عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. رفضت المحكمة العليا في الولاياتالمتحدة في نهاية فبراير الماضي، دعوى السودان الرامية لتجنب دفع 3.8 مليار دولار كتعويضات جزائية لأسر ضحايا تفجيرات استهدفت سفارتي الولاياتالمتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998. وهذه الغرامة تمثل جزءا من مبلغ 10.2 مليار دولار صدر في حكم محكمة فيدرالية لمئات المدعين الذين أقاموا عدة دعاوى على حكومة السودان بدأت في عام 2001. وبعد إعلان هذا الرفض أوضح الناطق الرسمي باسم الحكومة السيد فيصل محمد صالح بأن الحكومة ستمضي في ذات النهج الذي اتبعته لمعالجة قضية أسر ضحايا المدمرة الأميركية "كول" للتفاوض مع أسر ضحايا تفجير سفارتي الولاياتالمتحدة للوصول الى مبلغ تعويض مناسب، وسيعمل الممثلون القانونيون لحكومة السودان في قضايا تفجير السفارتين عبر التفاوض للوصول الى تعويض معقول تستطيع الحكومة إيفائه". وأوضح الناطق الرسمي أن حكومة السودان والشعب السوداني غير مسؤولين عن هذه الأحداث، كما ورد في الاتفاق مع أسر ضحايا كول لكنها مضطرة للتعامل مع أمر واقع صدر من محكمة أميركية وأصبح واحداً من شروط رفع العقوبات عن السودان. ووفقا للقانون الدولي يعتبر تصريح وزير الخارجية - وليس الناطق الرسمي باسم الحكومة - التزاما قانونيا يجوّز لأسر الضحايا الحجز المباشر على جميع الاموال المطالب بها وفي اية بقعة من الارض ووفقا لقواعد قانونية في هذا الجانب. (ربما تذكرون تصريح وزير الخارجية مصطفى عثمان - عند وقوع إحدى طائرات سودانير في بورتسودان - عندما صرح بأن سقوط الطائرة كان بسبب الحظر الأمريكي، مما جعل الحصول على قطع الغيار من الشركات الأمريكية متعذرا. اعتبرت شركات التأمين تصريح الوزير إقرارا بمسؤلية سودانير بسبب قطع الغيار!) هكذا يبدو ان الطريق القانونية قد وصلت منتهاها والأمر صار أمر تسوية لتقليل قيمة التعويضات المطلوبة قد ينجح فيها المحامون او لا ينجحون. ولقد ساق محامو السودان حججا لم تقنع المحكمة ولكنها قد تجد أذنا صاغية في مفاوضات التسوية نقرأ منها في أوراق المحكمة أن " السودان دولة فقيرة تمزقها الحرب الأهلية" أو أن " السودان في خضم عملية انتقال تاريخية إلى الديمقراطية التي يقودها مدنيون، وتبعات المسؤولية الجنائية محل التقاضي هنا تقوض فرص التعافي الاقتصادي الذي باتت الخرطوم في أمس الحاجة إليه" كما هو معروف أن التسوية إجراء خارج القضاء ولا تترتب عليها مسؤولية إقرار بمسؤولية جنائية. وهذه المسألة ليست قضية مدنية وجنائية فحسب حيث أن عدد ضحايا التفجرين فاق 220 شخصا، 12 منهم من الأمريكيين وعدد الجرحى فاق الألف وبلغ عدد أصحاب الدعاوى المرفوعة ضد السودان أكثر من 700 شخصا. اشارت أصابع الاتهام ل 18 فردا ممن دبروا العملية او شاركوا في تنفيذها على رأسهم أسامة بن لادن بينهم شخص سوداني واحد ولقد قتلوا جميعهم أو قبض عليهم ويقضون فترات سجن لآماد طويلة في السجون الأمريكية وهذا لا يفيد أسر الضحايا في شيء فقرروا رفع دعوى ضد إيران والسودان على الرغم من أن القانون الدولي لا يبيح للأفراد مقاضاة الدول إلا أنهم استندوا على قانون أمريكي يتعلق بالحصانات الاجنبية يبيح للأفراد مقاضاة الدول إذا كانت مدرجة في القائمة الأمريكية للدول الداعمة للإرهاب ولقد ادرج اسم السودان في تلك القائمة منذ عام 1993. ولم تقطع المحاكم الأمريكية في مختلف درجاتها بمسؤولية مباشرة لحكومة السودان في تنفيذ العملية ولكنها أقرت بأنها متواطئة بدعوى أنها قد قدمت تسهيلات لتنظيم القاعدة وقاعدة مالية ولوجستية مكنته من تنفيذ العملية التي اعترف بمسؤوليته عنها لا سيما وأن السودان كان يأوي زعيم التنظيم بن لادن حتى 1996 وكان له حسابات مصرفية وكان من أكبر المساهمين في بنك الشمال مما يسهل عمليات تمرير