كثيرا ما تعتور الأحزان القلوب ولكن أكثر ما يعتورها ويزيدها ألما فقد الأهل والأصدقاء والأحباب ممن ربطتك بهم في دروب الحياة ومساراتها علاقة حميمة طالت أم قصرت. وكان أكثر ما أحزنني رحيل الأخ المهذب الحي الأديب والدبلوماسي البارع عبدالهادي الصديق في يوم من أيام شهر يونيه عام 2000م. وقد بلغ حزني مداه كون أني يوم رحيله كنت خارج السودان فلم تتعفر قدماي في تشييعه ولم أشهد له عزاءا. ألا رحم الله عبدالهادي وأسكنه فسيح جناته فقد كان أخا كريما مفضالا هميما شجاعا. فقبل أيام وأنا أقلب أوراقي القديمة عثرت على خطاب من الإدارة الأفريقية بوزارة الخارجية السودانية بالرقم وخ/أفريقي/3/5/30 بتاريخ 28/3/1994 ممهورا بتوقيع من أناب عن المرحوم السفير عبدالهادي الصديق مدير الإدارة يومها إنابة عن وكيل أول وزارة الخارجية. كان الخطاب دعوة لشخصي بالمشاركة في أعمال المؤتمر الأفريقي السابع الذي التأم شمله في العاصمة الأوغندية كمبالا في الفترة من 3-8أبريل 1994. كانت الدعوة لي بحكم تخصصي كأستاذ للتاريخ الأفريقي الحديث والمعاصر. أعاد لي ذلك الخطاب ذكري أيام جميلة قضيتها بصحبة الأديب الأريب والدبلوماسي النابه المرحوم عبدالهادي الصديق ونحن نتبادل الأدوار في قاعات المؤتمر صباحا ونتغشي جلسات الأنس والمدارسة مساءا. ولما كان ذلك المؤتمر وما جري فيه من أحداث نقطة فارغة في تاريخ السودان وإرهاصا لما سيتبع من أحداث جسام فقد رأيت أن أشرك القارئ السوداني، ما وسعتني الذاكرة، في سرد أحداثه والدور المحوري الذي لعبه المرحوم عبدالهادي فيه. ما كان لمثلي يومذاك أن يرفض دعوة جاءته على طبق من ذهب . فأهمية المؤتمرات في التعرف على المفكرين والزملاء والاطلاع على جديد المعرفة مما لا يخفي على الفكر والثقافة وناهمي المعرفة، كما أن حركة الجامعة الأفريقية أو الأفريقانية Pan-Africanismكانت من الموضوعات التي كثيرا ما أثارت اهتمامي ودرستها لطلابي بحكم تخصصي في تايخ أفريقيا الحديث والمعاصر . أما الزيارة لأوغندا فقد كانت دوما في البال . فرسالتي للماجستير كتبتها عن المصريين في أوغندا على الرغم من أن قدماي لم تطا أرضها. ومن حسن الصدف أنني في ذلك الوقت كنت أقوم بالإشراف على رسالة دكتوراه عن العلاقات السودانية-الأوغندية لطالبة بجامعة النيلين. كل ذلك إضافة لما كنت أقوم به من تدريس لمقررات في تاريخ أفريقيا الحديث لطلاب الدبلوم والماجستير في معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم وطلاب مركز البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة أفريقيا العالمية ولطلاب تمهيدي الماجستير بجامعتي النيلين وأمدرمان الإسلامية حفزاني لتلبية الدعوة. ومن هنا فما كان لي أن أفوت على نفسي حضور مؤتمر كهذا يجتمع فيه كبار القادة والسياسيين والمفكرين من المهتمين بشؤون أفريقيا ومستقبلها للتعرف على القادة الجدد للحركة الأفريقانية وتلمس مسار خططها المستقبلية. كان مؤتمر الجامعة الأفريقية السابع هو الثاني في سلسلة مؤتمرات حركة الأفريقانية الذي يتم انعقاده في القارة الأم بعد المؤتمر السادس الذي انعقد في مدينة دار السلام، عاصمة جمهورية تنزانيا، في فبراير 1974 . ذلك أن جميع المؤتمرات السابقة والتي انعقدت فيما بين 1900-1945 قد تم عقدها في أرض الشتات ، خارج