ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    تحالف "صمود": استمرار الحرب أدى إلى كارثة حقيقية    شاهد بالفيديو.. لاعب المريخ السابق بلة جابر: (أكلت اللاعب العالمي ريبيري مع الكورة وقلت ليهو اتخارج وشك المشرط دا)    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    "صمود" يدعو لتصنيف حزب المؤتمر الوطني "المحلول"، والحركة الإسلامية وواجهاتهما ك "منظومة إرهابية"    شاهد بالفيديو.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تدعم الفنان عثمان بشة بالترويج لأغنيته الجديدة بفاصل من الرقص المثير    صحة الخرطوم تبحث خطة لإعادة إعمار المرافق الصحية بالتعاون مع الهيئة الشبابية    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    كمين في جنوب السودان    كوليبَالِي.. "شَدولو وركب"!!    دبابيس ودالشريف    إتحاد الكرة يكمل التحضيرات لمهرجان ختام الموسم الرياضي بالقضارف    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    ارتفاع احتياطيات نيجيريا من النقد الأجنبي بأكثر من ملياري دولار في يوليو    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    شهادة من أهل الصندوق الأسود عن كيكل    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    بنك أمدرمان الوطني .. استئناف العمل في 80% من الفروع بالخرطوم    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    «ملكة القطن» للمخرجة السودانية سوزانا ميرغني يشارك في مهرجان فينيسيا    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما الذي يجري في القرن الأفريقي " 3 "

القاهرة: هاني زايد اتفاق جدة يجدد الأمل بإعادة بناء دولة الصومال واستعادة الوحدة والرهان على مستقبل آمن النهج القبلي لبري حرم الآخرين من المشاركة في الحكم وجعل السلطة والمال يدوران في كنف قبيلته اجتماع لمؤتمر جدة للمصالحة الصومالية برعاية خادم الحرمين الشريفين. القاهرة: الوطن أعاد اتفاق المصالحة بين الفصائل الصومالية الذي أنجز في السادس عشر من سبتمبر الجاري بمدينة جدة برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الأمل لأبناء الشعب الصومال في إعادة بناء الدولة المنهارة منذ خروج سياد بري مطلع التسعينيات من القرن الماضي واستعادة الوحدة ووقف الاقتتال بين القبائل والحكومة. جاءت هذه الاتفاقية تتويجا لمؤتمر المصالحة الذي انتهت أعماله في مقديشو دون التوصل إلى اتفاق، خاصة وأن سبع قذائف كانت قد سقطت على مكان انعقاد المؤتمر، لتوضح أن الأطراف الصومالية غير قادرة لوحدها على الوصول إلى أي نتيجة إيجابية وقد حضر توقيع الاتفاقية كل من الرئيس عبد الله يوسف أحمد، ورئيس الوزراء علي محمد جيدي، ورئيس البرلمان آدم محمد نور، وعدد من رؤساء القبائل. وقد جاء التوصل إلى اتفاق المصالحة الوطنية في الصومال بعد مداولات استمرت أكثر من شهر ونصف في مقديشو بين ممثلي القبائل الصومالية المشاركين في مؤتمر المصالحة الذي دعت إليه الحكومة الانتقالية وقاطعه اتحاد المحاكم الإسلامية وأعضاء البرلمان المنشقين المقيمين في إريتريا. وتوصل المؤتمر إلى اتفاق يشمل 4 نقاط وهى الإعلان عن انتهاء الخلافات بين القبائل الصومالية وكتعبير عن المصالحة فقد تبادل