بحلول يوم 27 مِن الشهر الحالي، مر عامٌ على رحيلِ رمز مِن رموز الصَّحافة الوَطَنِيَّة، وأحد أبرز روادها، الأستاذ الصحفي ألفريد تعبان لوقوني. تُوْفِّي تعبان في العاصمة الأوغندية كمبالا في العام الماضي، عن عمرٍ ناهز إثنين وستين عاماً، بعد صراع طويل ومرير مع المرض. وترك رحيله حينه حزناً عميقاً على جماهير شعبنا بصفة عامة، والصحفيين والإعلاميين بصورة خاصَّة. وُلِدَ ألفريد تعبان لوقوني في العام 1957م في مسقط رأسه كاجوكيجي، ودَرَّس جميع مراحله التَعْلِيمِيّة في جَنُوبِ وشَمَالِ السُّودان. التحق بجامعة الخرطوم في العام 1976م، ودَرَّسَ العُلُوم بكلية المختبرات الطبيّة. وكان رئيساً لاتحاد طلاب منطقة كاجوكيجي بالخرطوم، وكان أيضاً ناشطاً سِّيَاسِياً بالجامعة. لكن ذلك أدخله في معركة مع السُّلطات في الخرطوم مراراً وتكراراً حَتَّى فُصِلَ من الجامعة في نهاية السنة الثالثة بالكلية؛ برغم أنه كان طالباً ممتازاً في مستواه الأكاديمي. هذا بحسب ما سرده هو شخصياً في لقاءٍ تلفزيوني مع الصحفي مدينق نقور أكيج، في فبراير 2017م، واللقاء منشور على موقع اليوتيوب الآن على قناة (دولكو ميديا). بعد فصله مِن جامعة الخرطوم، تلقى ألفريد تعبان دورات تدريبية مع المؤسسات الإعلامية البريطانية في مجال الصَّحَافَة والكِتَابَة الإبداعية، ما أكسبه قدرات ومؤهلات كبيرة. وامتهن تعبان مِهْنَة الصَّحَافة بعد ذلك وعمل محرراً في مجلة (سوداناو) في السبعينات مِن القرن المنصرم، وقد بدأ تدريجياً كمحرر مبتدئ junior reporter، ثُمَّ تم ترقيته إلى درجة محرر أكثر خبرة senior reporter لاحقاً، ثُمَّ عمل بصحيفة (نايل ميرور). وشارك في تغطيات صحفية لا تُحصى في السُّودَان، وسرعان ما تَمَرَسَ وَتَكَيَّفَ مع المهنة، إذ كان يُؤديه واجباته بنشاط وحب للمهنة، فاكتسب خبرة كبيرة في جمع الأخبار وتحريرها وإجراء المقابلات الصحفية، وإجراء الاستقصاءات الصحفية في القضايا التي تهم المجتمع، وكتابة المقالات والأعمدة الصحفية وإدارة الصحيفة، وفق أخلاقيات المهنة الصحفية... إلخ. وبرع ألفريد في مجال الصَّحَافة ولمع نجمه وسط الحقل الصحفي، وأصبح متميزاً كغيره مِن الصحفيين السُّودَانيين. عمل تعبان أيضاً مراسلاً لهيئة الإذاعة البريطانية، وراسل الإذاعة بتطورات ومجريات الأحداث السِّيَاسِيَّة في السُّودَان، مسلطاً الضوء على ما يجري في أوساط السُّودَانيين عموماً، والسُّودَانيين الجنوبيين خصوصاً، وسياسيهم ونَاشِطيهم السِّيَاسِيين، وأحوال النازحين في الشمال السُّودَان، وما مُورِسَ ضدهم مِن سِّياَسَاتٍ عنيفةٍ وانتهاكات جسيمة لحقوقهم كمواطنين من قبل الحكومة، بالاضافة إلى قضية إقليم دارفور. وقد أدخله عمله مع الإذاعة البريطانية في مشكلاتٍ كثيرة مع السُّلطات في الخرطوم، فتعرض للإعتقال والضرب والإهانة وتكذيب مصداقيته الصحفية، ومع ذلك، لم يستسلم أبداً. بعد إنتهاء فترة عمله مع الإذاعة البريطانية، أسيس تعبان صحيفة (الخرطوم مونيتر) في العام 2000م