قارة أفريقيا. وحركة الجامعة الأفريقية التي بدأت كحركة مقاومة للرق واستغلال الإنسان الأفريقي في أرض الشتات هي حركة سياسية فكرية هدفت لتوحيد ذوي الأصول الأفريقية في أرض الشتات وربطهم بالقارة الأم ورفع الوعي لديهم بأهمية التوحد والتنادي لتخليص أنفسهم من قهر الرجل الأبيض مع الدعوة لتحرير الدول الأفريقية من براثن الإمبريالية والاستعمار. وكانت النواة التي أسهمت في ظهور الحركة وعجمت عودها هي الرابطة الأفريقية التي أنشاها الترندادي هنري سلفستر وليامز في سبتمبر من عام 1897. وقد نجح وليامز في عقد أول مؤتمر للرابطة في لندن في يوليو 1900 داعيا لتحرير القارة. لكن الانطلاقة الحقيقة للحركة بدأت على يد كل من المفكر الأمريكي دو بوا الأمريكي الأصل وإدوارد ولمت بلايدن من جزر فرجن والسوداني دوس محمد والجامايكي ماركس قارفي . فقد لكل من دوس محمد علي وكاسلي هيفورد الغاني قصب السبق في اصدار مجلة باسم الحركة حملت أسم التايمز الأفريقية The African Times and Orient Reviw في عام 1912 . لكن رأس الرمح في انطلاقة الحركة كان المفكر والكاتب الأمريكي دي بوا حيث انتهز انعقاد مؤتمر فرساي للصلح بعد الحرب العالمية الأولي ليعقد أول مؤتمر للحركة في باريس في 19-21 فبراير 1919 حيث نادي المؤتمرون بضرورة تحرير الدول الأفريقية ونبذ العنصرية وحسن معاملة ذوي الأصول الأفريقية . أما المؤتمر الثاني في تم انعقاده في كل من لندن وبروكسل في 1921. بينما انعقد المؤتمر الثالث في لندن في عام 1923 ليعقبه المؤتمر الرابع الذي عقد في نيويورك في 1927 بعد أن رفضت السلطات الاستعمارية الفرنسية السماح بعقده في تونس. لكن أهم المؤتمرات كان ولا شك ذلك الذي التأم شمله في مدينة مانشستر البريطانية في عام 1945. مثل مؤتمر مانسشتر نقطة تحول فارقة في مسيرة حركة الأفريقانية كونه أول مؤتمر يحظي بأغلبية أفريقية بعد أن كان جل حضور المؤتمرات السابقة من الولاياتالمتحدة الأمريكية وجزر الكاريبي وفي انتقال الحركة من التنظير للعمل الميداني التطبيقي. فبينما حظي المؤتمر بحضور مقدر من قبل زعماء أفارقة بارزين من أمثال جومو كنياتا الكيني وكوامي نكروما الغاني وأوولو النيجيري فإن ذات القادة سرعان ما عادوا إلى بلادهم ليقودوا حركة النضال والتحرير بعد أن دعا المؤتمر لتبني النضال المسلح طريقا لتحرير القارة من الاستعمار. فكان أن عاد جومو كنياتا إلى كينيا لقود ثورة الماماو وينشئ حزب الاتحاد الأفريقي الذي تمكن به من نيل الاستقلال في عام 1960 بينما عاد نكروما إلى ساحل الذهب (غانا) ليؤسس ميثاق ساحل الذهب ويتوج نضاله بحصول بلاده على الاستقلال في عام 1957. وإذا كان المؤتمر السادس في دارالسلام ، بزعامة نايريري، قد انعقد في وقت كانت معظم دول القارة قد نالت استقلالها وأنفك أسرها من أغلال الاستعمار وتنسمت عبير الحرية قد دعا إلى معارضة العنصرية وإضطهاد الإنسان مهما كان جنسه والمناداة بخلق حركة عالمية للمساواة الإنسانية وتقرير المصير الوطني حيث اطلق نايريري قولته المشهورة " an end to colonialism is not an end to the oppression of man" " إن نهاية الأستعمارلا تعني نهاية اضطهاد الإنسان."