ماذا قالت قيادة "الفرقة ال3 مشاة" – شندي بعد حادثة المسيرات؟    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    المريخ يتدرب بجدية وعبد اللطيف يركز على الجوانب البدنية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالفيديو.. حسناوات سودانيات بقيادة الفنانة "مونيكا" يقدمن فواصل من الرقص المثير خلال حفل بالقاهرة والجمهور يتغزل: (العسل اتكشح في الصالة)    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السد الإثيوبي وأثره على سَّلَامة مواطني المنطقة في مصر .. بقلم: دينقديت أيوك
نشر في سودانيل يوم 04 - 07 - 2020

مِن المؤكد أنّ كُلُّ مَن يهمه القضايا الإقليمية، يُتَابِعُ هذه الأيَّام مسألة قَضِيَّة سد النهضة الَّذِي تبنيه دَّوْلَة إثيوبيا، والَّذِي اعترضت مِصر على بنائه منذ 2013م، إذ تعتبر مصر أن بناء السد، سيلحق بأمنها المائي بالضرر. وردت إثيوبيا مراراً وتكراراً أن السد لأغراض التنمية ولن يضر بأهل مصر .. لكن مصر لاتزال قلقة ولا تبدو مطمئنة رغم التطمينات الإثيوبية المتكررة.
وقد ظلت هذه القَضِيَّة قَضِيَّة شاغلة لمصر وإثيوبيا والمنطقة والعالم خلال الفترة الماضية حتى الآن. وقد أخذت مِن الدبلوماسية قسطاً لا بأس به ولا تزال، وشهدنا الحراك الدبلوماسي المصري في منطقة حوض النيل مؤخراً، وهو حراك قصدت منه مصر حشد دول المنطقة للوقوف إلى جانبها وكسب دعمها الدبلوماسي، آخرها المفاوضات الإثيوبية المصرية التي استضافتها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي لم تكلل بالنجاح.
وقد وصلت القَضِيَّة إلى أروقة مجلس الأمن الدولي، وبحسب صحيفة مصراوي الصادرة بتاريخ 22/06/2020م، كان وزير الخارجية المصري سامح شكري قد قال "في حوار مع وكالة أسوشيتيد برس الإخبارية، إنه إذا لم ينجح مجلس الأمن في إيقاف مساعي إثيوبيا لبدء ملء سد النهضة قبل التفاوض والتوصل لقواعد للملء والتشغيل" سوف نجد أنفسنا في موقف يتعين التعامل معه، وسوف تكون مصر صريحة وواضحة للغاية في الإجراء الذي ستتخذه".
ومضت صحيفة مصراوي في قولها: "أكد وزير الخارجية أنّ الحكومة المصرية لم تهدد بأي عملٍ عسكري وسعت لحل سياسي، وعملت على إقناع الشَّعْب المصري بأن إثيوبيا لها الحق في إنشاء السد لأهدافها التنموية". وكان المسؤولون الإثيوبيون قد أعلنوا في وقتٍ سابق، أن مصر قبلت بالحل السياسي، في إشارةٍ واضحة لاستبعاد إتخاذ الخيار العسكري حلاً لهذه القضية، كما ظل يطرحه كثيرٌ من الخبراء المصريون وكثيرٌ من مراكز الدراسات المصرية المتخصصة في مياه النيل، والتي اتهمت إثيوبيا كثيراً بإستغلال فترة إنشغال مصر بثورة 25 يناير عام 2011م لبدء إنشاء السد.. (ندوة مركز الحوار في الصيف 2014م).
ما علاقة السُّودَان الجَنُوبِي بسد النهضة؟
هذا سؤال مهم، ويأتِ أهميته مِن الناحية الإستراتيجية لا سيما الأمنية. هل لدينا نحن السُّودَانيين الجنوبيين علاقة بسد النهضة الإثيوبي؟ قبل أن نوضح، دعونا نتناول التطورات الأخيرة بغرض ربطها بهذا الموضوع. تحدثت وسائل إعلام مصرية عن موافقة دولتنا على طلب مصري لبناء قاعدة عسكرية في منطقة مايوت في تقارير صحيفة، وفي منطقة فقاك في تقارير أُخرى. بعض تلك التقارير مقروءة وبعضها مسموعة والفيديوهات موجودة على كثير من منصات التواصل الاجتماعي.. (تقرير قناة روسية اليوم الفضائية 03/06/2020م).
