قرأت تحريرا نشره مكتب الإمام الصادق المهدي تضمن ما قاله في الندوة الفكرية السياسية بعنوان (مخاطر التطبيع مع العدو الصهيوني)، والتي تمت بجامعة الأحفاد للبنات يوم السبت 26 سبتمبر 2020، وقال فيها الكثير والمثير من النقاط التي تستحق الوقوف عندها. ومن هذه النقاط مثلا قوله: (... بيان أن إسرائيل لأسباب محددة ليست دولة طبيعية بل دولة شاذة..) ليقول بعدها مباشرة: (... منذ تأسيس إسرائيل غرست حالة حرب مستمرة، ومشروع التطبيع الحالي لا دخل له بالسلام بل للتمهيد لحرب قادمة مع إيران ولخدمة لحظوظ انتخابية للرئيس الأمريكي ولرئيس وزراء إسرائيل...)! أولا، نحن يجب ألا نختلف حول حقيقة أن إسرائيل عندها من الحجج التاريخية ما يدعم موقفها بحقها في إقامة دولتها بأرض مهبط ديانتها ومقر معبد هيكل سليمان، كما أنها الدولة المتقدمة في التكنولوجيا والزراعة والاقتصاد والعلوم، والدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، التي تحكمها حكومة منتخبة، ويمكن فيها محاكمة وسجن رئيس الجمهورية لارتكابه جريمة تتعلق ببضعة آلاف من الدولارات! والسؤال الذي قفز إلى ذهني مباشرة بعد قوله هاتين العبارتين في مستهل ندوته هو: أليست إيران أيضًا دولة شاذة غرست، ولا تزال تغرس كل يوم جديد، الحروب، وتسعى بالفتن في جميع الدول العربية والإسلامية من حولها، وبأكثر مما تفعل إسرائيل؟! تأملوا بالله آثار ما فعلته إيران وتدخلاتها في العراق، وفي سوريا، وفي لبنان، وفي اليمن، والتي أنشأت في كل واحدة منها جيشًا عرمرما من الميليشيات التابعة لها، بدءًا من الصدريين في العراق، وحزب الله في سورياولبنان، ثم الحوثيين في اليمن، وهي الدول التي تكاد جميعها أن تتلاشى من الوجود نتيجة لتدخلات إيران في شؤونها، بكل ما تهدره من ثروات طائلة، كان الأولى بها صرفها لتخفيف معاناة شعبها المغلوب وغالبيتهم الفقيرة من المحتاجين، الذين يقتلهم العوز وكتمت حكومة الملالي الديكتاتورية الباطشة أصواتهم حتى لا يعترضوا! هل فعلت إسرائيل أكثر مما فعلت إيران في زلزلة وتفتيت جاراتها من الدول العربية والإسلامية؟! وهل يمكن لعاقل أن يلوم دولة الإمارات على توقيعها لاتفاق سلام مع إسرائيل يضمن لها الحصول على طائرات إف 35، لتحمي بها أرضها وشعبها من التهديد الإيراني الذي ظل يتربص بها، ويتحين الفرصة للانقضاض عليها؟! أليست البحرين أكثر أمان من شر إيران بعد توقيعها لاتفاق السلام مع إسرائيل؟! ماذا يريد الصادق المهدي من السودان أن يفعل إزاء ما تفعل إيران، ولماذا يخشى عليها بأكثر مما يخشى على ضحايا فتنتها من جيرانها؟! ولماذا كل هذا التباكي على إيران؟! هل يريدنا الصادق المهدي أن نستمر في معاناتنا، ونواصل في دفع الثمن الأغلى، من بين جميع دول العالم، لتحمل نتائج العنتريات العربية والإيرانية ضد إسرائيل، والتي ما قتلت ذبابة، حتى آخر قطرة من دمائنا، وحتى آخر لقمة من قوت أطفالنا؟! ولماذا لا يطالب إيران وحلفائها من أمثال حزب الله وما يسمون بدول الممانعة، بأن يوجهوا أسلحتهم ضد إسرائيل؛ بدلا من توجيهها نحو جيرانهم وأهلهم من شعوب الدول العربية والإسلامية، بينما يحاربون إسرائيل فقط بالعبارات الطنانة والخطب النارية؟! الحقيقة التي لا يجب أن تغيب عنا هي إن القضية الفلسطينية لا يمكن أن تحل إلا عن طريق السلام، وهو الطريق الذي سارت فيها، ولا تزال تواصل السير فيه الكثير من الدول العربية والإسلامية، وأهمهم الفلسطينيون أنفسهم، الذين وقعوا ثلاثة اتفاقيات سلام مع إسرائيل بدءًا من اتفاقيات أوسلو 1. والسودان حين يطبع الآن، يفعل هذا لأنه الموقف السليم والاتجاه الصحيح نحو حل القضية. كما يفعله للخروج من عنق الزجاجة، باتباع السياسة الخارجية الساعية لتحقيق مصالح شعبه، ورفع إسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وليس لأننا نريد أن ندعي كذبا التأثير بقوة نفوذنا على نتيجة الانتخابات الأمريكية! في عام 1967 أخرج الأستاذ محمود كتيبًا بعنوان (التحدي الذي يواجه العرب) دعا فيه الدول العربية إلى الاعتراف بدولة إسرائيل وبحقها في البقاء داخل حدود آمنة، وفقاً لقرار التقسيم الصادر من الأممالمتحدة. ثم أعقبه بكتاب آخر بعنوان (مشكلة الشرق الأوسط / تحليل سياسي/ استقراء تاريخي/ حل علمي)، في نفس العام، وهو العام الذى اطلق عليه العرب اسم عام النكسة. ولقد كان من ضمن ما جاء في كتاب (مشكلة الشرق الأوسط ) منذ ذلك الحين: (كما قلنا فإن اعتراف العرب بإسرائيل واقعيا، وعمليا حاصل، وكل المشاريع التي تقدم في المنظمة العالمية الآن ترمي إلى تسجيل هذا الاعتراف، لا يختلف في ذلك أصدقاء العرب، أو أصدقاء إسرائيل.. ولعل كل ما هناك من اختلاف بين الفريقين هو هل يكون الجلاء قبل تسجيل الإعتراف أم بعده؟؟ وهناك إصرار إسرائيل على التفاوض المباشر، وأمام هذا الإصرار فإن إسرائيل ستكون مستعدة لتنازل كبير قد لايكون ممكنا بغير قوة المساومة التي يحملها هذا الاعتراف بها من جانب العرب، ومن مصلحة القضية العربية ألاّ تضيع قوة المساومة هذه بتمسك العرب بعدم الاعتراف اللفظى، مع إن الاعتراف عمليا واقع، ومع الزمن فإن اسرائيل ستحصل على هذا الاعتراف، بدون أن تدفع عليه ثمنا كافيا للعرب).. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.