، فإن المؤتمر السابع في كمبالا قد أخذ على عاتقه المناداة بتعويض الدول الغربية لأبناء القارة على ما لاقوه على أيديهم من قهر وإذلال وظلم جراء تجارة الرقيق واستعمار بلادهم واستغلال أرضهم. أنعقد المؤتمر الأفريقي السابع في أعقاب قمة زعماء منظمة الوحدة الأفريقية في أبوجا في يونيه 1992 التي كان أبرز قراراتها تبني دعوة الزعيم النيجيري أبيولا بضرورة مطالبة الدول الغربية بدفع تعويضات لأفريقيا جراء ما أقترفته من ظلم واضطهاد في حق الأفارقة ببمارستها لتجارة الرقيق واستعمارها واستيلائها على الأراضي الأفريقية وقهر إنسانها. وقد تمثل ذلك القرار في تكوين لجنة من أثني عشرة من كبار الشخصيات الأفريقية بقيادة الزعيم النيجيري أبيولا لمتابعة موضوع المطالبة بالتعويضات. وكانت حركة التعويضات من بنات أفكار رجل الأعمال النيجيري م.ك.أو. أبيولا الذي دعا لاجتماع في منزله بلاغوس في عام 1991 لمناقشة الأمر متأثرا بنجاح حركة تعويضات الهولوكست التي دفعتها المانيا لليهود وتعويضات أمريكا للهنود الحمر مناديا بأن تقوم الدول الغربية بتعويض الأفارقة أيضا. وهكذا اتاحت حركة التعويضات الفرصة لدعاة العنصرية والهوية الأفريقية لتجيير المؤتمر الأفريقي السابع لصالحهم بتعريف الأفريقانية بأنها عرق ولون لا إنتماءا عاطفيا أو جغرافيا. كان وفد السودان للمؤتمر الأفريقي السابع برئاسة نائب رئيس الجمهورية جورج كنقور حيث ضم في عضويته كل من الدكتور مصطفي عثمان إسماعيل الأمين العام لمجلس الصداقة الشعبية العالمية والبروفسور عبدالرحمن أبوزيد، مدير جامعة أمدرمان الأهلية والسيد أحمد عبدالحليم والدكتور إبراهيم أبوعوف، وكيل وزارة الشؤون الإجتماعية والسفير عبدالهادي الصديق مدير الإدارة الأفريقية بوزارة الخارجية وعدد من ممثلي منظمات العمل الخيري السودانية مما لا تستحضرني أسماؤهم الآن. كان المؤتمر الأفريقي السابع تظاهرة سياسية وفكرية ضخمة ضمت العديد من القادة والمفكرين وممثلي حركات العمل الأفريقي والحركات المعارضة التي كان أبرزها الحركة الشعبية لجنوب السودان بقيادة الدكتور جون قرنق وحركة نداء السودان المعارض بقيادة حزب الأمة. أما المفكرون فقد كان أبرزهم الأكاديمي وعالم السياسة الكيني علي مزروعي. ولقد تناول المؤتمر العديد من الموضوعات لكن أكثرها أهمية وأكثرها حساسية وجدلا كانت هي قضية الهوية الأفريقية التي تري الأفريقانية عنصرا عرقيا لا مكانا جغرافيا وقضية التعويضات من أجل تجارة الرقيق والتي قدم ورقتها الرئيسة البروفسور مزروعي. أثارت قضية التعويضات جدلا كبيرا لمناداة البعض بتضمين الدول العربية قائمة الدول المطالبة بدفع التعويضات بحجة أن المسلمين قد لعبوا دورا في تجارة الرقيق. وكان المؤتمر بالنسبة لي فرصة اجتماعية عظيمة لم تتح لي مثلها قبل . فقد كانت معرفتي بمعظم أعضاء الوفد سطحية بل أن هناك من لم أتشرف بلقائهم أبدا. إذ كانت معرفتي بالسفير عبدالهادي سطحية محصورة في قراءة ما يكتب في المجلات والصحف وفي زيارات متباعدة كنت أقوم بها للإدارة الأفريقية بالخارجية التقيه فيها على عجل دون أن تتعمق معرفتي به كثيرا وكذا كان الحال بالنسبة للبروفسور عبدالرحمن أبوزيد والسفير أحمد عبدالحليم ومصطفي عثمان . أما الدكتور أبوعوف فقد كنت أعرفه منذ أيام الدراسة في أمريكا حيث تعاصرنا هناك مع اختلاف الجامعات التي كنا ندرس فيها لكنا كنا في ولاية واحدة هي كلفورنيا. وكان