شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالفيديو.. بشريات عودة الحياة لطبيعتها في أم درمان.. افتتاح مسجد جديد بأحد أحياء أم در العريقة والمئات من المواطنين يصلون فيه صلاة الجمعة    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما لا يجب ان تعرفه عن تاريخك: آثار الملكين تهارقا وشباكو بمعبد الكرنك بالأقصر .. بقلم: د. خالد عبدالقادر تاج الدين
نشر في سودانيل يوم 12 - 08 - 2020

حكم الملوك الكوشيون طيبة Thebes قرابة المائة عام وذلك ابتداءَ من سنة 751 ق.م. (1) حيث تورد بعض المصادر أن الملك كاشتا هو من قام بضم طيبة لمملكة كوش (2) بينما تقول روايات اخري بان ابنه بعانخي هو من قام بذلك (4). قام الكوشيون بعد فرض سيطرتهم على طيبة بإقامة حامية عسكرية وتعيين عدد من الموظفين الكوشيين بوظائف إدارية ودينية عليا بطيبة. وبلغت طيبة ذروة ازدهارها في عهد الملك تهارقا Taharqa (690-664ق.م). وقد انتهى حكم الكوشيين بانتهاء الاعتراف بالملك تانوتاماني Tanwetamani كحاكم على طيبة و مصر العليا بعام 656 ق.م. وقد شهدت طيبة خلال تلك الفترة نهضة دينية وفنية كبيرة جدا وذلك نسبة لاهتمام الملوك الكوشيون بها وبعمرانها ونهضتها (1).
يعتبر مجمع معابد الكرنك من اهم المعالم الآثارية المصرية بعد أهرامات الجيزة. ويحتوي على عدد كبير من المعابد والمباني المهمة. ونسبة لأهمية المعبد الدينية فقد وضع معظم الملوك الفراعنة بصماتهم عليه وذلك منذ تأسيسه بعصر الاسرة الثامنة عشر. ولكن لاحقا تدهور وضع طيبة أثناء فترة حكم الاسرة العشرون وذلك بعد تغييرهم لمكان دفنهم بعيدا عنها (1). الا أن المنطقة شهدت نهضة اخري بدأت مع وصول الاسرة الخامسة والعشرين للعرش حيث قام الكوشيون بعمليات ضخمة لإعادة بناء عدد كبير من المدافن وقاموا بتشييد مداخل إضافية لبعضها كما قاموا بإعادة بناء وزخرفة الصروح (البوابات) pylons والباحات المفتوحة والقاعات تحت الارض وزودوها بتماثيل جيدة الصنع تعكس وجه المملكة الجديدة بطيبة (3). وقد قام الكوشيون بعمل تغييرات على مراسم الدفن واعادوا تقليد بناء المدافن الضخمة وبناء المعابد الدينية الصغيرة chapels وذلك لأداء الشعائر الدينية المختلفة (1).
يهدف هذا البحث القصير لإلقاء الضوء على المساهمات الآثارية للملكين شباكو وتهارقا بمعبد الكرنك مع التركيز على معبد امون-رع. بالرغم ما لمعظم الملوك الكوشيين من إنجازات آثارية واضحة بالكرنك وبغيره من المناطق المصرية المختلفة لكن نسبة للتدمير والتشويه الذي شهدته معظم أعمالهم فان الخرائط التي توضح هذه الآثار بصورة كاملة يندر وجودها. سأعتمد في هذا البحث على خريطة اليزابيث بلايث Elizabeth Blyth (مصدر 4) وقد قمت بعمل إضافة لما هو غير موجود بها بصورة تقريبية وذلك لتوضيح الصورة للقارئ. قمت بتحديد المباني التي شيدها الملكان وتلك التي قاما بعمل إضافات لها او تعديلات او تجديد او صيانة وقد قمت بتوضيح وتفصيل هذه الانشاءات داخل النص. للتفريق بين إنجازات الاثنين قمت بوضع شكل سداسي ازرق لتوضيح اعمال شاباكا وشكل دائري احمر لتوضيح إنجازات تهارقا وبحالة اشتغالهما على موقع واحد وضعت الشكلين أحدهما داخل الاخر.
