أثناء عملي بسفارة السودان في كمبالا يوغندا، تعرفت وتعاملت مع عدد كبير من اليوغنديين بمختلف إثنياتهم ومناطقهم وتوجهاتهم، مما أثرى معرفتي و فتح لي الباب أمام فهم أوسع ليوغندا، الدولة و المجتمع و تأثيرها على محيطها و الذي هو محل إهتمام البعثة الدبلوماسية. في إنتخابات 2001م ترشح السيد اقري أووري لرئاسة الجمهورية، قبلها كان مديرا للتلفزيون اليوغندي، جمعتني به الصدف و تعارفنا، كان مهتما بمعرفة حقيقية لما يجري في جنوب السودان، الحرب و اسبابها و نتائجها و مستقبل السودان و مستقبل الإقليم عموما. تطورت العلاقة العابرة لإستلطاف متبادل، فالرجل عليم بخفايا ما يدور في بلاده و توجهاتها، وهو محدث لطيف و فكه يصنع الطرفة و يتبسم ويضحك للطرفة و المزحة. في مرة التقينا على غداء دعاني له في محاولة لبحث مجالات عمل استثماري في السودان، أثناء جلوسنا معا تلقيت مكالمة هاتفية من نيروبي، تتعلق بترتيبات سفري لنيروبي خلال يوم الغد، انهيت المكالمة وواصلت حديثي مع السيد أقري. انهينا حديثنا ووجبتنا ففاجأني بقوله، لم أتلصص عليك و لكني سمعت أنك بصدد السفر الى نيروبي، هناك شخص ارجو أن تزوره، ساكلمه عنك، واعطاني كرت زيارة خاصته و سجل على قفاه رقما للإتصال به في نيروبي. أقصى ما فكرت فيه أن يكون الرجل صديقا أو زميل دراسة أو ربما سفير يوغندا في نيروبي. سافرت و أنجزت مهامي، أخرجت الكرت وأتصلت بالرقم، جاءني صوت ودود مرحبا، عرفت نفسي و أني من طرف السيد أقري أووري في كمبالا، زادت مودته مرحبا قائلا إنه ينتظرنا مع مغيب شمس اليوم إن لم يكن لدي مانع، أكدت ان ليس لدي مانع، سألني عن مكان إقامتي، أوضحت له أني أقيم في ويست لاند، قال يلزمك نصف ساعة لتصل مقر إقامتي، عندما تتحرك إتصل بي لأدلك على الطريق. أكملت جاهزيتي للزيارة الموعودة و اجريت اتصالي لمعرفة الطريق، بعد نصف ساعة و صلنا العنوان، لفت نظري مجموعة من سائقي الدراجات البخارية يتحركون ببطء، رجلان يحملان أجهزة ووكي طوكي يقفان عند ناصيتين متباعدتين، كشك من الحديد قريبا من البوابة، و سلك لاقط و طبق فضائي ضخم فوق المبنى، انتابتني قشعريرة، و لكني مضيت، عند اقترابي من الباب، انفتح الباب و الفيت نفسي في باحة واسعة تحيط بها الخضرة و رجل في زي بسيط يبسط يده مرحبا، بسطت يدي مسلما ، أمسك بيدي و هو يدعوني للدخول، عرفته بنفسي، دخلنا صالونا واسعا و جلسنا، عرفني بنفسه، أوودي أووري نائب الرئيس جمهورية كينيا، كدت أقفز من مقعدي، إذن أنا في بيت الرجل الثاني في دولة كينيا. الرجل قال إنه دعاني في هذا الوقت لأنه الوقت الذي يتفرغ فيه من أعباء المنصب و حتى أشاركه وجبة العشاء إن رغبت في ذلك، أبديت موافقتي، خرجنا للحديقة، جاءونا بالعصير و الماء، و جاء طاه بشواية متنقلة تعمل بالفحم، و كمية من لحوم الغنم و النعام، السيد أووري لفت نظري أنه مثلنا لا يأكل الخنزير ولا يشرب الخمر الأوربي، جاءونا بالعصيدة و الإدام و اللحم المشوي. قال السيد أووري، نائب الرئيس الكيني، أن والده يقيم في قرية نقع قرب الحدود الكينية اليوغنية و متزوج من عدد من النساء يقمن معه في ذات القرية، و تتوزع المهام بينهن و بين ابنائه مجتمعين، قبيل استقلال يوغندا و كينيا، جاء الخبراء الإنجليز لترسيم الحدود بين البلدين الذين كانا تحت الإستعمار البريطاني، في ذلك اليوم ذهب هو بالماعز للمرعى و بقي أخوه أقري في البيت مع أمه، ترسيم الحدود وضع المرعى ومن فيه في دولة كينيا، و القرية ومن فيها في دولة يوغندا، أخوان في بيت واحد يحملان جنسيتين مختلفتين، واصلا تعليمهما كل في بلده الذي إختاره له المستعمر، مودي أصبح نائبا للرئيس في كينيا و أقرى ترشح لمنصب الرئيس في يوغندا. تعجبت وقلت كيف يكون الحال إذا فاز أقري بالرئاسة في يوغندا؟ أعرف أن الإنجليز قد رتبوا للعائلة الهاشمية الطريدة من مكة الجلوس على عرشي دولة العراق و دولة الأردن عوضا عن جاهها المسلوب. وأن الأقدار قد ساقت السيد ريت شول جوك ليكون حاكما لإقليم أعالي النيل في السودان وفي نفس الوقت يجلس شقيقه ماك شول في مقعد حاكم إقليم قامبيلا الإثيوبي. وأن ذات المقادير قد حملت السيد تونقييك حاكما لإقليم أعالي النيل بينما شقيقه تيموثي سفيرا لإثيوبيا في غانا و في كينيا. ولكن الأغرب هو جلوس ثلاثة من أبناء سلطان العفر كل في مقعد سفير بلاده لدى الأممالمتحدة ممثلين لثلاث دول متجاورة في وقت واحد. دنيا عجيبة عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.