الأموال بشكل عادي لمختلف الأغراض إلى جانب إيواء السودان لإسلاميين مصريين وقعوا في أيادي العدالة الأمريكية لتهم متعلقة بالإرهاب كالشيخ عبد الرحمن، ضف إلى ذلك ما اشير عن تورط السودان في عملية اغتيال حسني مبارك وإقامة أممية إسلامية عربية لتصدير الثورة من مركزها في الخرطوم باسم المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي. وعلى كل ليس في القانون الدولي تهمة تسمى "التواطؤ" ولكن القانون الذي حكم هذه القضية ليس هو القانون الدولي وإنما قانون الدولة الباطشة الذي تفصله لرعاية مصالحها وحماية مواطنها.. ربما كان لعدم العدالة في العلاقات الدولية جزءا من هذه القضية ولكن تقاعسا وإهمالا للجوانب القانونية قد وقع من جانب حكومة السودان أدخلنا في هذه الورطة. فلنقرأ معا ما كتبه بعض المحامين الذي كانوا قد كلفوا من جانب حكومة السودان لتمثيل السودان في القضية. كانت الحكومة قد اتفقت مع مكتب محاماة يسمى هنتون اند وليامز في عام 2004 بمقدم اتعاب يبلغ 250 ألف دولار ودفعيات شهرية بلغ مجموعها في شهر سبتمبر 2004 340 ألف دولار ولم تسدد حكومة السودان ما عليها فأرسل لها المحامون رسالة في سبتمبر 2004 معنونة إلى وزير العدل علي محمد عثمان ياسين ذكروا فيها بأنهم لن يستطيعوا الاستمرار في تمثيل حكومة السودان ما لم تدفع ما اتفق عليه وكان المبلغ يزيد قليلا عن نصف مليون دولار. ثم اردفوها بأخرى في ديسمبر يعلنون فيها توقفهم عن تمثيل حكومة السودان نهائيا. وذكر المحامون في تقريرهم عن أنهم قد عبروا عن بالغ قلقهم إلى جانب مسألة المتأخرات لعدم رد حكومة السودان على أسئلتهم عن سير القضية ومسائل متعلقة بمحتوى الدعوى مما جعل استمرارهم في القضية مستحيلا وذكر أحد المحامين انه طلب من حكومة السودان الإفادة بقبولها لانسحابهم من الدفاع عنها وتعيين مكتب آخر ليسلموه ملف القضية، وذكر لاحقا أمام المحكمة في عام 2007 أن الحكومة الأمريكية قد نصحت حكومة السودان بأن من مصلحتها المثول أمام المحكمة للدفاع عن نفسها، ولم تستجب حكومة السودان للنصيحة. وذكر المحامي أن سفارة السودان في واشنطن (كان القائم بالأعمال وقتها هو السفير الخضر هارون) قد أحالت كل طلباتهم واستفساراتهم للخرطوم ولم تتلق جوابا. وذكّر بصعوبة الاتصال بالخرطوم مباشرة لأن المسؤولين السودان لم يكن لديهم بريد إلكتروني معروف وكان الاتصال بالفاكس الذي لا يعمل في معظم الأوقات أو بالهاتف الذي كان يرد عليه موظفون ليسوا مخولين باتخاذ أي قرار وفي نهاية 2007 التحق جزء من المحامين المنسحبين بمكتب آخر عرض خدماته لحكومة السودان حيث كانوا يتواصلون مع وكيل وزارة العدل عبد الدائم زمراوي الذي لم يتلقوا منه ردا. ثم ظل السودان دون تمثيل حتى عام 2015 حيث أعلنت المحكمة بأن سير القضية متعثر لعدم تعاون الأطراف وستعلن الأحكام النهائية. وعندها كلف وزير الخارجية إبراهيم غندور مكتب علاقات عامة في محاولة لتحسين علاقة السودان بأمريكا بمتابعة الأمر. بغض النظر عما سيدفعه السودان في نهاية الأمر، عشرة مليارات او تقل عنها وتأثير ذلك على مسألة الرفع من مازق قائمة الإرهاب فإن الضرر الحقيقي هو فوق ذلك بسبب الفرص الاقتصادية الضائعة، وإشانة السمعة، وتعقيدات الحصار مما يفوق مبلغ المليارات العشرة كثيرا. دفعت ليبيا في تعويضات قضية لوكيربي ما يقل قليلا عن ثلاث مليارات دولار ولكن الخبراء كانوا قد قدروا خسائرها بسبب الحظر الجوي وتبعات القضية بأكثر من 50 مليار دولار. فيا ترى بكم تقدر خسارة السودان؟ أعتقد أن من المهم أن يكوّن وزير العدل لجنة مختصة للغوص في ملابسات ما حدث في هذا الأمر لمعرفة موقع التقصير والإهمال الذي قاد إلى هذه الكارثة للتاريخ لأنه يصعب محاسبة فرد او مسئول واحد عما حدث. أسامة عثمان عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.