الردم لغة هو إهالة التراب أو الحجارة على الشيء بغرض دفنه وتغطيته، وهو يمتُ بصلة قرابة للرجم وإن اختلفا في الطريقة لكن تتشابه محصلتهما النهائية بمقدار، و يُعرف اجتماعيا بكونه فعل يُمارس على شخص أو جهة بغرض عزله و تحجيمه في المجتمع بغض النظر عن استحقاقه لذلك الردم أم لا - مردوم مردوم - ويقوم بذلك الفعل عادة ما يطلق عليهم الجِدَاد - تصحيف لكلمة الدجاج لكنها أبلغ في التعبير لارتباطها مع الدجاج البلدي و هو معروف لمن قاموا بتربيته - و هم أي مجموعة تقوم بتأييد الجهة التي تميل إليها في جميع فعالها و آرائها سواء كانت صائبة أو خاطئة، و من أهم خصائص هذه المجموعات الجِدَادية هو افتراضها أن أي نقد موجه لفعل - وعلينا التشديد على كلمة فعل هذه - يقوم به أحد رموزها هو إساءة شخصية له و لها و للإنسانية جمعاء!! متماهين فيه بحالة وجد لم يبلغ مراقيها الشيخ الأكبر نفسه! في تناسي للفعل الذي توجه إليه ذلك النقد!! مِحَن!! و على رأي جدتي لأمي آمنة بنت مختار عليها شآبيب الرحمة "مارقين للربى والتلاف" لا يختلف الناس كثيرا على أن فترة الإنقاذ كانت من أسوأ الفترات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت على هذا البلد، وأن إجرامهم يحتاج إلى مجلدات لتوثيقه، لكن هذا السوء لا يصلح أن يكون كقميص عثمان يتم رفعه في وجه أي تقصير من حكومتنا الانتقالية التي تكونت بعد ما لا يعلمه إلا الله من مجاهدات وتضحيات، و لاتزال بقاياهم متربصة بنا لمصلحتها الشخصية بل يتواجدون في أعلى مستويات الحكم، وكانت التصريحات الملقاة على عواهن الظنون بدون أي تثبت أو علم مسبق من ممارسات الإنقاذ المقيتة التي تشبعنا منها ثلاثين عاما حسوما من على شاكلة "الهناي ضرب البتاع"، و كنا نتلقى مثل هذه التصريحات بكثير السخرية و الشماتة و الخجل، و ما كان تصريح وزير الصحة بأننا تغلبنا على البشير ونستطيع التغلب على كورونا إلا من شاكلة "الهناي ضرب البتاع"!! لا نشكك في شهادات السيد وزير الصحة و لا خبرته في المجال الصحي فهي كافية لتوليه منصب مدير منظمة الصحة العالمية، لكن ألم يكن أولى أن يُفيدنا بخبرته هذه في تبيان معنى تصريحه السابق أَبُنيَ على علم مسبق أو كتاب منير؟! و هذا التساؤل نجم عن تصريحاته النارية الأخيرة - هي أشبه بتصريحات يوسف عبد الفتاح في بدايات إنقلاب الإنقاذ لمن يذكرها " من أراد أن تثكله أمه ويأتم أولاده فليغلق متجره..." إلى آخر حديثه الممجوج محاولا فيه التشبه بحزم و صرامة وقوة سيدنا عمر في تباعد ما بين الأرض والسماء بينهما - من العقوبات التي ستقع على مخالفي قرارات الحظر، في محاولة لتغطية الخطأ الجسيم والقاتل فعليا الذي ارتكبه - على أصحاب السيارات القديمة و المكعكعة عدم الخوف من قرار مصادرة المركبات فقد ترك الباب مواربا في ذلك الشأن، غالبا مصادرتها أو عدمه سيكون بناء على موديل العربة لأنه لم يوضح معيار للمصادرة أو الحجز - بتصريحه سابق الذكر! فإن كان لا يعرف أننا لا نستطيع مجابهة هذه الجائحة فهذه مصيبة لجهله، وإن كان يعرف أننا لا نستطيع مجابهتها ومع ذلك أدلى بذلك التصريح فهذه أنكى لكذبه، وفي الحالتين فقد خسرنا زمنا ثمينا في الاستعداد لهذه الحرب. طبعا ستكون حُجة الجِدَاد أن السيد الوزير راهن على وعي الشعب، وهي حجة مردودة عليهم فإن هذا الشعب قد مارس درجة عالية من الوعي عندما استخف بالمرض لاستخفاف وزير المرض به!! كمية الشتائم التي تنزلت على المتساهلين بقرارات الحظر و الإجراءات الصحية كان الأولى بالجِدَاد توجيهها نحو الوزير الذي أفتى من رأسه لا من كراسته، ثم ظهر على التلفاز يردد كلمات الاعتذار يستدر بها التعاطف والغفران من ذاكرة جِدَادِهِ الذبابية الذين سارعوا برفعه إلى مقام القديسين وأهل المكاشفة! حتى مدحته الأعراب و الأعاجم و الجن و البهائم و الجبال و الأرض! بدلا من اعتذاره كان الأولى أن يستقيل ويُفتح تحقيقا في المجلس الطبي للتثبت من تصريحه ذلك، فإن يديه ملطخة بالدم، وعلينا تذكيره بأنه من هتافات الثورة "الدم قُصاد الدم ما بنقبل الدية". و بما أن الشيء بالشيء يُذكر كنا نرجو من وزيرنا الفلتة أن يفتح الله عليه بالرد على تساؤلات و بلاغات الأطباء في الوسائط الاجتماعية التي تتعلق بمسائل طبية في غاية الخطورة، من شاكلة عدم استقبال بعض المستشفيات لحالات مرضية غير متعلقة بالكورونا، وعدم توفر سيارات إسعاف، هذا غير الإهانة والضرب لمنتسبي وزارة الصحة، دعك من أكلهم وترحيلهم. لكنه يترك كل تلك المسائل المهمة ويرد على ذو النون في مسألة انصرافية، في ادعاء للشفافية الكاذبة! أما كان الأولى باتخاذ إجراءات قانونية بحقه لإثارته البلبلة في زمن لا يحتمل مثل ذلك؟! لكنه تراخٍ كتراخيه في التحذير من جائحة كورونا!! كنا نرجو أن يرد على أسئلة متخصصي الصحة في بلادي التي تهمنا بأهمية تقديرنا لحيواتنا، لكنه اختار التماهي مع الهتيفة فتعامل معهم بنفس أسلوبهم. من كان يريد سقوط البشير؛ فإن البشير قد سقط، و من كان يبغي بناء ديمقراطية معافاة فإن الطريق صعب و طويل و مرهق. فلنقم إلى ديمقراطيتنا يرحمكم الله. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.