجيد يجب أن ينبهنا حكومة وشعبا و"مجلس سيادة" بأن شهداء ومفقودي هذه الثورة ومن لا يزالون مستمسكين بثورتهم يراقبون كل ما نفعل ولن يغفرون لنا الفشل في تحقيق ما ضحوا من أجله، حتى وإن كانالتطلع لمؤتمر صحفي "يفتح النفس" سؤال أخير للسيد حمدوك: لماذا الجلوس مع السيدة أمل علم الدين زوجة الممثل الأمريكي جورج كلوني, ألم تكن تعرف أنت وأعضاء وفدك دورهذا الممثل في إنفصال جنوب السودان؟ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.