زعماء القبائل الصومالية المشاركون المصاحف، ثم إعادة الممتلكات إلى أصحابها الأصليين، ونزع السلاح، وأخيرا تأهيل المليشيات.. ووقعت على هذا الاتفاق لجان مختارة من المجموعات القبلية الخمس في الصومال. وقد اتفق على عقد مؤتمرات مصالحة في كل القرى والنجوع في الصومال لنقل القرارات والتوصيات إلى كل أبناء الشعب الصومالي. ويأمل المراقبون أن تستكمل الأطراف الصومالية باقي خطوات المصالحة رغم عدم دعوة المحاكم الإسلامية لحضور مؤتمر المصالحة بعد أن قرر مسؤولوا المحاكم أيضا مقاطعة المؤتمر لعدم الاعتراف بالحكومة الانتقالية. ومما يزيد من الصعوبات أمام تفعيل اتفاقية المصالحة تشكيل تحالف معارض جديد في العاصمة الإريترية أسمرا أوائل سبتمبر ردا على مؤتمر المصالحة الوطنية ويضم تحالف المعارضة الإسلامية زعماء المحاكم الإسلامية وشاركت فيه المعارضة الصومالية بالخارج وشخصيات من جمعيات أهلية صومالية. ويرى المحللون السياسيون أنه لو كان الرئيس الصومالي قد نجح في إقناع القطاع الغاضب من قبيلة الهوية بحضور المؤتمر لقلل ذلك من تأثير المعارضين الآخرين في الخارج ولكن إصرار الرئيس الصومالي الذي ينتمي إلى قبيلة الدارود على نزع أسلحة أبناء قبيلة الهوية بمقديشو واعتقال بعضهم والزج بهم في السجون جعل شيوخ القبائل يرفضون المشاركة في المؤتمر مما يعنى توفير ملاذ أمن للمسلحين. الانقسامات القبلية ومعروف أن الصوماليين ينقسمون إلى خمس تجمعات قبلية رئيسية هي: الهوية، الإسحاق، الدارود، دير، والرحنوين، بالإضافة إلى تجمعات قبلية أصغر حجما، وأقل شأنا، وبالرغم من رفع شعارات مختلفة في الصومال، في محاولة لإخفاء جذورها القبلية، إلا أن أغلب التجمعات الصومالية السياسية هي تعبير عن تجمع قبلي واحد، فمثلا المحاكم الشرعية الصومالية تمثل قبيلة الهوية المتمركزة في مقديشو، ولعل محاولة الحكومة الانتقالية من خلال اتفاق المصالحة الموقع في جدة، هي الاتفاق مع قبيلة الهوية، ومن خلالها مع المحاكم الإسلامية، حتى وإن لم توقع الأخيرة على الاتفاق. وغالبا فإن الولاء القبلي أقوى من أي ولاء آخر، فالشعارات السياسية، والإيديولوجيات العابرة كانت دائما مجرد أقنعة تخفي بها القبائل وجهها أمام المجتمع الدولي، أما على صعيد المجتمع المحلي فالوجوه سافرة، منذ أن فضل الصوماليون الانتماء إلى القبيلة على حساب الهوية الوطنية الجامعة. أمراء الحرب ولقد ظهرت وسط هذه الظروف طائفة أمراء الحرب أو تجار السلاح التي قامت بتأجيج الصراعات الداخلية وربحوا من ورائها ملايين الدولارات حتى ولو كان الثمن الشعب الصومالي وزاد من تعقيد الموقف أن الأزمة الصومالية بكل تداعياتها أخذت أبعادا إقليمية ودولية تجاوزت الحدود بحكم موقع الصومال الاستراتيجي وسط القرن الأفريقي وقد وصلت هذه الأبعاد إلى حد تدخل بعض الدول بقواتها في الصومال مثل الولايات المتحدة الأمريكية وأثيوبيا. وقد تولت الحكومة الصومالية الحالية السلطة عام 2004 وقد ورثت تركة مثقلة بالإضافة إلى بروز عامل آخر هو اتحاد المحاكم الإسلامية الذي ما لبث أن تحولت معارضته إلى صدام مسلح مع الحكومة وصل إلى حد الحرب الأهلية. وقد تعقدت الأوضاع بالانتصارات العسكرية المتتالية التي حققها هذا الاتحاد على الحكومة واستيلائه على مساحات واسعة