نشر بتاريخ الجمعة, 22 أيار 2015 16:10 كانت إنجازات لي كوان يو، الأب المؤسس لدولة سنغافورة، مثار نقاش مستفيض إثر وفاته أخيراً. لكن جانباً مهماً من هذه الإنجازات لم ينل القدر الكافي من الاهتمام، وهو الاستثمار في التعليم الذي حرص عليه هو ومن خلفوه في الحكم. وكانت إستراتيجيته تركز على المورد الطبيعي الوحيد المتوفر في سنغافورة وهو العنصر البشري. نتيجة لهذا الجهد المخلص تصنف سنغافورة اليوم ضمن أفضل دول العالم أداءً في التعليم حسب تصنيف البرنامج العالمي التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية(OECD). وبالرغم من عدد سكانها البالغ خمسة ملايين نسمة فقط، إلا أن سنغافورة تفتخر بأن لديها جامعتين من أفضل «75» جامعة على مستوى العالم مثلها مثل دول كبرى كالصين واليابان وألمانيا، لكن كيف حدث ذلك؟ ما الخطوات السديدة التي اتخذها لي كوان يو حتى وصلت بلاده إلى هذا الموقع المرموق. في البدء يجب التأكيد على أن لي كوان يو لم يقم بتصميم نظام تعليمي جديد لسنغافورة، وإنما بنى على القاعدة التعليمية الصلبة البريطانية التي ورثها من النظام البريطاني الاستعماري. ولم يتخوف من تضمين جميع العناصر التي أثبتت التجربة أنها مفيدة لمشروع بناء الأمة. ومن البدهي أن هذا المنهج صالح في التعليم أكثر منه في المجالات الأخرى وعلى سبيل المثال نجد أن الجامعة الوطنية بسنغافورة «أسست في عام «1905» ومؤسسة رافلز «أسست في 1823» والمدرسة الأنجلو صينية «تأسست في 1886» جميعها سبقت استقلال سنغافورة الذي كان في عام 1963م. علاوة على ذلك، كان المنهج السائد في التعليم الثانوي هو النظام البريطاني «مع بعض التعديلات التي تتيح للطلاب في سنغافورة إحراز متوسط تحصيلي أعلى». ورغم عدم إهمال البنية التحتية إلا أن الاهتمام كان منصباً على الاستثمار التعليمي في الطلاب والمعلمين، وقد تبنت سنغافورة نظاماً وطنياً طموحاً لابتعاث الطلاب المتميزين لتلقي العلم في أفضل الجامعات في العالم، علاوة على تطوير مؤسساتها التعليمية لتلحق بركب التطور. يضاف إلى ذلك أنها وفرت للمعلمين وأساتذة الجامعات أجوراً تفوق المتوسط العام للأجور في الدولة لجذب وتطوير والاحتفاظ بأفضل الخريجين للعمل في مجال التعليم. وكان نظام التعليم في سنغافورة قائماً على الجدارة «رغم أن البعض يرى أنه صفوي» يركز على تطوير القدرات إلا أنه موجه نحو خدمة الشعب. ويجبر هذا النظام من يتلقى منحة للدراسة في الخارج على العمل في القطاع العام لمدة سنتين على الأقل مقابل كل سنة قضاها مبتعثاً. ويحكم مبدأ الجدارة كذلك تطوير ورفع مستوى المعلمين؛ إذ يسند إلى المعلمين ذوي الكفاءة مسؤوليات قيادية دون اعتبار للمنصب الذي كانوا يشغلون، كما أن هناك تبادلاً في المهام بين وزارة التربية والأساتذة وإدارة المدرسة حيث يعار المعلمون أحياناً للقيام بدور في وضع السياسات التعليمية؛ لكن العديد منهم يختارون العودة إلى العمل داخل الفصول. كما نجد أن النزعة الصفوية في نظام التعليم في سنغافورة يقلل منها حقيقة أن التعليم عالي الجودة متوافر لجميع المستويات الأكاديمية. وتفتخر سنغافورة بتعليمها الثانوي ومؤسسات التعليم العالي؛ لكن البعض قد يرى أن تميز هذا التعليم يكمن في مئات المدارس المنتشرة في الأحياء المختلفة داخل المدن، إضافة إلى مؤسسات التعليم التقني التي توفر تعليماً عالي الجودة للجميع. هذا النظام التعليمي يتطلع دوماً إلى الأفضل. ويتمثل ذلك في تبني الثنائية اللغوية «اللغة الإنجليزية علاوة على إحدى اللغات الثلاث المحلية: المندرين، الملاوى، التاميل»، كما يركز على العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات. وسبقت سنغافورة الكثير من الدول في تطبيق الإستراتيجيات التعليمية المطبقة في التعليم في الوقت الحاضر. وكان اختيار اللغة الإنجليزية نابعاً من تاريخها وحاجتها كمجتمع متعدد اللغات إلى لغة مشتركة، إضافة إلى إدراك القائمين على الأمر للتوسع في استخدام اللغة الإنجليزية كلغة عالمية للتجارة والعلم، وأنها ستبقى كذلك لعدة عقود. وفي هذا الصدد نجد أن لي كوان يو قد ميز نفسه من معاصريه في قادة الدول في فترة ما بعد الاستعمار، لأنه اختار تبني لغة عالمية لمدينة عالمية بدلاً من التقوقع في النزعة الوطنية واختيار لغة الأغلبية. أخيراً تطور نظام التعليم في سنغافورة بالتميز في العلوم الإنسانية والفنون والرياضة حينما أحسوا بالتركيز الزائد على العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات. وذلك لإعادة التوازن إلى هذا النظام مع التركيز حالياً على الوصول لطرق لتشجيع الإبداع والريادة. وبالنسبة إلى كوان يو يتعدى التعليم التلقي الشكلي، وكما ذكر في إحدى خطبه في 1977«تعريفي للشخص المتعلم هو الشخص الذي لا يتوقف عن التعلم ولديه شغف به». في الواقع يعتبر النظام التعليمي في سنغافورة أحد الأساطير الخالدة التي خلّفها لي كوان يو، لذا كان من المناسب أن تقام جنازته في الجامعة الوطنية بسنغافورة. بقلم: STAVROS N. YIANNOUKA ترجمه أحمد البشير عبد الماجد تعليق ومضات: نقدم هذا المقال للمعنيين بأمر التعليم في السودان، فهذا مثال يحتذى؛ لأن أمة لا تهتم بالتعليم ستظل متخلفة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.