قام الملك شباكو والذي حكم بالفترة من 712-698 ق.م ببناء العديد من الأبنية الدينية والصروح بأماكن مختلفة كثيرة بنواحي مصر وذلك لان معظم اقامته كانت هناك. بمعبد آمون قام الملك بتشييد مبني خزانة معبد الكرنك وهو أول مبني خزانة بالالفية الأولي بني لهذا الغرض المتخصص (5). كما قام الملك شباكو بإعادة بناء الصرح الرابع Fourth Pylon الذي بناه تحمتس الرابع وذلك لأنه كان بحالة سيئة جدا وقد سجل الملك إنجازه على الناحية الغربية من البرج الشمالي للصرح اذ كتب قائلا أنه قام بصنعه كصرح لوالده امون رع، اله طيبة، وقام بإعادة بناء البوابة العظيمة (يقصد بوابة الصرح الرئيسة) وقد كساها بغلالة عظيمة من الذهب النقي الذي احضره من فتوحاته. ثم ذكر انه قد كسي الاعمدة خلف الصرح بالذهب أيضا وغطي قواعدها بالفضة. وقد حاول شباكو جاهدا الا تنسب صور وكتابات تحتمس له لذا قام بصيانتها واعادتها لصورتها الاولي فقط (6).
كما بدأ أيضا الملك شباكو عملية توسعة معبد الآله بتاح والذي بناه الملك تحتمس الثالث وقد قام بإضافة البوابتين B و D ليصبح عدد بوابات المعبد خمسا بدلا عن ثلاثة (6) ( صورة 1 وصورة 2 ).
بالإضافة لذلك قام الملك شباكو ببناء معبد لاخته اماني ريديس عرف باسم اوزيريس نب-انخ Osiris Neb-ankh وهو الآن بحالة سيئة للغاية لكن لايزال أسمي الملك شاباكا واماني ريديس موجودان على جانبي مدخله. كما بني معبدا اخر اشتهر باسم The chapel of Osiris-Onnophris-in-the-heart-of-the-perseatree بالقرب من معبد Osiris Heka Djet), بالناحية الشرقية لكن لم يتبق من هذا المعبد الكثير بالإضافة لبناء معبد آخر بالقرب من البحيرة المقدسة لم يتبق منه شيء الا 21 حجرا تم استخدامها بمعبد تهارقا (6).
كانت فترة حكم الملك تهارقا والتي امتدت لست وعشرون عاما (664–690 ق.م) حافلة بالإنجازات المعمارية خاصة العقد الأول منها والتي اعادت للمنطقة امجادها السابقة فقد نشط تهارقا بعمل انشاءات مذهلة. فبالجهة الغربية للمعبد باتجاه النيل قام الملك تهارقا بتشييد أجزاء كبيرة من سدود وغرف وجدران عازلة لميناء المعبد النهري كما قام بتعديل وتحسين أجزاء اخري منها (7). كما قام ايضا بتشييد منحدر rampجنوب المرفأ وقام ببناء اخر فوق منحدر أقدم حيث يربطان المعبد بالميناء. تم اثبات بناء تهارقا للمنحدر بالرغم من الملك بسماتيك Psamtik II قد قام بإزالة اسمه عنه (8) وذلك من ضمن حملته لتشويه اعمال الملك الكوشي والتي انتظمت العديد من أجزاء المعبد. توجد بالأجزاء الداخلية من المنحدر الذي قام ببنائه نقوش توضح انه كان يستخدم لاكمال الطقوس المتعلقة بالمياه بما في ذلك الإحتفال بالسنة الجديدة (9). كما يعتقد ان الملك قد اقام معبدا صغيرا لإداء المراسم المصاحبة للطقوس النيلية أقيمت على انقاضه لاحقا معبد هاكور Chapel of Hakor بالقرب من الشاطئ (4).