من الصومال ووصلت قواته إلى مشارف العاصمة مقديشو الأمر الذي جعل الحكومة تتجه إلى مدينة بيداوة والإقامة فيها إلا أن الحكومة الانتقالية بعد الاستعانة بالقوات الإثيوبية استطاعت استعادة زمام الأمور وهزيمة اتحاد المحاكم الإسلامية واسترداد الأراضي التي استولى عليها والعودة إلى مقديشو. ووسط ضغوط دولية هائلة خاصة من جانب المجتمع الدولي شرعت الحكومة الانتقالية في تنظيم مؤتمر للمصالحة يضم القبائل والعشائر بحثا عن أمل للاستقرار السياسي والأمني وبرغم أن هذا المؤتمر قد تأجل 13 مرة إلا أنه انعقد وأسفر عن اتفاق مصالحة وطنية وهذا يعد مؤشرا طيبا على أن غد الصومال سيكون أفضل من أمسه وأن يتفق القادة الصوماليون على احترام وتنفيذ ما توصلوا إليه حتى لا يكون مثل غيره من الاتفاقيات التي لم تنفذ وتحكيم صوت العقل بين جميع الأطراف وأن الأيام القادمة سوف تشهد تطورات حاسمة في تاريخ الصومال. ونظرا لعدم الاستقرار الذي يسود الصومال فإنه يعانى من أوضاع إنسانية متفاقمة حيث يأتي الصومال كل عام في مرتبة متدنية في تقرير التنمية البشرية الذي يصدره كل عام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فالصومال في المرتبة 161 من بين 163 دولة، وبين كل أربعة أطفال صوماليين يموت طفل قبل بلوغ خمس سنوات ويحصل أقل من 25 % من الصوماليين على ماء نظيف وأقل من 20 % من الأطفال مسجلون في المدارس الابتدائية ،كما أن الإمدادات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الدولية مثل اليونيسيف في مجالات التعليم والصحة محدودة في ظل أوضاع معقدة وصعبة . ويعانى الصومال أيضا من أزمات طاحنة أبرزها الجفاف الذي خلفته الحروب إلى جانب انتشار الإيدز الذي يعد أحد التحديات الملحة الخطيرة بالإضافة إلى تصاعد أزمة اللاجئين الذين يعانون معاناة شديدة وأوضاعهم الحالية غير إنسانية . ويرى المراقبون ضرورة أن يدعم المجتمع الدولي الصومال لتخفيف حدة الفقر والوصول الآمن للمساعدات الإنسانية إليه. كان الصومال مطمعاً للاستعمار الفرنسي والبريطاني والإيطالي، وكان أيضا أكثر إغراءً وهي تسيل لعاب حتى جيرانه ليتسابقوا لأخذ حصتهم من الكعكة الصومالية، وكانت النتيجة تقسيم الصومال إلى عدد أصابع اليد: فرنسا تستعمر الصومال الفرنسي (جيبوتي) عام 1884 وبريطانيا يستقر بها المقام في الإقليم الشمالي عام 1887 وإيطاليا تحط رحالها على الجنوب في العام 1889. أما الأشقاء والجيران فقد كان لهم قصة مشابهة للاستعمار، لكنها عصية على نسيان ما خلفته من تركة ثقيلة أضحت تؤثر على مستقبل الصومال حتى اللحظة. لقد أخذت أثيوبيا إقليم الاوجادين 1897، فيما خضع إقليم (N.F.D) للسيطرة الكينية في العام 1924. ظل الاستعمار قابضاً على الصومال في أجزائه الثلاثة، فكانت النتائج تقسيم الصومال ونهب ثرواته علاوة على إعاقته وأبنائه من الاستقرار. وفي الجزأين الباقيين دخل الصومال في حروب طاحنة بشأن إقليم الاوجادين وإقليم نفد مع كينيا لم يكسب منها سوى أنه خسر أكثر من الأرض، حيث ظلت هذه الأقاليم مصدراً لإزعاجه حتى اللحظة.. ولم تفلح المبادرات الإقليمية والدولية في تحقيق آمال الصوماليين بالاستقرار بعيداً عن دوامة الموت بسبب صراعاته الإقليمية وتدخلات جيرانه في تعميق المأساة وجعل الجرح يتسع