يعتبر رفع الدعم احد ادوات برامج التثبيت الاقتصادي التى ابتدعها صندوق النقد الدولى والزم بها الدول الفقيرة مقابل قروضه؛ وهى عدد من السياسات الكلية التى تهدف الى تصحيح الاختلالات الاقتصادية والمالية والنقدية، وتحقيق مستوى معين من الأداء الاقتصادي عن طريق الوصول الى درجة التوازن بين الطلب الكلي والعرض الكلي؛ وذلك باتباع سياسة اقتصادية تعتمد على سياسة السوق الحر؛ وهي برامج يصممها صندوق الدولى كما ذكرنا مستندا الى النظرية النيوكلاسيكية لميزان المدفوعات. ويعاب على برامج التثبيت الاقتصادي انها لا تراعي الاختلافات الهيكلية في اقتصاد كل دولة حيث وضع الصندوق نموذجاً يتضمن عناصر ومفردات تطبق في معظمها على البلدان التي تعاني من خلل في ميزان مدفوعاتها ومن ثم في الجهاز الاقتصادي سواء كان بلدًا متقدما عن آخر، ومرجع هذا الانموذج نموذج جاك بولاك (J. Polak) الذي ينظر الي العلاقة السببية بين إجراءات خلق النقود من جراء التسهيلات الائتمانية من جانب، وعجز الموازنة العامة وميزان المدفوعات من جانب آخر، ايمانا بأن حجم السيولة المحلية دالة لحجم التغير في الائتمان المحلي وصافي الأصول الأجنبية وصافي تدفقات رأس المال. والمشكلة اختلاف البنية الصناعية، المعرفية، القوى العاملة، والظروف السياسية والقيم السلوكية؛ للبلدان التى تلزم بتطبيق هذه البرامج رغم تشابهها في الظروف الاقتصادية المتردية، فليس من المنطقى على سبيل المثال تطبيق برامج التثبيت الاقتصادي على الهند بنفس الطريقة على السودان، فالهند تبلغ صادراتها عالية التقنية حوالى 15,161 بليون دولار عام 2018، بينما السودان كانت صادراته عالية التقنية في عام 2017 حوالى 549,176 دولار، ومصر 72,462 مليون عام 2017. ايضا يدخل ضمن اختلاف ظروف كل بلد معدلات الادخار، معدلات الاستثمار، معدلات التضخم، وحجم مساهمة القطاعات المهمة في الناتج المحلي، مدى الاعتماد على القطاع العام في تقديم الخدمات، بالاضافة الى الظروف الاجتماعية والاقتصادية. إن من اخطر ادوات برامج التثبيت الاقتصادى غير الاخلاقية والتى لا تراعى مطلقا الطبقات الفقيرة والمعدمة؛ الغاء الدعم بكل أشكاله. ونقصد بالدعم قيام الحكومة بتقديم مساعدات مالية غير مباشرة للمواطن من خلال تحملها لجزء من تكلفة السلع والخدمات ومثال ذلك الخبز والمحروقات؛ وقد تكون هذه الاعانات موجهة الى المنتج والمستهلك في آن واحد. مسألة رفع الدعم هي اداة من عدة ادوات تخفف عجز الموازنة العامة للدولة، حيث توجد عدة ادوات أخرى يمكن من خلالها الوصول الى نتيجة معقولة لاستعادة التوازن في الاقتصاد الكلي من خلال السياسات النقدية والمالية وسعر الصرف؛ لكن يبدوا أن الحكومة قفزت الى مسألة الدعم واستبقت بها الادوات الاخرى على اعتبار أنها اسهل الحلول التى لا تحتاج اى جهد من الحكومة، لكن نسيت أو تناست نسبة الفقر في السودان ومعروف ان الدعم موجه في الاساس الى الشرائح الفقيرة والمعدمة، وحسب النظام السابق ان نسبة