تم بالعام 2009 اكتشاف سد لحماية المعبد من الفيضانات بطول 250 مترا وعرض 1.6 مترا تم بناءه بوقت ما بعد فترة حكم الأسرة الثانية والعشرين وقد قام تهارقا بتطويره وتحسينه (10). وقد ذكر د.زاهي حواس وزير الدولة لشئون الآثار المصرية السابق أن المرسي الذي بناه تهارقا والذي اكتشف مؤخرا هو جزء من هذا السد (11). وقد استخدم الملك أجزاء من المرفأ لتسجيل ارتفاع مناسيب مياه النيل خاصة بالعام السادس من توليه العرش اذا ازداد ارتفاع النهر بصورة كبيرة كما سجل اربع حالات اخري لارتفاع منسوب النيل بنفس الموقع (4).
بالإضافة لذلك قام تهارقا بإضافة مداخل ضخمة ذات اعمدة لمقدمة معبد خونسو Khons Temple بالناحية الجنوبية الغربية (صورة 3) وبمعبد آمون-رع بالناحية الشرقية (4و9). كما أكمل الملك تهارقا انشاء معبد صغير لاوزيريس Osiris Neb-Ankh ناحية الشمال من الصرح الثالث Third Pylon وهو صغير الحجم وبواجهته نحت لتهارقا وهو يقدم القرابين بناحية وبالناحية الثانية زوجات الاله آمون اماني ريديس وشبينويببت وهما تقدمان قرابينهما وبني معبد آخر الى الناحية الجنوبية الشرقية من الصرح العاشر واسمه Osiris Ptah Neb-Ankh (9). وبالناحية الجنوبية الغربية قام الملك الكوشي بعمل تغييرات وتحديثات على معبد اوبت Temple of Opet قد كشفت الاستكشافات عن وجود احجار بناء نحت عليها اسمه بالمعبد ومن المرجح انه من قام ببناء بوابة ضخمة وممر أمام المعبد (9). كما قام أيضا بإضافة مدخل به عشرين عمودا لمعبد "موت Mut " ناحية الجنوب تبقي منها ثلاثة فقط وقد تميزت الأعمدة بانها مرصوفة بقطع جرانيت أحمر أو أسود بالوسط وقطع جيرية بالأطراف (4). قام تهارقا بتجديد الصرح الثاني والعاشر كما أضاف بوابتين لمعبد بتاح Ptah وأكمل أعمال أخري بمعبدي مونتو Montu وموت و جدد البحيرات المقدسة بمعبد آمون-رع وموت (المصدر نفسه).ايضا بعهد تهاراقا, قام حاكم الجنوب وكبير أساقفة امون الرابع مونتيمهات Montuemhat بصيانة المعابد بعد فيضان السنة السادسة (المصدر نفسه).
كما قام ببناء معبد من الحجارة الرملية شمال البحيرة المقدسة يعرف باسم Temple Taharqa او Edifice of Taharqa وقد فقدت أجزاء كثيرة منه ودمرت أجزاء اخري بحيث أصبح لا يكاد يعرف عنه شيء. يتكون الصرح من جزئين الأول فوق الأرض وقد فقدت الكثير من اجزائه ولم يتبق إلا القليل (صورة 4) والأخر تحت الأرض وهو محفوظ بشكل جيد ويستخدم الجزء العلوي لتمثيل حركة الشمس والسفلي لحركتها بالجزء المظلم وقد بني لممارسة شعائر دينية وطقوس متعلقة بإعادة بعث الآلهة وتنصيب الملوك واحتفالات أخري (12). كما قام بإنشاء مقياس لقياس مناسيب النيل (9) يعتقد انه صمم لأداء وظائف رمزية (15) لكن ارتباطه بالبحيرة المقدسة التي جددها تهارقا و قربه من النيل وطبيعة الأرض الرملية المسامية ترجح ان وظيفته اكبر من ذلك. وبالقرب من الصرح نصب تهارقا تمثالا لجعران فرعوني كبير يعتقد انه قد أحضره من معبد أمنحوتب الثالث وذلك لإداء مناسك متعلقة بإعادة مولد الشمس (4).
