اتشحت الأسافير بالسواد، أصبحت مطالعتها محفوفةٌ بالمكاره، الموت حقٌ، لكن فراق الأحبة يدمي القلوب، لا يكاد يخلو حساب هنا أو هناك من أخبار الموت المتواترة، ولا تكاد تشفى جراحٌ حتى تعقبها أخرى، صار الموت فوق الأكتاف وعلى أسنة الأقلام، فمن نَعْيِ قريبٍ إلى وداع جارٍ أو صديق تتقلب فينا صفحات المنون هذه الأيام بوتيرةٍ لم نعهدها من قبل، أرقام يشتد تصاعدها بشكل غريب. إجتمعت على السودان جائحة الكورونا وضعف إمكانات المشافي وقلة حيلة النطاسين فتمددت المقابر، صار الموت أمراً يومياً كثيفاً، يقطف ويتخير فنبكي فراق من زينوا حياتنا وصنعوا الأفراح، ثم نبكيهم مرةً أخرى في فراق أحبة أحبائنا، فجروح الموت تبقى ناكئة لآلام الفراق الموجعة كلما نعى ناعي بفاجعةٍ جديدة، وما أكثرها حالياً. تساقطت بواسق الأشجار فينا فاشتد علينا الهجير، فغياب الكبار يشج الجبين، هم مراجع الحكمة والرأي السديد، وهم الصدور التي إليها نلوذ حينما تقسو علينا الحياة فنستمد منها إكسير الصمود، تجتمع عندهم القلوب وتقوى الصلات ويزيد الترابط، ويشيع الصلح بين الخصوم وتُرتَق الفتوق، هم الأشجار الظليلة بفيئها وروحها تسكب فينا السكينة، وبحكمتها تقينا من مزالق أنفسنا. لكن بروق الموت لم تقف حتى قصفت فسائلاً إمتدت آفاق المستقبل أمامها مثل سرابٍ لا يُدرك، ثم على عجل أبحرت سفن الفراق، منهم الطبيب الباحث عن دواءٍ ناجعٍ لمرضاه فأصابه الداء في مقتل، ومنهم الأخ الذي يستند عليه أخواته كمرق السقوف، لكنه انثنى (واتشتت الرصاص)، غراسٌ ما إكتمل نضجُها لكن أيامها إكتملت، فعلا صوت النوائح باكياتٍ على غضِّ الشباب. ما عاد الموت يثوي من نظن دنو فراقه فحسب، بل صار ينتقي أنضر الأزهار كما ينتقي من باسقات الشجر أبهاها، تكرر صدع الردى فهيض القلوب ووجب الصبر ،،، وختامه أن أحسن الله العزاء. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.