أكثر حتى غدا اليوم مذبحة جماعية. النظام الصومالي الذي قاد إلى الوحدة في يوليو 1960، حيث اتحد شماله، الذي خضع للسيطرة البريطانية مع جنوبه، الذي كان يخضع للسيطرة الايطالية، فيما عُرف بجمهورية الصومال الديمقراطية. لقد كان الشماليون دعاة للوحدة وهم من هرولوا نحوها وبذلوا من أجل ذلك الغالي والنفيس، لكن النتائج جاءت مخيبة لآمالهم.. كون الجنوبيون هم من سيطروا على الدولة. ورغم أن الشمال بلاد ثروات فقد كان ما ينتجه يذهب إلى المسؤولين في الجنوب الذين توجوا هذا التوجه بانقلاب المؤسسة العسكرية والسيطرة على الحكم بقيادة الجنرال محمد سياد بري العام 1969. لقد استنفد محمد سياد بري قوته وهو يحارب من أجل أهداف متعددة منها قريبة وإقليمية ليتوج مواجهاته في الداخل مع إخوته على النحو الذي قاده إلى تدمير "هرجيسا" في الشمال العام 1988، لتنهار الدولة في مطلع التسعينات من القرن المنصرم بعد معارك لا حدود لها وضحايا بالآلاف لتبدأ الصومال سفراً آخر في الاقتتال الداخلي. الجنرال محمد سياد بري، الذي أطاح بالنظام البرلماني وبدأ حكمه العسكري بالحديد والنار، قوض أركان حكمه حينما جعل من الدولة ملكاً شخصياً له ولأسرته.. فقد أضحى الانتماء القبلي في الصومال رغم صرخاته بتحريم القبلية بعد سنتين من بداية حكمه، ليرتكز الحكم على مثلث عشائري تمثلت أضلاعه في عشيرته (بري) وزوجته وابنها والضلع الثالث في عشيرة أخواله. والحقيقة أن جميع هذه العشائر الثلاث تدخل ضمن بنية قبلية كبيرة تسمى "الدارود". لقد سبب هذا النهج القبلي لبري حرمان القبائل الأخرى من المشاركة في الحكم وجعل السلطة والمال يدوران في كنف قبيلته، الأمر الذي عجل بالنقمة عليه، وكانت من نتائجه عودة الصومال إلى ما قبل الوحدة وانهيار الدولة الصومالية التي كانت تملك القوة العسكرية والجغرافيا والموقع الهام على ساحل يمتد لأكثر من 3500كم ومساحة تزيد عن 750 ألف كيلومترا مربعا، ليزيد الطين بلة حينما جعل من اعتماده على المؤسسة العسكرية كأداة لتقييد الحريات، بل والقتل لكل من يخالفه الرأي. على أن هذه الأوضاع الداخلية المعقدة لم تكن هي فقط محنة الصومال؛ إذ زادت حدة الأزمة على خلفية علاقات إقليمية أكثر تعقيداً للصومال.. فقد دخل الصومال في ثلاث مواجهات مع أثيوبيا، اثنتان منها بقيادة الجنرال بري (1964، 1978، 1983) من أجل استعادة إقليم الاوجادين منها.. لكنها، رغم ذلك، لم تحقق هذا الهدف رغم أنها أوصلت رسالتها لجيرانها بتعاظم قوتها وقدرتها على المواجهة، الأمر الذي زاد من استعداد خصومها للمواجهات المقبلة، بل وقيام أثيوبيا وكينيا بتوقيع اتفاقيات دفاعية مشتركة. انفصال جيبوتي أما فيما يخص جيبوتي فقد كف الصومال النظر عنها، رغم اعترافها بالانتماء الصومالي،بل ودخولها في مساندة ودعم الصومال في مواجهاتها مع أثيوبيا. دخلت جيبوتي الجامعة العربية، وبهذا يكون أصبع صومالي من أصابع اليد قد تم استئصاله بمباركة الجامعة العربية العام 1977. أما الاوجادين فقد ظل محنة تذكّر أثيوبيا بمأساة انكساراتها أمام الجيوش الصومالية مرة ومحل نقمة وغضب ظل أبد الدهر يلاحق الصوماليين على طول الخط مرة أخرى، دون أن تغفر الأخيرة الذنب للأولى أو تستطيع حتى نسيان المواجهات الثلاث. ومع كينيا ظل التوتر سائداً