من الآثار القليلة التي لا يزال بعضها باقيا ما يعرف بكشك تهارقا العملاق Taharqa Kiosk of والذي يقع مباشرة خلف الصرح الأول بمنتصف الباحة ويتكون من صفين من الاعمدة كل منها به خمسة أعمدة على شكل زهرة البردي ويبلغ طوله 29 مترا وعرضه 20.5 متر ويبلغ ارتفاع اعمدته 19.75 مترا وتبلغ مساحته 529.5 مترا مربعا (13) الشيء الذي يدعو الى طرح تساؤل حول كيف يمكن ان يوصف صرح بهذه الضخامة باستخدام مفردة kiosk . للكشك مدخلان رئيسيان بالناحيتين الغربية والشرقية بالإضافة لمدخلين اخرين بالناحيتين الشمالية والجنوبية. ويمتد طريق مرصوف محاط بجدار قصير بكلتا الجانبين من مدخل الكرنك الى الناحية الغربية للصرح حيث وجدت بقايا تمثالان كبيران للملك ومسلتين صغيرتين يرجح انها كانت منصوبة بجانبي المدخل (صورة 5). ولأخذ فكرة عن الشكل الذي كان عليه فان الفيديو الموجود على اليوتيوب على الرابط التالي يحتوي على تصميم ثلاثي الابعاد له (https://www.youtube.com/watch?v=D34nkS8N5B4). يشبه هذا الصرح أعمال اخري للملك شباكو مثل ذلك الذي يوجد بمدخل معبد الأقصر Luxor Temple وبأماكن أخري (14). للأسف كل ما تبقي من الكشك هو عمود واحد فقط بعد دمار بقية الأجزاء (صورة 6) وقد بدأ هذا التدمير الممنهج منذ وقت بعيد حيث قام Psamtik II بإزالة اسم تهارقا عن النصب وأماكن اخري وقام Ptolemy IV بعمل تعديلات عليه وهذا الامر حدث بكثير من آثار الاسرة الخامسة والعشرين (14). بالرغم من أهمية هذا الصرح وبالرغم من اجراء J. Lauffray لحفريات بالموقع نهاية ستينات القرن الماضي الا ان الدراسات حوله لم تنشر بعد (13).
بالناحية الشرقية للكرنك وبمواجهة معبد رمسيس الثاني تقف بقايا حطام رواق تهارقا المعمد Taharqa's Colonnade. ويتكون من عشرين عمودا موزعة على أربعة صفوف والأعمدة على شكل زهرة البردي وقد تبقي منها عمودين فقط قام بتجميعها H. Chevrier بالعام 1925(13) (صورة 7). يشبه تصميم هذا الرواق تلك الموجودة امام معبدي خونسو ومونتو (11).وقد وجدت بالممر وسط الاعمدة مجموعتين من تماثيل قرد البابون كل منها به أربعة تماثيل تعبد اله الشمس (4). قام J. Leclant بالكتابة عن الموقع بالعام 1835 بعد وقت قليل من إعادة ترميمه لكن يظل بحثه غير مكتمل وذلك لان هذا هو الرواق الوحيد المحفوظ جيدا مقارنة بغيره ولم يتم إجراء أي تعديلات عليه (13).
واحد من معابد اوزيريس المفقودة والتي عثر على بقايا منها فقط كان مخصصا لزوجات الإله آمون وهما اخت تهارقا شبينويت الثانية وابنته اماني ريديس الاولي وقد بني داخل نطاق معبد مونتو. وقد تم تدميره تماما لكن عثر على قطع من حطامه بأساس مبني بطلمي بالقرب من الموقع وقد وضح من المعثورات ان واجهة المعبد كانت تصل إلى 10 أمتار وبمقدمته كانت هناك أربعة أعمدة وعلى واجهته وعلى الجانبين نحت لشبينويبت وأماني ريديس يقودهما الإله آمون.
بالسنة السابعة عشر قام الجيش الآشوري بقيادة أسرحدّون بمهاجمة مصر لكن تهارقا تمكن من هزيمته وبالسنة العشرين كرر أسرحدّون المحاولة ونجح في هزيمة تهارقا. وبعد إنسحاب الجيش الآشوري استطاع تهارقا استعادة عرشه وعند سماع أسرحدّون بذلك تحرك مع جيشه لمصر لكنه مات بالطريق. وقام خلفه آشور بانيبال بهزيمة الجيش المصري و وصل حتى طيبة مما إضطر تهارقا للإنسحاب لنبتة وقام الآشوريون بتنصيب أمير على المنطقة إلا أن ذلك لم يمنع تهارقا من إعادة فرض سيطرته حتى طيبة (4).شهدت اخر أيام حكم الأسرة الخامسة العشرين الدمار والسلب والنهب الذي قام به القائد الآشوري آشور بانيبال لمعابد طيبة بما فيها الكرنك (9) حيث قام بنهب ثروات لا تقدر بثمن (4).
يلاحظ ما يلي:
1- من خلال ها البحث تظهر ضخامة الإنجازات التي حققها الكوشيون وبالذات الملك تهارقا الذي امتدت اياديه لكل شبر بمعبد الكرنك واتضحت مساهماته المادية بعدد من مناطق مصر. ما فعله بسماتيك وغيره من إزالة اسم تهارقا وصوره وتشويهها بكل ما خلفه من آثار بمصر ومحاولته محو ذكر الملك الكوشي من التاريخ وتشويهها a damnatio memoriae حينها قد تكون مبررة لكن ما الذي يبرر ما يحدث من تجاهل الآن؟
لقد حاول المؤرخون التقليل من الإنجازات الكوشية وذلك باستخدام تسميات تقلل من شأن هذه الإنجازات على شاكلة إطلاق تسمية "كشك" على صرح تجاوزت مساحته خمسمئة متر مربع و فاق طوله العشرون مترا واطلاق اسم Osirian Temple of Taharqa على معبد تهارقا الواقع قرب البحيرة حيث لا نجد أسم معبد اخر الحق فيه اسم الملك الذي اسسه بعد اسم الاله المعبود بالصرح غير باسم هذا المعبد. بالإضافة لذلك فان وصف مقياس النيل لتهارقا بانه غير حقيقي psudeo (15) يعكس عدم معرفة بعض العلماء الأجانب بجيلوجيا منطقة لا يعرفونها فاذا كانت البحيرة المقدسة ممتلئة بالمياه طوال العام فان ذلك يرجع لفضل وجود مياه جوفية والتي غالبا ما يكون مصدرها النيل بحكم قربها منه وبحكم التربة المسامية الرملية التي تسمح بمرور هذه المياه. البحيرة المقدسة ومقياس النيل مرتبطان به ومن المعروف لسكان المناطق النيلية تأثير ارتفاع مناسيب مياه النيل على المياه الجوفية فهي ترتفع بارتفاعه وتنخفض بانخفاضه ووجود المقياس بالقرب من البحيرة لهو دليل على الارتباط الشديد بين الاثنين ولابد من دراسة هذا الأمر بصورة علمية اكثر. كما ينعكس هذا الأمر بتجاهل البحوث التي أجريت منذ منتصف القرن الماضي والتي لم يتم نشرها حتى الآن. وخلو الخرط المنشورة من ذكر هذه المواقع الأثرية. كما يلاحظ أيضا عدم الاهتمام بإعادة ترميم الآثار الكوشية حيث يلاحظ انها من ضمن القلائل التي لا تجد الاهتمام دونا عن بقية الآثار بالرغم من وجود عدد من الأسر الفرعونية الليبية ومنها الأسر من 21 إلى 24 والأسرة 26.
2-عدم الإهتمام الكبير بالآثار الكوشية بمصر بالرغم من ثرائها وانتشارها وتجاهل ذكر هذه الإنجازات بالمصادر العربية او الإشارة لها باقتضاب وبصورة عامة جدا دون الدخول في تفاصيل وهذا في إعتقادي أمر موروث من علماء المصريات الأوروبيين ومحاولاتهم إظهار الحضارة الفرعونية وكأنها خاصة بالعرق الأبيض فقط ولا علاقة لها بالأفارقة بها رغم من أن ما تثبته الوقائع التاريخية عكس ذلك.