وإنتشرت تلك التقارير بسرعة ضوئية في عصر السرعة، إلا أن وزارة الخارجية والتعاون الدولي أصدرت بياناً بتاريخ 3/06/2020م نفت فيه الأخبار التي تم تداولها بأن الحكومة وافقت على الطلب المصري لبناء قاعدة عسكرية في المناطق الحدودية القريبة من إثيوبيا لتسديد ضربةٍ عسكرية على السد الإثيوبي مِن قريب، واعتبرت الوزارة ما تم تداوله مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة، وأكدت في بيانها أن إثيوبيا ومصر صديقان مقربان لبلادنا. وفي ردِ فعل مماثل، قال سفير بلادنا في إثيوبيا جيمس مرجان أن جوبا لن تسمح لأي قوى خارجية باستخدام أراضيها لشن هجوم على إثيوبيا.
واقعياً، ليس لدينا كسُّودَان الجَنُوبِي علاقة بسد النهضة الإثيوبي، لأن بناء السد شأن داخلي لدولة إثيوبيا ومشروع ضمن المشروعات التنموية التي تنفذها الحكومة الإثيوبية داخل أراضيها وحدود سيادتها، ومن حقها أن تفعل ذلك كما قال سامح شكري وزير الخارجية المصرية، وإثيوبيا دولة تجمعنا بها تاريخ طويل منذ زمنٍ بعيد، وقد شهدت أراضيها في السبعينات توقيع أول اتفاق سياسي بين حركة تحرير الأولى بقيادة جوزيف لاقو والحُكُومة السُّودَانِيَّة بقيادة جعفر محمد نميري، وقد وقفت إثيوبيا إلى جانبنا إبان حرب التحرير الأخيرة، حين فتح الرئيس الأسبق مانغيستو هايلي ماريام، وهو مقيمٌ في العاصمة الزيمبابوية هاراري حالياً، أبواب بلاده واستقبل جون قرنق وقيادات الثورة ومنحهم الأراضي الغربية من دولته لتدريب كتائب الجيش الشعبي لتحرير السُّودَان، حيث تخرج من تلك الميادين كتائب كثيرة ساهمت في مشروع التحرير والاستقلال، وهي حسنةٌ لم نردها حتى الآن، ولو بتكريم مانغيستو هايلي ماريام كمساهم رئيسي في قيام دولتنا.
أما مصر، فهي أيضاً دولة تجمعنا بها تاريخ طويل وهو تاريخ وادي النيل ومصالح استراتيجية، وقد قَدَّمَت لنا ما استطاعت من مساعدات مثل المنح الدراسية في سبعينات القرن المنصرم حتى الآن، رغم موقفها الداعم للخرطوم من خلف الكواليس طوال فترة حربنا الأولى (1955 – 1972م) والثانية (1983 – 2005م) ضد الخرطوم.
والتاريخ يشهد أن نصف المسؤولين الحُكُوميين في بلادنا خريجي الجامعات المصرية، وهذه جميلة مصر تجاهنا. ومن الملاحظ أن مصر كثفت تقديم مساعداتها لنا مؤخراً، في أعقاب تفشي جائحة الكورونا، وراينا طائرات مصرية محملة بمساعدات تحط رحالها في مطار جوبا الدولي، وهذا عمل جميل يستحق الإشادة والتقدير وثناء مصر عليه. بالإضافة إلى هذا، هناك علاقات دبلوماسية وطيدة تجمع البلدين، وقد زار الرئيس سلفا كير ميارديت القاهرة لأكثر من أربع مرات، وتم توقيع كثير من الاتفاقيات التعاونية بين البلدين.
كل هذه بإختصار، علاقات تجمع بلادنا بالدولتين: إثيوبيا ومصر. الموقف الرسمي لدولتنا في قضية سد النهضة بحسب البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية هو التعامل مع الدولتين (مصر وإثيوبيا) كأصدقاء والحياد والتوصل إلى حل سياسي سلمي يضمن السلم والأمن الدوليين بين المصريين والإثيوبيين.