أكثر الذين لي معرفة بهم هو الأخ محمد عبدالله جارالنبي إذ كان من نفس المدينة التي ولدت فيها وأعرفه عن قرب. لم يكن جارالنبي عضوا بالوفد لكنه قدم خدمة جليلة باستضافته كامل الوفد بمنزله المكون من فيلا وعدد من الشقق . لقد اتاحت لي أيام المؤتمر أن اتعرف على كل من المرحوم عبدالهادي والمرحوم عبدالرحمن أبوزيد وأحمد عبد الحليم عن قرب إذ تشاركنا أربعتنا شقة واحدة حيث كنا نقطع الليالي بعد عودتنا من مداولات المؤتمر في الحديث والذكريات. كما كان المؤتمر فرصة التقيت فيها ببعض أعضاء حركات المعارضة السودانية واستمعت لهم. لقد حدثنا المرحوم أبوزيد عن سنوات عمله في جامعة ماكريري أستاذا للفلسفة بها وعن علاقته بالرئيس موسفيني خلال قيادته لحركة المعارضة الأوغندية ضد ملتون أبوتي وكيف أنه نجح في تهريبه عبر الحدود الكينية بسيارته. أما أحمد عبدالحليم فقد حكي عن سنوات دراسته في حنتوب وكيف اكتسب مقدرته في تلخيص ما يدور في الاجتماعات وكتابة التقارير مرجعا فضل ذلك لأستاذ مادة الأدب الإنجليزي البريطاني الجنسية الذي علمه كيف يقرا الكتب ويلخصها في عبارات جزلة سلسة. أما عبدالهادي والذي كان يشاركني غرفة واحدة فقد سعدت كثيرا بحديثه الشيق عن الأدب السوداني والشعراء وأهل الفن وبدرايته الواسعة بتاريخ أفريقيا ودور السودان في دعم حركة النضال الأفريقي . كانت أياما جميلة بكل ما تحمل الكلمة من معني توثقت فيها عري المعرفة والصداقة التي أمتدت بعد عودتنا إلى الخرطوم. لكن أكثر ما ميز عبدالهادي في تلك الأيام هو أدبه الجم ونشاطه الذي لا يفتر وهمته العالية في مد أعضاء الوفد بكل ما يطلبونه من معلومات. كان خلية نحل لا تهدأ ولا تستريح. وقد ظهرت نفاسة معدنه و عمق فكره وغزارة معلوماته عندما انزلق الوفد السوداني في حرج شديد كاد أن يعصف بسمعة السودان في مهب الريح. ذلك أن السودان قد تعرض إلى هجوم شرس من الدكتور جون قرنق زعيم الحركة الشعبية عند مخاطبته للمؤتمر في اليوم الثاني . فقد شن قرنق هجوما عنيفا على حكومة الأنقاذ وعلى أهل الشمال من السودانيين واصفا إياهم بالجلابة الذين عملوا على استرقاق واضطهاد السودانيين من الأصول الأفريقية مطالبا اياهم بدفع تعويضات جراء ما ارتكبوه من ظلم. كان لخطاب قرنق وقع الصاعقة على الوفد السوداني لما حفل به من تصفيق وتأييد منقطعي النظير من الحضور. ولما كان وفد السودان قد نال فرصته في مخاطبة المؤتمر في جلسته الإفتتاحية من خلال خطاب روتيني باهت القاه رئيس الوفد جورج كنقور فقد أسقط في يده . لم يكن هجوم قرنق نابعا من فراغ وإنما كان تخطيطا محكما نسجت خيوطه بليل وفق خطة دبرت باحكام هدفها الأساسي عزل السودان عن أفريقيا وتبرير تجزئته وتقسيمه. فمؤتمر الأفريقانية السابع قد تم الاعداد له بدقة من قبل مجموعة التحالف من أجل أفريقيا (COALTION FOR AFRICA ) ومجموعة منبر أفريقيا (AFRICA FORUM) الذين أهدوا وثيقة كمبالا تحت إدارة ورعاية مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كوهين. كانت تلك الوثيقة تدعو لنظام دولي جديد لأفريقيا يركز على الديمقراطية وحقوق الإنسان وحل النزاعات والحروب الأهلية عن طريق تقسيم أفريقيا. ومن هنا فقد عمد مؤتمر كمبالا لإحياء فكرة الزنوجة وتكريس فصل أفريقيا العربية المسلمة عن أفريقيا