3- اهمال وعدم اهتمام المصريون بالتراث الكوشي ومساهماته الواضحة بالتاريخ والاثار المصرية باعتبار أنه تراث غزاة وهذا منظور اوروبي استعماري لم يظهر الا بعد ظهور مفاهيم حدود الدولة المعاصرة. ان التراث الكوشي الفرعوني إرث تاريخي مصري ويجب الاهتمام والاحتفاء به مثله مثل بقية تراث الأسر الفرعونية الأخرى وهو جزء من تاريخ البلد قام بإثرائه وتطويره والتأثير عليه والاندفاع وراء موقف شوفيني chauvinistic view ينظر للسودان كدولة ضد ومغايرة غير منطقي وغير منتج لان هذه الاثار وان ظلت انتاج لملوك صنفوا لأسباب استعمارية تاريخية لاحقة بأنهم سودانيون الا انها جزء من تاريخ لم يفصله بهذا الشكل الا الاستعمار ومخلفاته.
4- إن التفكير بأن الكوشيين غزاة والتعامل مع إرثهم على هذا الأساس هو أمر مستحدث وخاطئ ومبني على أفكار معاصرة عن الحدود والهوية والجنسية لم تكن موجودة بتلك العصور. يجب الحكم على العلاقة بين الكيانين باستخدام مفاهيم عصرهم وليس مفاهيم عصرنا لان العلاقة وقتها تختلف تماما عن الشكل الذي يفسرها به بعض المعاصرين. و يتضح ذلك جليا برغبة الأهالي بطيبة في الإنفصال عن الشمال المصري ومناشدتهم للكوشيين لضمهم لمملكتهم (1) والتي توضح عمق العلائق الوطيدة ما بين الجانبين كما يتضح ذلك أيضا بإندماج الكوشيين وحماسهم للانخراط بالحياة الدينية والثقافية والإجتماعية بطيبة وقد وصل الأمر لنشوء علاقات اجتماعية ومصاهرة الكوشيين لكبار العائلات بالمنطقة (نفس المصدر) وبعد زوال حكم الاسرة الخامسة والعشرين تمثل عمق العلائق في الإبقاء على زوجة الإله آمون وأخت تهارقا و وكبير أساقفة امون الرابع مونتيمهات الذين عينهم الكوشيون بمناصبهم و زيادة قوة الاخير وسلطاته وذلك بعد صعود الاسرة السادسة والعشرين للحكم (4). كما يتضح هذا الامر بعودة تهارقا وتانوتاماني من بعده لعرش السلطة المرة تلو الأخرى بطيبة بعد إنسحابهم أمام غزو الاشوريين بسلاسة وسهولة ودون مقاومة تذكر من اهل طيبة رغم ان الفرصة كانت سانحة وذلك بسبب ضعف الكوشيين بعد هزائمهم بالمنطقة الا ان ذلك يعكس رضي و رغبة الأهالي ببقاء الكوشيين.
5- من المعروف ان الغزاة يأخذون ولا يعطون وهو ما يتعارض مع ما كان يفعله الفراعنة الكوشيون فقد نقلت الأموال والكنوز والذهب من مناطق سيطرتهم بالجنوب لتعمير وبناء مصر ومعابدها. قام الملك شباكو ببناء الخزانة وبيت الذهب بمعبد آمون وقد نقل له الذهب لتزيين وزخرفة معابد اسلافهم بالكرنك وغيرها ومن اجل الاحتفاء بالالهة ومعابدها. وان كان الكوشيون يظنون انهم غزاة او اغراب على ارض مصر لقاموا بسلب ونهب ما هو موجود مثلما فعل آشور بانيبال ولدمروا ما كان موجودا مثلما يفعل الغزاة. لقد مد الكوشيون الايادي البيضاء لاشقائهم ويكفي انهم حافظوا على آثار اسلافهم فقد كانوا يقومون بإعادة بناء وتعمير وتطوير ما قدم وتهدم من بناء اسلافهم من الاسر الفرعونية المختلفة ويظهرون احترامهم واجلالهم لهم بتزيين تماثيلهم وانصبتهم برقاقات الذهب والفضة.