أما قضية التقارير التي تحدثت عن موافقة الحُكُومة على الطلب المصري لبناء قاعدة عسكرية مصرية شرقي البلاد لضرب السد من قريب، فهو موضوعٌ مُثِيرٌ للجدل رغم أن الحُكُومة نفت الأمر عبر وزارة الخارجية. لكن هنالك مثلاً يقول "لا يوجد دخان من غير نار"، وبهذا نود أن نقول أن التقارير التي تحدثت عن بناء قاعدة عسكرية مصرية على تراب أرضينا، لم تأتِ من فراغ، واستبعد أن تكون مجرد شائعات كما قالت الخارجية، لأننا لابد أن نعرف المصدر الدقيق الذي خرج منه تلك المعلومات في المقام الأول، قبل التسرع لنفيها؛ لأن النفي وحده لا يُزيل الغبار الذي أثارتها تلك التقارير لدى الرأي العام الواضح في منصات التواصل الاجتماعي. يبدو أن الحُكُومة في جوبا تقوم بشيءٍ في الخفاء وتقول شيئاً آخر في العلن؛ وحين تبرز ما تقوم به في الخفاء إلى العلن بفعل التسريب، تُسارع إلى نفيه وتكذيبه بالبيانات أمام كاميرات وسائل الإعلام، فقط لتمضي الأيام وتعودُ تلك الشائعات مؤكدةً ما تم نفيه في وقتٍ سابق..! هذه سياسة حربائية خطيرة.
واقعياً، هناك معلومات يمكن أن تؤكد ذلك لأن العلاقات بين مصر وبلادنا أصبحت عميقة لدرجة شملت المسائل الأمنية، وهناك معلومات مسربة تقول أن بلادنا حصلت على السلاح من مصر حين فرض مجلس الأمن الدولي قرار حظر السلاح على الحُكُومة في يوليو 2017م وفي 2018م أيضاً في وقت كانت تخوض حرباً ضد منشقيها بقيادة ريك مشار وجماعات متمردة أُخرى في البلاد .. (رويترز 13/07/2017م) وقبل أن يصدر مجلس الأمن الدولي قراره، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية نفس القرار على الحُكُومة في الثاني من شهر فبراير 2017م...(صحيفة نيويورك تايمز 02/02/2017م). كما تفيد نفس المعلومات أن مصر تقوم بتدريب الجيش الوطني، قُوَات الدِّفَاع الشَّعْبِيَّة السُّودَانِيَّة الجَنُوبِيَّة (SSPDF)، وقد إنتشرت في صحف إلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي خلال الأسبوعين الماضيين صوراً لأفراد الجيش مع أفراد من الجيش المصري.
الجَلِّي في هذا الأمر هو أن مصر تبحث عن حلفاء لها في المنطقة تكون قريبة لإثيوبيا جغرافياً، وسعت لإستغلال علاقاتها الدبلوماسية مع الحُكُومة لإيجاد أرضية تبنيها كقاعدة عسكرية لشن الحرب ضد إثيوبيا من داخل أراضينا. ومصر الآن تستغل علاقاتها مع الحُكُومة ككرت رابح تُرِيدُ استخدامها وتوظيفها في إستغلال أراضينا لشن الهجوم على إثيوبيا. تمعنوا معي في قرب منطقة (مايوت) أو (فقاك) للسد الإثيوبي. ومصر الآن تمسك الحُكُومة في الجرح! ويبدو أن الحُكُومة في مأزق وورطة وارتباك الحسابات وتحاول تصحيحها بالنفي لتؤكد حسن النية تجاه إثيوبيا وإظهار فلسفة الدبلوماسية المحايدة.
أثر سد النهضة على سَّلَامة مواطني المنقطة المقيمين في مصر
واضحٌ أن العلاقات بين إثيوبيا ومصر تتعقد بسبب بناء السد. وقد مضى على توتر العلاقات بين الدولتين أكثر من سبع سنوات الآن. كنتُ موجوداً في مصر في العام 2013م، حين ظهرت قضية بناء سد النهضة في وسائل الإعلام المصرية، وكان كلما اشتريتُ صحيفة مصرية لاقرأها؛ شعرتُ حينها أن حرب مياه نهر النيل ضيفٌ لابد أن تستقبله منطقتنا عاجلاً آجلا. وقد أدى وقتها تناول وسائل الإعلام المصرية هذا الموضوع إلى شحن المواطنين المصريين بصورة سلبية.
