تحت عنوان المؤتمر السنوي لمؤسسة القضاء الصومالي والذي إنعقد في فندق Royal Place بالعاصمة مقديشو في الفترة 13-14 فبراير 2020، شارك بدوره الرئيس الصومالي محمد عبدالله محمد، في حضور مسؤولين أخرين، حيث ألقى كلمة كان مضمونها. " المطلوب الوعي بحدوث تاريخ سيئ، ما حدث ومررنا به، حقيقتا ما وقع هناك، ما حدث بعده، لم يكن هجوم الجنوب على الشمال، ولم يكن أمرا ذو صلة بالقبلية، بل كان ذو ارتباط بنظام الدولة القائم حينها. بصفتي كرئيس للوطن أقوم بهذا الإعتذار، وأن نرسله إلى إخوتنا الشماليين، وأن تتفقوا معي في ذلك. وفي الإتجاه الآخر فإن الذين حملوا السلاح كمحاربين، المطلوب منهم إعتذار".(1) تلك الكلمة نالت إستحسان الصوماليين، وتم الترحيب بها شعبيا، والجدير بالإشارة أنها لم تكن الأولى والتي أدلى بها رؤساء صوماليين، كمثال شريف شيخ أحمد وحسن شيخ محمود، إلا أنها كانت متميزة عن التصريحات السابقة لنظرائه السابقين. إذ شملت ضرورة إعتذار الطرف الآخر، والذي تتعدد صفاته ما بين مسميات الحركة الوطنية الصومالية،الإسحاقيين،الشماليين،أرض الصومال، في حين خاطبهم الرئيس الصومالي كشماليين، علما أن الخطاب لا يشمل الشماليين جميعا، بل هو موجه لمكون الإسحاق. فحوى الخطاب بأن ماهو لهم وما هو عليهم، الشق الأول أنهم قد تعرضوا لضرر الكبير، في حين يشمل الشق الثاني من الخطاب رؤية أنهم كانوا جزء من الإشكالية والتي عادت عليهم بالضرر، وذلك حين أصبحوا كتنظيم سياسي حمل السلاح ضد الدولة الصومالية، وخاض حروب في أوساط المواطنيين العزل. وفي المحصلة فإن خطاب الرئيس الصومالي أكد بوضوح بضرورة أن يقوم الطرف الآخر بمبادرة مماثلة كمراجعة نقدية لممارسته السابقة تجاه الصوماليين، وبالعودة إلى تاريخ الحركة الإسحاقية وكانتونها لا تبدو هناك إشارات بصدد القيام بخطوة مماثلة، ومن شأنها القيام بتقريب وجهات النظر ما بين ذلك المكون والحكومة الصومالية. خاصة وأن تصريحاتهم عادتا ما تتسم بالتطرف وبلغت إتهام القائم على الكانتون موسى بيحي عبدي، الرئيس محمد عبدالله محمد، بأنه تورط في نشاطات سياسية شكلت ضررا بمن بقومه وحركته، وذلك خلال وجوده في الولاياتالمتحدة، علما بأن تلك الاتهامات لا تتسق مع المعطيات التي يدركها الصوماليين، ناهيك عن الغمز واللمز على خلفية أن هناك صلة قبلية تربط الرئيس الصومالي الحالي بالرئيس السابق محمد سياد بري. الحكومة الصومالية خاضت حرب الشمال كرها في عام 1988، حيث أمرت إثيوبيا الحركة الإسحاقية بمغادرة أراضيها، وذلك بعد تسويتها مع الصومال، فكان الخيار اقتحام مدن بربرة،هرجيسا وبرعو، إلا أن الإمكانيات اللوجستية والعسكرية لم تسمح للحركة بالتقدم نحو ميناء بربرة، وحصر الهجوم على مدينتي برعو وهرجيسا في شهر مايو 1988. وبذلك الحركة الإسحاقية افتعلت سياسة الأرض المحروقة واتخذت دروعا بشرية. إذ سيطرت على المدن وظلت في واقع حرب مستمرة طيلة 3 أشهر، وواجهت مقاومة غير منقطعة من قبل الجيش الصومالي، وفي المحصلة تم تدمير المدن بفعل ذلك الصراع المسلح، وخلق مأساة إنسانية أصابت المدنيين والذين تورط الكثير منهم في تلك الحرب، كانت النتيجة كم كبير من القتلى والنازحين من المدن ولا سيما هرجيسا. إن خطاب الرئيس الصومالي تميز بكونه حمل كلا الطرفين مسؤولية تلك الأحداث الدامية، وبحكم كونه رئيسا لصوماليين جميعا، فقد أظهر مسؤولية الدولة الصومالية عن ما تم وقوعه في تلك الفترة العصيبة، ناهيك عن أنه أشار إلى أن طبيعة الصراع كانت سياسية، ولم تكن ذات أبعاد جهوية( جنوب وشمال)، أو قبلية. المفارقة أن هناك الكثيريين ممن حرفوا تصريحات الرئيس الصومالي، وأضافوا على لسانه قول أن الصراع كان بين الحكومة العسكرية والشماليين، علما بأن آخر حكومة عسكرية قد رحلت كبنية حاكمة منذ عام 1971، وأن ما عرف بالمجلس الأعلى للثورة قد تم حله في عام 1976، كان عليهم قول أن أعضاء المجلس ظلوا مسيطريين على نظام الحكم وصولا إلى عام 1991. بينما هناك حكومة كان يترأسها الفريق محمد علي سامتر، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الثوري الحاكم، كانت مسؤولة بقدر كبير عن تلك الأحداث، وبطبيعة الحال فإن دور القوات المسلحة الصومالية، ليس بحاجة إلى التعريف، وهو ما فرض قيامه بواجباته تجاه تلك الحركة العنصرية، والتي أسست منذ ميلادها لحرب أهلية والارتباط مع إثيوبيا وأنظمة أخرى خارجية كانت في واقع صراع مع الصومال. وبغض النظر عن المحصلة فإن الرئيس الصومالي اتسم بالوضوح وبإسم الدولة الصومالية اعتذر لمواطنيه عن ما لحق بهم أيا كان وراء ذلك، خاصة وأن حكومة الرئيس محمد سياد بري، لم تقم بدورها كما يجب، وفي المقابل فإن الكرة في ملعب القائمين على الكانتون الإسحاقي، لرد على هذه المبادرة الساعية إلى التقارب والمصالحة الوطنية والتي لا زالت مفقودة في الصومال. وبحكم الإدراك بالطبيعة العنصرية والإنتهازية لذلك الكانتون يمكن القول، إن جهد الرئيس الصومالي محمد عبدالله محمد، لن ينال التقدير، وأن الأمر سينتهي إلى منحى إعتذارك لن يفيدك، فوعي القوم يرى فيه ذات سياد بري، في حين توقفت عقارب الساعة لديهم عند عام 1988، والذي أفسدوا فيه البلاد والعباد. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.