مع نيال بول وألبينو أوكينج وعدداً مِن الصحفيين السُّودَانِيين الجَنُوبِيين، بعد تلقيهم دعماً مالياً مِن منظمتي العون المسيحي والعون الكنسي النرويجي، إلى جانب الأَسْهُم الفردية لِكُلٍّ مِنْهُم، والَّتِي كانت محدودة للغاية. وكانت الصحيفة تصدر عن شركة أفريقيا الكبرى للخدمات الإعلامية Grand African Media Services Company المعروفة اختصاراً ب(GAMSCO) وواصلت الصحيفة الصدور لمدة عشر سنوات رُغْم التَحْدِّيَات حَتَّى تم إيقافها في يناير 2011م، بعد تصويت السُّودَانِيُون الجَنُوبِيُون لصالح الاستقلال في الاستفتاء. وذكر تعبان في اللقاء التلفزيوني المشار إليه أعلاه، أنّ فِكْرَتهم، هو وزملاؤه، وراء تأسيس صحيفة (الخرطوم مونيتر)، كان خلق منبر لِلْسُّودَانيين الجَنُوبيين للتعبير عن آراءهم حول الأزمة السِّيَاسِيَّة السُّودَانِيَّة في فترة الحرب، وتعريف العالم بالحقائق المتعلقة بقضيتهم بأنفسهم. كانت (الخرطوم مونيتر) الصحيفة المستقلة الوحيدة الناطقة باللغة الإنجليزية في السُّودَان حِيْنَئِذٍ، حتى العام 2005م، بعد توقيع اتفاقية السَّلَام الشامل، حين ظهورت صحف انجليزية مثل (سودان فيشون)، (سيتيزن) و(سودان تريبون) في نسختيها: نسخة الأستاذ وليم إيزيكيال الورقية، والنسخة الإلكترونية التي تعمل حتى الآن وتنشر أخبار الدَّوْلَتِين، وصحيفة (ذا أدفوكيت) الَّتِي أسسها الراحل دكتور واني تومبي. كان الشَّارِع العام الجَنُوبِي والسفارات الأجنبية في الخرطوم يتفاعلون مع المواضيع المنشورة في الصحيفة عن "أهوال الحرب وطموحات السلام" في السُّودَان. واشتهرت الصحيفة بِسِّيَاسَتِها الإخبارية والتحريرية المستقلة، ورفضها قبول سِّيَاسَة الرَّقَابِة الَّتِي كانت تنتهجها الحُكُومة السُّودَانِيَّة، لا سِّيْمَا نزع المقالات التي كانت تتناول الأسباب الَّتِي أدَّتْ إلى اندلاع الحرب، الحرب التي كانت لاتزال مستعرة آنذاك مِن صفحات الصحيفة قبل ارسالها إلى المطبعة وأحياناً إلغاء العدد بكاملها، وعملية السَّلَام إلى أن تم إلغاء الترخيص الممنوح لها وتغريمها. وقد تعرض صحفيوها لتهديدات مِن قِبَل الحُكُومة السُّودَانِيَّة، واضطر محررها السابق نيال بول إلى الفرار من البلاد بعد تعذيبه وسجنه عدة مرات وحدوث محاولة دهسه بعربة شاحن كبيرة من طراز (القلاب) في الحاج يوسف. دخل الأستاذ ألفريد تعبان في مشكلاتٍ كثيرة مع جهاز أمن حكومة الجبهة الإسلامية بسبب آرائه ومواقفه السِّيَاسِيّة. تعرض لإعتقالات متكررة تتراوح مدتها ما بين أسبوع وأسبوعين في الاحتجاز، وأمضى في بعض الأحيان شهراً أو شهرين وثلاثة أشهر في المعتقل الخاص بحهاز أمن حُكُومة البشير الإسلامية. وكانت أطول فترات إعتقاله ستة أشهر. وقال تعبان أنه كان أفضل فترة قضاءها في السجن رُغْم طولها، إذ اتاحت له الفرصة ليلتقي بالسِّيَاسِيين الشماليين، الذين تم إعتقالهم وسجنهم في فترة متزامنة مع إعتقاله وسجنه، منهم رئيس حزب الأمة وإمام الأنصار الصادق المهدي وعَرَّاب الحركة