وكان أي مواطن مصري يسأل أي سُّودَانِي (جنوبياً أو شمالياً) وأي مواطن إريتري ونيجيري وصومالي وكيني ومواطنين من دول أفريقية أُخرى مثل جزر القمر والتشاد وغيرها المتواجدين في القاهرة، عن موقفهم في قضية سد النهضة. وبعد طرح السؤال، يتوقع المواطن المصري أن تكون الاجابة داعمة لموقف بلاده؛ وإذا أتت خلافاً لتوقعه، ينهال عليه بالسب واللعنة في عنف لفظي رهيب، وأحيانا بإعلان طرده من مصر. وكثيراً ما سألني سائقو التكاسي الذين ركبتُ معهم في مشاويري عن رأيي في قضية سد النهضة، وكثيراً ما فضلتُ الامتناع عن الحديث عن السد الإثيوبي. وأحياناً كنتُ أقول لهم: "أنا مواطن سُّودَانِي جَنُوبِي. ليس لدينا علاقة بالسد الإثيوبي، لأن النيل الأزرق لا يمر بأراضينا"، أو أقول لهم: "لو سمح حضرتك، مش عايز أتكلم في سياسة"، تجنباً للحرج بالنسبة لي وبالنسبة للمواطن المصري حتى سكنت قضية السد فترةً مِن الزَّمَان، ثم عادت إلى الواجهة مِن جديد.
في العام 2017م، جمعتني مناسبة كنتُ أحضرها في القاهرة مع مواطنين من إثيوبيا وإريتريا، وفي خضم الحديث، تحدثنا عن التنمر الذي يتعرض له اللاجئين في مصر؛ فقالوا لي أنهم كمواطنين من إريتريا وإثيوبيا في خوفٍ دائمٍ بسبب السد الإثيوبي، وأن المواطنين المصريين يسألونهم كثيراً بشيء مِن القلق، وأنهم لو قالوا لهم أنهم من إثيوبيا أو إريتريا، يتعرضون للقذف بالألفظ الجارحة واللعنة والعنف اللفظي والتنمر. وهذا دليل قوي على أن بناء السد الإثيوبي له مردود سلبي على مواطني المنطقة المقيمين في مصر لأغراض اللجوء وطلب العلم أو رحلة علاجية، ويُشكل خطراً على سلامتهم في الأراضي المصرية. وعندما أقول المنطقة، أقصد بالمنطقة بعض دول منطقة حوض النيل: مصر، جمهورية السُّودَان، جمهورية السُّودَان الجَنُوبِي، إثيوبيا، إريتريا، جمهورية الصومال ودول أفريقية أُخرى ليست ضمن منطقة حوض النيل.
ومن أصعب الأمور أن غالبية المواطنين المصريين لا يميزون بين السُّودَاني والنيجيري والتشادي والإريتري والإثيوبي والصومالي. وغالباً ما ينظر المواطنون المصريون إلى مواطني دولة السُّودَان الجَنُوبي كمواطنين من دولة متواطئة مع إسرائل، وأن إسرائيل متوغلة في أراضيهم، وهذه صورةٌ رسمتها وسائل الإعلام المصرية للمواطنين المصريين. فكلما راوا أصحاب البشرة السمراء الموجودين في بلادهم، ظنوا أنهم من إثيوبيا، الدولة التي يرون أنها تهدد أمنهم المائي. ولاعتبار أن مصر تعتبر مسألة مياه النيل (مسألة حياة أو موت)، فإنني أخاف على حياة مواطني المنطقة في مصر.
أخيراً وليس آخراً، أود أن أُشارك معكم قصتي ... بينما كنتُ أعبر الشارع الرئيس بالقرب مِن مدرسة النُقراشي نهار يوم الأربعاء الموافق 24 يونيو 2020م، في منطقة حدائق القبة، صاح مواطن مصري من محل بيع البطيخ القريب قائلاً: "إنت من إثيوبيا.. إنت من إثيوبيا ..." وكان يصيح بصوتٍ عالٍ وبدرجة من الانفعال العصبي . ثم ركض نحوي وهو يحمل سكيناً حاداً كان يستخدمه في قطع البطيخ في محاولة للإعتداء عليَّ، لكن الرِّجَال القريبين سارعوا وأمسكوا به، وقالوا له: "في إيه يا عم؟ عيب .. عيب الكلام دا .. مش كل سمارة من إثيوبيا"، ثم تقدموا إليَّ بالإعتذار نيابةً عنه. ثم سألوني: "من أي بلد أنت ..." وقبل أن أُجبيهم بنفسي، أجاب أحدهم: "شكلو سوداني من جنوب السودان"، ومن كلامه، بدأ لي أن ذلك الرَّجُل يعرف وله القدرة على التمييز بين السُّودَانِيين ومواطني البلدان الأُخرى المقيمين في مصر.