المراجع:
-1 Morkot, Robert G. 2014. Thebes under the Kushites. In Tombs of the South Asasif Necropolis. Thebes, Karakhamun (TT223), and Karabasken (TT391) in the Twenty-fifth Dynasty. Elena Pischikova (ed.) Cairo: Cairo AUC, Chapter 1, pp. 5-22. ISBN-13: 9789774166181.
2-Morkot, R. 1999. The Black Pharaohs: Egypt's Nubian Rulers .
-3 Nancy K. Thomas. 1980. "A Typological Study of Saite Tombs at Thebes" (PhD diss., University of California, Los Angeles.
4- Blyth, E. 2006. Karnak: Evolution of a Temple by Elizabeth Blyth. London/New York: Routledge.
5- Strijbos, J.C. The construction activities of Shabaka
https://www.academia.edu/34301164/The_construction_activities_of_Shabaka
6-Garcia, Juan Carlos Moreno. 2016. Dynamics of Production in the Ancient Near East. Oxbow Books . ISBN: 9781785702839.
7-Boraik, M.; Gabolde, L.; & Graham, A.2017. Karnak's Quaysides Evolution of the Embankments from the Eighteenth Dynasty to the Graeco-Roman Period . In The Nile: Natural and Cultural Landscape in Egypt. Harco Willems, Jan-Michael Dahms (eds.). Mainz Historical Cultural Sciences. Volume 36.pp. 97-144. ISBN 978-3-8394-3615-8.
8-lauffray, J. 1971. Abords occidentaux du premier pylône de Karnak. Le dromos, la tribune et les aménagements portuaires, in: Kêmi 21 (= Les Cahiers de Karnak 4) p.p. 77-144.
9- Sullivan, Elaine A., 2010, Karnak: Development of the Temple of Amun-Ra. In ‘UCLA Encyclopedia of Egyptology' Willeke Wendrich (ed.). Los Angeles.
http://digital2.library.ucla.edu/viewItem.do?ark=21198/zz002564qn.
10- Hassan, Fekri A. 2015. Water Heritage of Egypt and Nile Region. In ‘The Cultural Heritage of the Water'. International Council on Monuments and Sites.pp.123-136.
11- Water barrier used to protect Karnak temples from Nile flood found in Egypt (4/2/2009).
https://www.oneindia.com/2009/02/04/water-barrier-used-to-protect-karnak-temples-from-nile-flood.html.
12-Cooney, Kathlyn M. 2000. The Edifice of Taharqa by the Sacred Lake: Ritual Function and the Role of the King. Journal of the American Research Center in Egypt, Vol. 37.pp. 15-47.
13-Hourdin, J.11- Etude des colonnades kouchites à Karnak. Presentation of the study on Taharqa's colonnade at Karnak -CFEETK-CNRS.
http://www.cfeetk.cnrs.fr/colonnades-kouchites-karnak/
14-Hourdin, Jérémy 2018.The Kushite Kiosks of Karnak and Luxor: A Cross-over Study. in Thebes in the First Millennium BC: Art and Archaeology of the Kushite Period and Beyond. E. Pischikova, J. Budka, K. Griffin (eds.).pp.255-271.London: Golden House Publications.
15- F. Graf. 2011. Der Ägyptische Bildwerke: Band II: Die Ägyptische Jenseitsvorstellung und Götter im alten Ägypten, (Norderstedt). 429.
أتقدم بالشكر الجزيل للبروفيسور عبدالرحيم محمد خبير بجامعة بحري والدكتور يحي علي إبراهيم بجامعة جازان على الملاحظات القيمة التي قدموها والتي ساعات على إخراج البحث بصورته النهائية.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.