الإسلامية الراحل الدكتور حسن الترابي، الذين تبادل معهم الأفكار وخاض معهم حوارات حول السِّيَاسَة السُّودَانِيّة في سجن كوبر، بالإضافة إلى السَّيَاسِيين الجَنُوبِيين، منهم أروب مادوت وجوزيف أوكيل. وقال تعبان في ذلك اللقاء أن أفكاره ومواقفه اتفقت مع معظم الساسة الشماليين الذين إلتقاهم في السجن، وخصوصاً الشيوعيين الذين كانوا يرون أن نظام عمر البشير الإسلامية، لابد أن يتم تغييره لأن سياساته عملت على تمزيق السُّودَان في الجنوب وفي دارفور. وقد سُئِلَ ألفريد ما إذا كان استمراره في العمل الصحفي رُغْم الإعتقالات شجاع منه أم تهور، فأجاب أنه لم يكن تهوراً، مؤكداً أنه كان على علم ودراية بالمخاطر وراء عمله، لكنه كان يرى أن القضية كانت تستحق كُلُّ ما قام به. ومِن أكثر الأشياء الَّتِي أغضبت حكومة الخرطوم مِن الأستاذ ألفريد تعبان، اتهامه لها كَحُكُومة إسلامية متمسكة بالعروبة والإسلام السياسي، بأنها تكره السُّودَانيين الجَنُوبيين لأنهم مسيحيين وأفارقة، الأمر الَّذِي أوقعت الحكومة في مأزق أمام جهات دولية عديدة؛ فكان رد فعلها هو إعتقال تعبان وإخضاعه للتعذيب واجباره على الاعتراف بأنه كاذب وغير صادق فيما يكتب، كمحاولة لتخويفه واحباطه وإخراسه؛ لكن تعبان كان يخرج مِن المعتقل مُتَعْبَاً، وهو أكثر قناعةً بأنه لابد أن يواصل الكتابة عن قضية شعبه الذي كان الحرب تطحنه سنة بعد سنة. وحكى تعبان لمدينق نقور أن أفراد جهاز الأمن والمخابرات الوطني، أخرجوه وأوقفوه مرة خارج المبنى الذي كان محتجزاً فيه، وأُجبروه على الوقوف ووجه نحو الشَّمْس، وأمروه أن يُغني أُغنية. فقال لهم أنه لا يعرف أي أغنية. قالوا له: لدينا أُغنيةً لك وعليك بترديدها، وهي (أنا كذاب .. أنا كذاب .. أنا كذاب). وأجبروه على ترديدها تحت التهديد بالضرب المُبّرَح الَّذِي يمكن أن يسبب له الموت لاحقاً، فاستخدم ذكائه في في تلك الحظة لتخفيف حدة الضربات على نفسه، وقَبِلَ بترديد الأُغنية: (أنا كذاب .. أنا كذاب .. أنا كذاب) وهو واقفٌ في فناء سجن الأمن، ينظر إلى الشَّمْس المتوهجة مِن الصَّبَاح حتى العصر. وقد أثر ذلك على بصره وقدرته على الرؤية بشكل جيد حتى يوم وفاته. تعرفتُ على ألفريد تعبان لوقوني مِن خلال كتاباته في عموده Let us Speak Out وأعجبتُ بما كان يكتبه، إذ كان كله ترجمة لقضيتنا، فأشعل في نفسي وعياً وأثر عليَّ تأثيراً ايجابياً بأفكاره وقلمه. كنتُ تِلْمِيذاً في مدرسته الفكرية والثورية على صفحات الصحيفة. وبعد مرور سبع سنوات وأنا اقرأ (الخرطوم مونيتر) 2000- 2007م، تحولتُ مِن قارئ إلى كاتب في نفس الصحيفة (الخرطوم مونيتر) في أبريل 2007م. ولأنني كنتُ أتردد كثيراً على مباني الصحيفة لتسليم مقالاتي، وأتعرف على الصحفيين والكُتَّاب، عُرِضَ عليَّ فرصة لحضور دورة تدريبية في الصَّحَافة، فقبلتُ العرض. وحضرتُ الدورة الَّتِي نظمته الصحيفة بالتعاون مع السفارة البريطانية بالخرطوم في النادي القبطي، وكنتُ قد حضرتُ دورة أُخرى مع صحفيين وصحفيات