حول إقليم نفد (N.F.D) إذ رفضت كينيا رفضاً قاطعاً حتى التفاوض بهذا الشأن، بل إن استكبارها وصل حد تصريح الرئيس "كينياتا" في تلك الفترة بقوله: "إذا أراد الصوماليون المتواجدون في حدود كينيا الارتباط بالصومال فما عليهم إلاَّ أن يأخذوا جمالهم ويرحلوا". لقد كانت المطالبات الصومالية بالإقليم (الاوجادين) - (نفد N.F.D) تحيل عليها النقم كثيراً من أثيوبيا وكينيا، بل إن كينيا في كل مواجهة صومالية مع أثيوبيا كانت تعلن حالة الطوارئ وتقوم بقطع حتى العلاقات الدبلوماسية مع الصومال.. ومن هنا تجسدت مشاكل الصومال في داخل ملتهب وعلاقات إقليمية أكثر اشتعالاً بالأزمات والمؤامرات ونظرة الكراهية نحو الصومال حتى
كانت النتيجة تقدم أثيوبيا في العام 1978 بمشروع مشترك مع كينيا تضمن تخلي الصومال عن مطالبها في (أثيوبيا، كينيا، جيبوتي), في وقت كان الصومال يعيش حالة ضعف بسبب تزايد المشاكل الداخلية وتضييق الخناق عليه من جيرانه. ورغم أن دستور الاستقلال الصومالي كان ينص على ضرورة دمج كافة الأقاليم الصومالية الثلاثة (أوجادين، نفد، جيبوتي)، إلاَّ أن ضعف الصومال جعله يوقف هذه المواجهات، وهذه المطالب في هذه الأقاليم ويقبل بالمشروع المشترك لأثيوبيا وكينيا بعد هزيمة ثقيلة مني بها الصومال في مواجهته الأخيرة مع أثيوبيا في الاوجادين عام 1978. توترات دولية في المقابل فإن العلاقات الدولية للصومال كانت انعكاساً للعلاقات الإقليمية، حيث أدت التوترات الإقليمية للصومال إلى جعل علاقاته الدولية محل تأثر واضح سواء عندما كانت في المعسكر الاشتراكي الذي اتخذه نظام محمد سياد بري العسكري كعقيدة رسمية له بعد توليه السلطة أو عندما عاد إلى المعسكر الغربي, حيث كانت وجهته الأولى نحو روسيا هي انعكاس لتوجه أثيوبيا نحو الغرب. وعندما اتجهت أثيوبيا شرقاً نحو روسيا اتجه الاهتمام الروسي نحوها وترك الصومال، الأمر الذي اضطره الاتجاه غرباً نحو الولايات المتحدة، لكنها لم تكن تدعمه بنفس ما كانت تقدمه لأثيوبيا.. كذلك فإن الاتحاد السوفيتي، الذي اتخذ من الصومال قواعد عسكرية له واستغل موانئها في مقديشو وبربرة عندما اتجه نحو أثيوبيا ضاعف من مساعداته التي كان يقدمها للصومال لتصل في نهاية السبعينات إلى ثلاثمائة مليون دولار، بالإضافة إلى شحنة أسلحة في العام 1985 بلغت قيمتها حوالي أربعة مليارات دولار.. ومن هنا فإن الصومال خسر علاقاته الدولية مع روسيا ليقوم سياد بري بعدها بطرد الخبراء الروس من قاعدة "بربرة" العسكرية مثلما استغلت أمريكا ملف حقوق الإنسان وعدم احترام سياد بري للحقوق، مبرراً لقطع المساعدات إلى حين قيامه بإصلاحات سياسية واقتصادية في الصومال. في السياق نفسه فإن دوراً للأمم المتحدة أو المنظمات الدولية ظل غائباً لتستمر معاناة الصوماليين الذين كانوا على وشك الوصول إلى انهيار الدولة.. على المستوى الداخلي، في تلك الأثناء، نشطت حركات المعارضة في الداخل، خاصة وأن هذه المعارضة التي تمثلت في الحركة القومية وجبهة الخلاص الديمقراطية بعد أن وجدت من يغذيها إقليمياً ودولياً، الأمر الذي دفع بسياد بري إلى استخدام أسلوب أكثر وحشية ضد قادتها في الشمال والجنوب، لكن نصيب الشمال كان كبيراً، حيث قام باستصدار أحكامٍ بالإعدام ضدهم وقتل كثيراً منهم، الأمر