في تلك الأثناء أخرجتُ هاتفي الجوال من جيبي في محاولة لتصوير الرَّجُل الذي حاول الإعتداء عليَّ، وهو في قبضة الرِّجَال العقلاء الذين هبوا وأمسكوا به، لكن رجلاً خلفي أمسك بيدي، وأخذ مني الهاتف وقال لي بالمصرية: "عايز تصور المشهد وتفضح مصر .. مش ها أسيبك تعمل كده .. مش ها أرجع لك التليفون إلا توعدني إنك مش ها تصور ... ثمُ أعاد إليَّ الهاتف بعد اقتياد الرَّجُل الذي حاول الإعتداء عليَّ إلى داخل مبنى قريب. بعد هذه الواقعة، ذهبتُ إلى محطة مترو كوبر القبة برفقة رجلين تطوعوا لمرافقتي سيراً على الأقدام. وكانوا قد تأثروا بالواقعة وإعتذروا لي كثيراً في محاولة منهم للتخفيف من الأضرار النفسية التي شعروا بأن الواقعة قد خلقتها.
ذهبتُ متأملاً ما كان سيحدث لولا تدخل هؤلاء الرِّجَال المصريين العقلاء، فشعرتُ بأننا مواطني البلدان الأُخرى المقيمين في مصر مهددين، وأن وجودنا هنا في القاهرة أصبح صعباً، وأننا سنموت قبل ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي. سلام يا الله .. سلام في الأرض ..
دور الصحافة والإعلام المصري
في ختام هذا المقال، لابد أن نتطرق إلى دور وسائل الإعلام المصرية فيما يتعلق بتناولها لمسألة سد النهضة. ينبغي على الصَّحَافة والإعلام المصري أن يتخلى عن دور شحن المواطنين المصريين سلباً فيما يتعلق بسد النهضة الإثيوبي. إن شحن المواطنين من قبل الإعلام المصري ووضعهم في حالة الاستنفار أو تعبئتهم للحرب، له مردود خطير على رعايا الدول الأُخرى المقيمين في مصر. وفي نهاية الأمر موضوع سد النهضة، موضوع يديرها المسؤولون المصريون في الحُكُومة المصرية على أرفع مستوياتها عبر التفاوض نيابةً عن الشَّعْب المصري مع المسؤولين الإثيوبيين وجهات دولية مثل الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن الدولي وجهات دولية أُخرى.
يجب على الصحافة والإعلام المصري توجيه المواطنين المصريين فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية التي تُثِيرُ قلق المواطن المصري مثل قضية سد النهضة الإثيوبي، بما يضمن سلامة المواطنين غير المصريين المقيمين في مصر. ودون ذلك سيشعر الجميع بخوف وخطر.
يهدف هذا المقال إلى إعلام إخوتنا المصريين أن الأمور تُرِيد أن تَخْرُجُ عن السيطرة، وأنها ينبغي ضبطها لضمان سلامة الجميع، وأنَّ المسؤول الأول المتسبب في ذلك هو الصحافة والإعلام المصري. إنَّ القضايا الإقليمية التي تُثِير الجدل هذه الأيام في وسائل الإعلام هي قضايا بين حُكُومات الدول، وليس للمواطنين القرارات فيها. في نهاية كلنا أفارقة، ومصر موجودة في أفريقيا، وعضواً فاعلاً ترأس الاتحاد الأفريقي لمدة عام كامل (2019م)، ما يعني أنها كانت رئيس لأفريقيا لمدة عام واحد.. ولا ينبغي على رئيس القوم أن يتنمر على قومه.. "وَلَيسَ رئيسُ القَومِ مَن يَحمِلُ الحِقدا" كما يقول المقنع الكندي شاعر قصيدة رئيس القوم الشهيرة.
ينبغي على الإعلام والصَّحَافة المصرية تثقيف المواطنين المصريين بأننا جميعاً أفارقة بغض النظر عن إختلاف الأعراق والألوان واللغات والثقافات والملل. ظلت مصر تشرب من مياه نهر النيل العظيم منذ وجودها على ظهر الأرض، وأنا مقتنع أن مصر ستشرب من نهر النيل حتى يوم البعث رغم إنشاء السد الإثيوبي.
3 يوليو 2020م
دينقديت أيوك صحفي وكاتب وشاعر من السودان الجنوبي
البريد الإلكتروني: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.