السوداء مما يعني تجريد السودان من صفة الأفريقانية. وقد تجلي ذلك واضحا في الأوراق التي قدمت في المؤتمر إذ كانت الورقة الأولي بعنوان" استرقاق العرب للأفارقة : إضاءات لثلاثة عشره قرنا من استرقاق العرب للأفارقة السود " قدمها النيجيري شنوزيو وهو Chinweizu وهو من غلاة حركة الزنوجة ومعرف بعدائه للعرب والمسلمين. فقد أشار في ورقته لأن معاهدة البقط كانت استرقاقا من العرب للأفارقة النوبيين وأن محمد علي باشا هدف بحملاته لاسترقاق الأفريقيين وأن السود من النوبة من شمال السودان وصعيد مصريعملون خدما في منازل مصر البيضاء . ثم تحدث عن تهميش أبناء الجنوب الذين لا يتولون مناصب في الحكومة السودانية. كل ذلك ليدلل عن أن الشمال السوداني لا ينتمي لأفريقيا السوداء. ومما يدلل على أن هناك تدبير مسبق لاستغلال المؤتمر لصالح المنادين بعزل السودان عن أفريقيا أن الورقة الثانية في المؤتمر، والذي قدمها أوغندي دبلوماسي يعمل بالبعثة الأوغندية لدي منظمة الوحدة الأفريقية ، تحت عنوان " نحو خارطة جديدة لأفريقيا" دعت إلى تقسيم أفريقيا إلى ست جمهوريات جديدة على النحو التالي: 1. جمهورية الصحراء: وتشمل مصر وبلاد المغرب العربي حتي موريتانيا وتضم الجزؤ الشمالي من السودان. 2. جمهورية أفريقيا الوسطي : وتضم كلا من يوغندا، كينيا، زائير، تشاد، الكمرون،الكونغو ، أفريقيا الوسطي والجزء الجنوبي من السودان 3. جمهورية سنغامبيريا : وتضم دول الحزام السوداني من السنغال إلى نيجيريا مع استبعاد السودان 4. جمهورية أريثوميا: وتشمل دول القرن الأفريقي: أثيوبيا، أرتريا، الصومال وجيبوتي. 5. الجمهورية السواحيلية: وتضم الدول الناطقة باللغة السواحيلية مثل تنزانيا 6. جمهورية موزامبيا: وتضم كل دول الجنوب الأفريقي. لقد كان واضحا من خلال هذه الخارطة السياسية الجديدة لأفريقيا استهداف السودان إذ كان الدولة الأفريقية الوحيدة التي اقترح تقسيمها. وهكذا فقد عمل دعاة العنصرية الأفريقية بذكاء لاستغلال مؤتمر الأفريقانية السابع في الترويج لفكرة تقسيم السودان وهو ما كان بينا في خطاب جون قرنق والأوراق التي قدمت في المؤتمر والدعوة لتعويضات الرق وتجارة الرقيق. والجديربالذكر أن ذلك المؤتمر قد سبق صراع محموم بين دعاة العنصرية والمناهضين لها حيث دعا البعض لعدم دعوة الدول العربية الأفريقية للمؤتمر بحجة عدم انتمائها لأفريقيا السوداء. لقد كان واضحا لكل صاحب بصيرة أن ذلك المؤتمر كان اللبنة التي خططت لبلقنة أفريقيا وقننت لفصل جنوب السودان عن شماله وأن ذلك التقسيم لم يكن إلا مسألة وقت. ومن هنا فقد كان بيناً أن فصل جنوب السودان عن شماله في عام 2011 قد سبقه تخطيط محكم مثل المؤتمر الأفريقي السابع إحدي حلقاته . ذلك ما أدركه وفد السودان الذي وجد نفسه أمام موقف لا يحسد عليه. وهنا كان عبدالهادي حصان طروادة الذي أنقذ السودان . فبينما كان أعضاء الوفد يضعون أكفهم على خدودهم حياري يضربون أخماسا على أسداس لا يدرون كيف يردون الاعتبار لبلادهم بعد الهجوم الممنهج الذي قاده قرنق وزمرته من دعاة حركة الزنوجة إذا بالفتي الأسمر المتين يقدح ذهنه الوقاد بفكرة نيرة نالت استحسان الجميع. ففي اجتماع عقد في دار السفارة بكمبالا مساء ذلك اليوم بحضرة السفير السوداني لتدارس كيفية الرد على خطاب قرنق