الذي فاقم من نقمة الشماليين الذين اتجهوا صوب "هرجيسا - بربرة" تمهيداً لإعلان استقلالهم ليقوم بحشد الجيوش وضرب هرجيسا التي مازالت جراحها نازفة حتى اللحظة مما عمق الرغبة لديهم بالانفصال ودفعهم إلى المواجهة حتى كان انهيار نظام سياد بري وسقوط الدولة في الصومال هو البداية أيضاً لإعلان الإقليم الشمالي الانفصال مطلع التسعينات من القرن الماضي وسط صمت دولي عمّا يجري في الصومال، بل إن انهيار الاتحاد السوفيتي وبروز أمريكا كقوة وحيدة في العالم غيب التوازن، الأمر الذي دفع بهذه القوة الجديدة إلى ترك أفريقيا كلها وليس الصومال فقط خلف ظهرها وعدم الالتفاف لها لتبدأ الصومال فصلاً جديداً عنوانه انهيار الدولة وبداية الحرب الأهلية. ونظراً لأن أمريكا ظل لها نصف عين نحو أفريقيا بعض الوقت، فقد اكتفت بأن تكون في إريتريا وأثيوبيا، لتنهار الدولة في الصومال وتظل على مدى قرابة عامين غائبة عن الاهتمام أو الحديث الأمريكي إلاَّ في بعض الأحيان. وكانت التدخلات عبارة عن تصريحات تتعلق بالمعونات والوضع الإنساني حتى العام 1992، حيث عاد اهتمامها ليعلن البنتاجون إرسال أربع سفن حربية تقل (2400) جندي في عملية "إعادة الأمل" هي جزء من بداية إعلانها قيادة العالم، لكن هذا التدخل، الذي تم منحه شرعية دولية من مجلس الأمن والأمم المتحدة، سرعان ما أجج خلافات داخلية وسط قوات التحالف، خصوصاً الفرنسية.. كذلك فإن هذه القوات، التي كانت من المارينز والكوماندوز والتي اكتفت في عملياتها بالصومال بملاحقة قوات محمد فرح عيديد ونزع أسلحته، فشلت في مهمتها، بل وأصيبت بخيبة أمل حينما أصبح جنودها عرضة للموت اليومي الموحش في الصومال، ليرحل من تبقى من القوات الدولية وتواصل الفصائل صراعاً بين قوات محمد فرح عيديد وعلي مهدي محمد. الفصائل الصومالية التي بدأت بالمواجهة مع بعضها للجانبين أسفرت عن تعميق المأساة الصومالية وإشاعة القتل في الشارع والصحارى وجعلت من عاصمتها مكاناً لتكتلات مملوءة بحب السيطرة على الحكم. ويعول الصوماليون آمالً كبيرة على اتفاق جدة لإنهاء مأساتهم خاصة بعد فشل أكثر من 14 مؤتمرا للمصالحة بين الفصائل الصومالية جرت فعالياتها في دول عربية وأفريقية منذ سقوط نظام الرئيس محمد سياد برى عام 1991 ونشوب الحرب الأهلية , وكان اتفاق "عرتة" عام 2005 الذي جرى في جيبوتي آخر المؤتمرات للمصالحة وأتى بالرئيس عبد القاسم صلاد رئيساً للصومال ولكن سرعان ما انهار الاتفاق وظل الشعب الصومالي في دوامة الحرب الأهلية.وعلى ضوء هذه المعطيات فإن هناك تساؤلات كثيرة تدور حول مستقبل اتفاق جدة واحتمالات نجاحه نظراً للسوابق التاريخية المأساوية لمؤتمرات المصالحة منذ عام 1991 والتي يعود فشلها بشكل أساسي إلى العنصر الخارجي وتقاطعت أجندات القوى السياسية مع أجندات خارجية لاستهداف أمن واستقرار الصومال بقدر ما تستهدف تحقيق مصالحها في الصومال وخاصة الصراع الأثيوبي _ الأريترى ومحاولتها المستمرة لتصفية حساباتهما على أرض الصومال. بعد كل ذلك سيبقى اتفاق جدة مرهوناً بإرادة الصوماليين أنفسهم ومدى تجاوب دول الجوار والدعم العربي الحقيقي لتلك الخطوة التي أنجزتها السعودية التي تترأس الدورة الحالية للقمة العربية.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.