ان بناء الدولة العصرية يتطلب بناء الانسان أولا.. البناء الفكري المفاهيمي الذي يرتقي به الانسان لفهم الحياة والتغلب على كافة اشكال التحديات.. فعندما يكون لديك مجتمع متعلم ومتشرب ثقافة المعرفة يكون من السهل جدا تنفيذ البرامج التنموية بدون سلبيات ومعوقات سواء أكانت في الجانب البشري أو المادي أو الزماني.. سنغافورة كمثال هي دويلة أشبه بالنقطة الصغيرة جدا في خارطة العالم جغرافيا.. لكن اليوم هي من أوائل الدول المؤثرة في المنظومة الدولية بل والمبادرة والسباقة في الحلول عالميا.. ووضع هذه الدولة اليوم مقارنة بوقت استقلالها في العام 1965م هو أشبه بالمعجزة.. لكن بالتفكير العملي ليس هناك ما نسميه بالمعجزة.. فسنغافورة من دولة فقيرة بلا موارد استطاعت أن تكون من أغنى دول العالم الأول، فقط بالعلم.. سنغافورة دولة صغيرة عديمة الموارد حتى ماء الشرب تستورده وليس بها متر للزراعة وتستورد كل طعامها من الخارج.. لكن بفضل العلم والاستثمار البشري فهي اليوم من أغنى الدول، فهي رابع دولة في العالم تصدر النفط المصنع ولا تنتج نقطة نفط واحدة.. (كانت أول شحنة نفط سودانية قد وصلت سنغافورة في العام 1998م).. دولة لديها أفضل مطار في العالم منذ سنوات وفي هذا العام قامت بتشييد جوهرة المطار في خطة لجعل مطارها الأفضل في العالم لمدة خمسين سنة قادمة.. ولديها اسطول من السفن يرفع علمها في كل موانئ العالم.. وتعداد مزايا هذه الدولة لا يحصى.. لكن العبرة هي بما عملته رغم انها نالت استقلالها بعدنا بتسع سنوات وثمانية أشهر.. الاستثمار البشري فعلا هو أفضل وأهم ما تقوم به الحكومات في سبيل الرقي بالأوطان.. ومن حسن حظنا في السودان اننا بلد تمتلك قدر هائل جدا من الموارد وكميه من المياه ذات تأثير اقليمي.. وبحكم هذا الغنى كان من الممكن أن نكون اليوم دولة ذات شأن اذا استحسنت استغلال هذه الخيرات، إلا اننا للأسف أمضينا تاريخا طويلا في الصراعات السياسية بسبب الجهل والتخلف، وأول الخطوات الصحيحة للخروج من هذه الوهدة والعتمة هي التعليم.. توجيه قدر مهم من ميزانية الدولة للتعليم لبناء الانسان الواعي الذي سيكون خلاقا مبدعا يمكن به من العبور بالوطن في ظرف عقود قليلة الى مصاف الدول الراقية ان شاء الله.