ومناصريه اقترح عبدالهادي تكوين لجنة مصغرة لإعداد رد قوي يبرز الدور الحضاري للسودان منذ عهد كوش ويعدد دوره في دعم حركة النضال والتحرر الأفريقي ويفند ما جاء في خطاب في قرنق ورصفائه. ومن ثم تم تكوين لجنة من بروفسور عبدالرحمن أبوزيد وأحمد عبدالحليم والسفير عبدالهادي وشخصي الضعيف ( ذات المجموعة التي كانت تتشارك السكن) لإعداد الخطاب الذي تقرر أن يلقيه بروفسور عبدالرحمن أبوزيد. كانت ليلة من أصعب الليالي جلسنا فيها حتي شروق شمس اليوم التالي نحك الرؤوس وننحت المعلومات ونسابق الزمن معددين إسهام السودان الحضاري كأصل من أصول الحضارة الأفريقية ودور كوش السياسي والاقتصادي والثقافي في رفد القارة بصناعة الحديد والنظام الملكي وتولية المرأة الحكم واندياح نظمها وأفكارها عبر أفريقيا حتي الجنوب الأفريقي، وكيف علم السودان أفريقيا النضال الثوري من خلال الثورة المهدية والحركة الوطنية وكيف قام أبناؤه من أمثال فلكس دارفور ودوس محمد على برفد الحركة الأفريقانية بأفكارهم وجهدهم علاوة على ما قدمه السودان من دعم لحركات التحرر الأفريقي في جنوب أفريقيا وموزمبيق وزامبيا وزمبابوي وأنجولا وغيرها مما شهد عليه مانديلا وسامورا ميشيل وأضرابهم. في كل ذلك لعب عبدالهادي الرائد الذي يكذب أهله ينافح عنهم منافحة القوي الأمين. ولما كان وفد السودان قد نجح في الحصول على فرصة لمخاطبة الجلسة الختامية للمؤتمر فقد كان لنصاعة البيان وقوة الحجة وجدة المعلومات وسلاسة اللغة التي القي بها المرحوم بروفسور عبدالرحمن أبوزيد خطابه أثر كبير في قلب الطاولة واستحسان الحضور لما جاء فيه مما كان له أثره في إعلان كمبالا. ولما كان أحمد عبدالحليم عضوا في لجنة صياغة البيان الختامي فقد وجدت مشاركة السودان ودوره الثناء والتقدير حيث دعا البيان إلى مواجهة مخططات الاستعماريين الذين يعملون على استغلال قيم التنوع الثقافي والعرقي في أفريقيا لاثارة النعرات القبلية والدينية بما يؤدي لتفتيت القارة وتجزيتها كما يحدث في أنجولا والسودان. إضافة إلى دعوته إلى اتباع سياسات الاعتماد على النفس والاستفادة من ثورة الاتصالات والمعلومات في تعزيز وترسيخ الوحدة الأفريقية. لم يكتف عبدالهادي بذلك بل عكف عقب عودته إلى الخرطوم في إعداد دراسة من أعمق وأشمل الدراسات عن دور السودان في دعم حركة الأفريقانية صدرت في كتاب قام بنشره مركز الدراسات الاستراتيجية السوداني في يناير 1997 بعنوان " السودان والأفريقانية " . ليس هذا مجال الحديث عن تلك الدراسة لكنها شتملت على ذات القضايا التي تناولها خطاب السودان الذي القاه بروفسور أبوزيد في ختام جلسات مؤتمر الأفريقانية السابع بإسهاب وتحليل رائع يدلل على عمق الفكر وغزارة المعلومات. كل ذلك كان من ورائه السفير الإنسان والأديب رقيق المشاعر والوطني الغيور عبدالهادي الصديق وإخوته من الوطنيين الذين على الرغم من اختلافهم فكريا مع الحكومة القائمة يومئذ إلا إنهم إنما كانوا يدافعون عن السودان وطنا لا حكومة.. ألا رحم الله عبدالهادي الصديق وعطر قبره بأريج المغفرة والرحمة وأسكنه فسيح جناته وأسكن إخوته ممن بذلوا الجهد وحسن البلاء المرحومين عبدالرحمن أبوزيد وأحمد عبدالحليم جنات الفردوس مع الصديقين والشهداء. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.