من مختلف الصحف في مقر الصحيفة. كان ألفريد يقرأ مقالاتي ويعجب بها، وأنا لا أعلم. ومرة قمتُ بزيارة إلى مكتبه للتعرف عليه. وبعد أن عرفتُ نفسي باسمي، انتابه شعورٌ مختلط بين الفرح والاندهاش. وقال لي مادحاً: "أنا غير مصدق بأنك أنت دينقديت أيوك الذي أطالع مقالاته مِن وقتٍ إلى آخر. كنتُ أظنك شخصاً كبيراً في السن". وأعرب لي عن ارتياحه لرؤيته شاب مثلي في العشرينات يكتب في القضايا الوطنية. وبَشَّرَنِي بأن المستقبل الذي ينتظرني مستقبلٌ باهرٌ، كعادة الكبار في رفع همة وعزم الصغار. ثم شجعني على الاستمرار في الكِتَابة. وقال: "أنتم مَن ستواصلون الصَّحَافة إذا حدث لنا شيء". أعلن ألفريد تعبان انضامه رسمياً للحركة الشعبية في 2007م، وكتب إعلان انضمامه في عموده تحت عنوان (ألفريد تعبان ينضم للحركة الشعبية) Alfred Taban joins SPLM شارحاً لِقُرَّاء صحيفته قناعاته الَّتِي دفعته للانضمام إلى الحركة الشعبية. كان مؤمناً برؤية (السُّودَان الجديد) ومناصراً للحركة الشَّعْبِيَّة لِتَحْرِير السُّودَان. بجرأته وكلمته الرصينة أمام الشَّعْب السُّودَانِي والعالم المتحضر، استطاع ألفريد تعبان خلق التأثير وألهب روح الثورة في النَّاسِ داخلياَ وخارجياً، وإذ اكسبته مواقفه البطولية احترام الجميع (داخلياً وخارجياً)، حصل تعبان على جائزتان: جائزة (أبوت) للانجاز، مِن قِبَل مجلس العموم البريطاني في العام 2005م، وجائزة الصندوق الوطني للديموقراطية مِن الرئيس الأمريكي جورج بوش في العام 2006م مع ستة شخصيات مؤثرين آخرين من دولٍ أفريقية في واشطن، وذلك لدوره في ترقية الديموقراطية والدفاع عن التحول الديموقراطي في السُّودان. في نهاية العام 2009م وبداية 2010م، أعلن ألفريد تعبان عن ترشيح نفسه لمنصب حاكم ولاية الاستوائية الوسطى في الانتخابات التي كانت مزمعة أن تجري في شهر أبريل 2010م عن الحركة الشعبية، وسعى للحصول على مباركة الحركة، لكن المكتب السياسي للحركة رشح كلمنت واني كونقا بدلاً عنه، وأصبحت الفرصة مواتية أمامه ليُنافِس كونقا مرشحاً مستقلاً؛ لكنه رفض ذلك، لأنه كان يُريد مباركة الحزب له ويحظى بترشيح مِن داخل المكتب السياسي للحزب. مِن المؤكد أنه تعرض لخيبة الأمل فيما يتعلق بعدم قبول ترشيحه لنفسه ليكون منافساً للحزب في تلك الانتخابات، لأنه كان عضواً عقد آمالاً عريضة على الحزب في التغيير السِّيَاسِي، وأراد أن يكون جزءً من صانعي التغيير داخل الحركة الشعبية التي دافع عنها بشدة. واصل تعبان العمل الصحفي بعد الاستقلال، وأعاد تسمية صحيفته ب(جوبا مونيتر) وظل رئيساً لمجلس إدارتها وهيئة تحريرها؛ لكن الحركة الشَّعْبِية كسُّلْطة حاكمة في البلاد، خيبت آماله مثلما خيبت آمال الشَّعْب، حين تعرض كثيرين من الصحفيين وكُتَّاب الرأي الشجعان للإعتقالات والضرب والسجون وإلقاء بعضهم على المقابر بين الحياة والموت بعد التعذيب والتنكيل، مثل حالة ذلك الشخص الذي كان مسافراً بين أريحا وأورشليم قديماً، فوقع في كمين اللصوص، فَضُرِبَ وتُرِكَ بين الحياة والموت. وعلاوة على ذلك، اختفاء آخرون في ظروف غامضة. دافع ألفريد تعبان بشدة عن حُرِّيَّة التعبير في جمهوريتنا الجديدة، مثلما كان يفعل في جمهوريتنا القديمة، من موقعه كصحفي بارز ورائد ورئيس لجمعية تطوير الإعلام AMDISS. تعرض لخيبة أمل حين راى نفس السِّيَاسَات التي حاربها بفكره وقلمه في الشمال تتكرر في الدَّوْلَة الجديدة، الدَّوْلَة التي أعتقد أنها ستكون مختلفة وأفضل من سابقتها، في ظل خطاب الحركة الشعبية الخاص بالسُّودَان الجديد الذي اختفى بغياب صاحبه قرنق في تلك الطائرة المشؤومة. بعد معركة القصر الرئاسي في جوبا في يوليو عام 2016م، بين فصيلي الحركة الشَّعْبِيَّة (الحركة الشَّعْبِيَّة الأُم والحركة الشَّعْبِيَّة في المعارضة) بعد توقيع اتفاقية حل النزاع في البلاد، حرر ألفريد تعبان عموداً صحفياً بصحيفة (جوبا مونيتر) حمل فيه الرئيس سلفا كير ميارديت والنائب الأول ريك مشار، مسؤولية ما أسماه "فشلهما في الحفاظ على الأمن ونقل الحرب من الأدغال إلى العاصمة". ودعاهم للتنحي عن السُّلطة فوراً، فتعرض للإعتقال في اليوم التالي مِن قبل السُّلطات الأمنية واحتُجِزَ لمدة (13) يوماً في البيت الأزرق. وفي العام 2017م، شغل تعبان مقعداً برلمانياً عن دائرة منطقته كاجوكيجي، وهو مقعدٌ مِن مقاعد الحركة الشَّعْبِيَّة في المعارضة (جناح تعبان دينق قاي)، وظل عضواً في البرلمان الانتقالي وعضواً في اللجنة القومية المناطة بتوجيهة الإجراءات الخاصة بالحوار الوطني حتى وافته المنية في 27 أبريل العام الماضي. وإذ نكتب عنه اليوم بمرور عام على ذكراه، نكتب عن رَّجُلٍ توهجت شَّمْسُ الحقيقة في نفسه، فقرر دون جبن أن يقولها، وهو في عرين العَرَنْدس. نكتب عن رَّجُلٍ حمل قضية شعبه في روحه ونذر لها العمر كله متحدثاً عنها في كل المنابر، وظل صوتاً شجاعاً أشعل الخرطوم بسلاح الفكر والقلم، قبل أن يدخلها القائد الراحل خليل إبراهيم مع جنوده. إنّ قِصّة ألفريد تعبان، أيها السادة والسيدات، ستبقَ قِصّةَ صحفياً ثورياً ثار بفكره وقلمه وعمل على تحرير الشَّعْب السُّودَانِي، وخصوصاً الجنوب ودارفور وجبال النُّوبة، مِن الظُّلْمِ والتهميش والقمع وجميع الانتهاكات والفظائع، مستخدماً أفكاره وقلمه بنظرة سديدة مثلت آرائه ومواقفه، ودفع ثمناً باهظاً لذلك أمام نظام حاربه في عُقْرِ داره. إن عمله من الداخل كان أخطر بكثير مِن الذين تمردوا وخاضوا الحروب من الأدغال ضد نظامٍ قاده أشخاص مِن ذوي البأس ومصاصي الدماء، وأشرس نظام في التاريخ السِّيَاسِي السُّودَانِي الحديث. رحل ألفريد تعبان وانقضى على رحيله عام صامت، لا يقول عنه شيء، لكنه ظل باقِياً في ذاكرتنا، وسيظل اسمه خالداً في صفحات تاريخنا المجيد. ليرحمه الله بقدر ما قدم لعباده في الأرض من فكرٍ وجهدٍ يعتبر شكلاً من أشكال النضال وإسهاماً في مسيرة الكفاح. دينقديت أيوك الأربعاء 29 أبريل 2020م – القاهرة عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.