بيان وزارة العدل الخاص بتعويضات أسر وضحايا المدمرة كول يجعلك تتساءل ما إذا كان قرار قبول التسوية من حكومة الثورة خضع للدراسة من كل جوانبه، أم أن التلهف لخروجنا من قائمة الإرهاب الأمريكية بأي ثمن كان هو الدافع الأول والأخير للقبول بشروط التسوية، التي تكرس ظلماً مزدوجاً على الشعب. وزارة العدل تقول في بيانها أن "هذه التسوية جاءت فقط من أجل المصلحة الاستراتيجية للدولة السودانية" فهل ثمة ضمانات قدمتها الإدارة الأمريكية بأنها لن تشغِّل آلتها السياسية، بعد أن تجني ثمار آلتها القضائية، للضغط على حكومة الثورة لتحقيق مطالب أخرى، قد تفرض على السودان اتخاذ مواقف سياسية إقليمية أو دولية تخدم مصالحها أو مصالح حلفائها، وتكون خصماً على سيادة السودان وخصماً على مبادئ دولته أو مصالحه الاستراتيجية؟. الأمر الثاني: ألم يفكر صانع القرار في حكومة الثورة أن في سداد هذه التعويضات في ظل الظروف التي يعيشها الشعب السوداني، وهي لا تخفى على أحد، فيه ظلم مزدوج للشعب السوداني وهو يسدد فواتير من سرقوه وأجاعوه وأحالوا حياته إلى جحيم يفتقر إلى أبسط متطلبات الحياة الكريمة مرتين؟. حسناً، لا نرغب الدخول في جدل قانوني وسياسي حول الازدواجية التي تتعامل بها الولاياتالمتحدة مع أحكام محكمة العدل الدولية، ورفض تنفيذ حكم محكمة أعلى مقاماً من محكمتها الداخلية كمحكمة العدل الدولية، كما حدث في قضيتها أمام نيكاراغوا في عام 1984، فكيف يقبل السودان تنفيذ حكم محكمة أمريكية لا ينعقد لها الاختصاص بمحاكمة دولة مستقلة وفقاً لحكم محكمة العدل الدولية. ولكن ما حدث قد حدث، وقد وافقت حكومة الثورة على قبول النحكمة الأمريكية ولا سبيل للتراجع أمامنا. وأمام هذا الواقع ،إذا كان حتماً ولا بد أن يسدد الشعب هذه الفاتورة اللعينة، فلم لا يسددها من ماله المسروق بحوزة سارقيه، الذي يتمتع به لصوص حكومة المؤتمر الوطني وسدنته الآن، ويستخدمونه لإجهاض الثورة بافتعال الأزمات الاقتصادية والمعيشية، وتضييق الخناق على الحكومة لإصلاح ما أفسدوه؟. هل مبادئ العدل تقر بأن يسرق هؤلاء اللصوص أموال وموارد الدولة ويذيقون الشعب مرارة الجوع والحرمان، ثم يستخدمون الأموال المنهوبة لإرهاب وترويع الآخرين، ويتسببوا في الأذى للشعوب الأخرى. ثم يأتي نفس الشعب الذي أطاح بهم ليدفع للآخرين تعويضات على ما فعل هؤلاء به وبهم. هذا إذا لم نضع في الاعتبار أن هؤلاء الآخرون كانوا من الداعمين للمجرمين، ولو بالتغاضي عن إجرامهم؟!. فأي منطق هذا، وأي عدل هذا الذي يقر الظلم؟. الآن لم يفت الأوان لأن تعمل حكومة الثوار على وضع الأمور في نصابها، حتى لا يدفع ثوارها الثمن مضاعفاً. ويمكنها، أو يُفترض منها أن تقوم، بقوة القانون والعدالة والشرعية الثورية، بمصادرة أملاك وأصول كل من كانت له علاقة بالنظام المدحور واستفاد مادياً منه، لأنه، وقبل كل شيء كان نظاماً لا شرعياً. وبالتالي فإن كل فعله هو غير شرعي وملزم، ولا سند قانوني له، ولا تترتب عنه أي استحقاقات. بما في ذلك ما تطالب به الولاياتالمتحدة من تعويضات لأسر أمريكية تضررت من جرائمه. فإذا كان ولا بد من دفع التعويضات، لأن الدعوة مرفوعة على "السودان" الدولة، فلتسدد من المال الذي سرقه هؤلاء المجرمون اللصوص. لا أن يدفعه الشعب الذي لا يجد قوت يومه. وعلى الأقل بخطوتها هذه تكون حكومة الثوار قد حققت نصف العدالة. وهذا خير من أن تقر الظلم المزدوج. و(المال تلتو ولا كتلتو). كلنا ندرك أن الشعب لو أفرغ أفراده كل جيوبهم لن تغطي مبلغ التعويضات، وإذا كان ما تم جمعه حتى الآن لا يتجاوز مئات الملايين فإن فرد واحد من الذين استفادوا من النظام المقبور، وهو الشيخ الأمين جاد لصندوق "القومة" بمبلغ مليار جنيه. إلا أن القيمة الحقيقية للصندوق لم تكن في ما أودعه الناس الفقراء فيه، وإنما كانت قيمته الحقيقية في رمزية الاستجابة الشعبية في الداخل والخارج، والتي أكدت للمتربصين بالثورة ومدنية خيارها كهوية للدولة، أن طريق العودة للوراء مغلق وأمامه ترس يحرسه من أطاحوا بالنظام السابق، وهم من سيطيحون بأحلام من تسَّول لهم نفسهم الأمارة إعادة عقارب الساعة للوراء. فهذا قطار انطلق وسيدهس تحت قضبانه من يقف أمامه. أخيراً أرجو من الإخوة والأخوات في حكومة الثورة الانتقالية أن يسألوا أنفسهم هذا السؤال: إذا كان الشعب البريء من دم ضحايا المدمرة كول، سيدفع ديتهم وهو لا يملك قوت يومه ولا الدواء لمرضاه .. فمن أين سيدفعها؟ والسؤال الأهم من ذلك: من سيعوضه هو عن ضحاياه وهم بالملايين ما بين قتيل ترملت زوجه وتيتم أبناءه، ومشرد، ومهجر، ومعذب، وسجين، ومغتصبة، وعاطل طرد من وظيفته لعدم الولاء، في طول البلاد وعرضها؟؟. من يعوضهم ومن يعوِّض أسرهم؟؟. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.