في تعقيب له على سلسلة مقالات للأستاذ عادل الباز ينافح فيها عن احقية الجيش في الاستثمار أورد دكتور عبد الله علي إبراهيم عدد من الحجج الناصعة – إزاء حجج الباز- في بيان خطل وبطلان هذه الاحقية المزعومة. ولا بأس في الإشارة باقتضاب هنا الى حجج واسانيد كل من الباز ودكتور عبد الله والتعليق على خطورة أفكار الباز لاحقاً. يتساءل الباز من اين جاءت فرية إن الجيوش ينبغي ألا تشتغل بالبزنس حتى لا تنصرف عن مجال عملها الأساسي ويستشهد بتجارب جيوش "عريقة" لها تجارب كبيرة في مجالات الاستثمارات ومن ضمنها الجيش المصري. ثم يضيف إن استثمارات الجيش المدنية تتأسس لمصلحة المعاشيين لتوفر لهم الحياة الكريمة .. ألا يستحقون أن يضمنوا رعاية لأسرهم وهم بعيدون عنها أو وهم شهداء؟. ويختم الباز بالإشارة الى ان شركات المنظومة العسكرية تصدّر الآن – من ضمن أنشطتها- اللحوم المذبوحة وانها سترفد الميزانية العامة بنحو مليار دولار. في رده على الباز، وصف دكتور عبد الله الجيوش "العريقة" التي استشهد بها الباز بالجيوش " قليلة الشغلة" وانه ليس من ديدن الجيوش ذات الارومة الانشغال بالتجارة و"اوساخ" السوق. ويشير دكتور عبد الله ايضاً الى استحالة ضمان الشفافية وخضوع الجيش للمساءلة. حسناً، في مقاله، يزعم الباز ان المطالبة بكف يد الجيش عن البزنس بمثابة دعوة لتفكيك الجيش، وهنا يحاول الباز قلب الامور راساً على عقب، اذ ان مطلب ابعاد الجيش عن البزنس في جوهره ما هو الا دعوة لتقوية وتعزيز الجيش في المقام الأول وتطبيع وضعه ليستطيع أداء واجباته المنوطة به على الوجه الاكمل، وهو هنا مثل مطلب عودة الجيش الى ثكناته فكل الامرين يهدفان لتقويه الجيش وتمكينه لا الانتقاص منه. فاشتغال الجيش بالبزنس يصرفه بالفعل عن مجال عمله الأساسي. وثمة طرفة منسوبه للدكتور خليل عثمان حيث يحكى انه علق على احد إخفاقات الجيش قائلاً: "ديل فاضين من بيع الصلصة". اما استشهاد الباز باشتغال الجيش المصري في الإعمال التجارية فلا يستقيم كحجة داعمة فلو قام الجيش المصري- اوغيره- بفعل امر خاطي فان الامر يظل خطاء ، بل هو اقرب للحجة الداحضة. والحقيقة ان مسألة اقحام الجيش في العمل التجاري واحدة من الاباطيل و"البلاوي" التي اخذناها دون تبصر من الجارة المصرية مثلها مثل "فرية" التأميم من قبل، وكلا الامرين جرا علي اقتصاد بلادنا الويلات. اما مسالة ضمان مصلحة معاشيي القوات النظامية – بل وغير النظامية – فهذا من اوجب واجبات الدولة ولا مسوغ لقيام الجيش برعاية منسوبيه عوضاً عن وزارة المالية وجهاز المعاشات والا فلتقم كل وزارة ومؤسسة بدخول السوق مثل أي تاجر لضمان هذا الحق. بيد ان أخطر شي في اقحام الجيش في مجال الاعمال التجارية هو الضرر الفادح والنشوية الذي يلحق ببنية الاقتصاد الوطني ويصيبه في مقتل مما يصعب معالجته على المدي البعيد، حيث يخرق مجموعة من المبادئ والاسس المؤسسة للاقتصاديات السليمة مثل المنافسة الحرة والتخصص والشفافية والمساءلة. فشركات المنظومة الأمنية – وشركات حكومية أخرى- تتمتع بامتيازات كثر، مثل الإعفاءات الجمركية والضريبية وتجنيب العائدات من العملات الحرة، مما اخرج بالفعل معظم شركات القطاع الخاص (الكيان الطبيعي لممارسة الاعمال) من سوق العمل كما حجم الاستثمارات الخارجية من الدخول لعدم القدرة على المنافسة في ظل ظروف غير طبيعية مما ساهم في تفاقم العطالة وركود سوق العمل وتدني الانتاج. إضافة الى ذلك، وبالإشارة الى مثال اللحوم المذبوحة الذي أورده الباز، فان القطاع الخاص بما له من خبرات تراكمية ودراية بالأسواق العالمية وقدرات فتية وإدارية فهو المؤهل لإدارة هذه العمليات بكفاءة وفاعلية لتحقيق قيمة مضافة "حقيقية" و"فعلية" من هذه الصادرات عوضاً عن أرباح صورية ناتجة عن إعفاءات ضريبية او عائد عملة حرة محسوبة على أساس سعر الدولار في السوق الموازي. أن القول بوجوب وترخيص انشغال الجيش بالبزنس لا تعدو ان تكون دعوة باطل اريد بها باطل، ولعل للباز في بذله مثل هذه الدعوة "عشم" خفي في جيش "مؤدلج" لخدمة اهداف أخرى. غير اننا نأمل ان تبادر المنظومة العسكرية من تلقاء ذاتها وبروح مهنية في مراجعة وتفكيك شركاتها خدمة لمصالح الوطن العليا وحفظا لمهنية الجيش. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.