الفقر حوالى 36,1 % فى عام 2014م وكانت الحكومة عندما كانت في صف المعارضة تقول ان نسبة الفقر فوق ال 80 % . صحيح لا توجد بيانات عن نسبة الفقر في السودان؛ لكن يجمع الخبراء ان نسبة الفقرة عالية، على اعتبار انها ازدادت حالياً في الوقت الذى تُبشرنا الحكومة برفع الدعم، مع الانخفاض المتوالى للجنيه وارتفاع اسعار السلع الاستهلاكية. علماً بأن تقارير المسح الوطني لميزانية الأسرة والفقر(NHBPS) للعام 2014-2015 تقيس نسبة الفقراء باستخدام خطوط الفقر الدولية التي تبلغ 1.90 دولار في اليوم للفقر المدقع و3.2 دولار لليوم للفقر؛ وفي آخر تقرير لمستوى الفقر في السودان عام 2009 قدر نسبة الفقر بحوالى 36.1 % ، وفي تقرير عدم المساواة حول العالم قدرت نسبة الفقراء من خلال خطوط الفقر الدولية التى تبلغ 1.90 دولار للفرد في اليوم للفقر المدقع، و3.2 دولار في اليوم لمعيار الفقر، وبهده المعايير قدر أن 14.9 % من السودانيين في مستوى ادنى من خط الفقر، وعندما تم قياس نسبة الفقر مقابل خطوط الفقر الدولية الأدنى واعتبرت البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى (3.2 دولار و 5.5 دولار للفرد في اليوم) ، وجد أن 40.5 % و 73.2 % على التوالى من السودانيين فقراء اكثرهم في المناطق الريفية. وبالاشارة الى هذه التقديرات وبسعر الدولار الحالى يعتبر من كان دخله اليومى 3,2 دولار اى 38,4 دولار شهريا (5.606 جنيه) في فقر مدقع. من جانب آخر تحدثنا الحكومة عن ان القضية ما هي إلا اعادة توزيع الدعم وهذا كلام ليس فيه درجة من المصداقية، حيث تتحدث عن تخصيص مبالغ تدفع مباشرة لمستحقى الدعم ناسية ان ليس كل سكان السودان من اصحاب الوظائف الحكومية، وان سكان الريف هم الاغلبية، وبحسب تقرير مؤشر الفقر متعدد الابعاد أن نصف الفقراء هم من الاطفال تقل اعمارهم عن 17 عاماً، بالاضافة الى عدد افراد الاسرة واعمارهم، ومشاكلهم الاجتماعية ومنصرفاتهم الشهرية. كما ذكرنا آنفا لا توجد اى دراسات لمؤشر الفقر منذ العام 2009م، فكيف للحكومة اتخاذ قرار هكذا برفع الدعم عن الخبز والمحروقات التى سوف تمس عموم المواطنين دون تقديرات لمستوى الفقر وعدد الفقراء؛ من جانب آخر ليس لدى الحكومة خطط لكيفية الاستفادة من فرق المبالغ المخصصة للدعم، ويقينى انها سوف تدور في في فلك شراء القمح والمحروقات ولن توجه لأى اغراض اخرى مثل التعليم والصحة. ان اشكاليات الاقتصاد السوداني لن تنتهي برفع الدعم، لذلك لا ينبغى اتخاذه كعصى سحرية؛ لكن على الحكومة السعي لزيادة موارد الخزينة العامة من خلال تنشيط الضرائب وزيادة قاعدتها، تقليص الاستثمارات الحكومية والحد من تدخلها في الأمور الاقتصادية، امتصاص السيولة من خلال طرح أدوات بأسعار مجزية لجذب المدخرات، التحكم في الإصدار النقدي، خفض الإنفاق الحكومي. ان برامج التثبيت الاقتصادي يمكن أن تكون ذات نتائج ايجابية، لكن على الحكومة ان لا تجعلها نقمة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.