وطني أنحنا سيوف أمجادك ، ونحن مواكب نفدي ترابك ... هذا ليس فقط مقطع في قصيدة حماسية تُبث بلحن يُذاع .. ولكنها وثيقة عهد دَوّنها الشهيد صلاح سنهوري وهو يحمل لافتةً كَتبَ عليها هذا المقطع لتُهب الدماء مهراً لذُرى المجد وتفدي التراب .. وليكون الاستشهاد إختياراً واعياً يمضي فيه الأبطال محملين بأرث مستمد من بنية عقل اتسق فيه المثال بالفعال والمقال... وانتفض فيه الضمير ملبياً نداء صوت ما انبعث من وراء الحُجب أن درب الشهادة هو درب الأكابر الذين تَغلُبَ لديهم الهم العام على الهم الخاص . فتاقت الروح لعوالم ما بعد الوجود، وبعد إذ تحررت من اثقال الجسد، إتكأت على الأرائك كأريح ما يكون الإتكاء في عالم الخلود .. لتصير ذكرى الاستشهاد سِفراً تُستخلص منه الحكايا والعبر على مر الدهور والعهود. وليتذكر فيه أصحاب المطامع "المزروبة" داخل الذات بحبل من مسد ، أن من احتشدوا ليكونوا سيوفاً للوطن وفداء للتراب هم مَنْ سيقفون يوماً ما ليتساءلوا بينهم أي مشهد تمخض عن سير الحادثات ؟! وكيف صار الائتمان على ذلك العهد؟! ... أرعاه القادمون بعد الاستشهاد حق رعايته؟! أم أن استشهادهم اتُخذ مطيةً لأهواء تناهت عند احلام طريرة، ذروتها ( مكتبٌ مُكيفٌ ومبلغ مُظرّف و مظهرٌ مُزيّف) .... احلام ما كان لها أن تتحقق إلا بدماء من قطعوا ذلك العهد النبيل مع الوطن بأنهم سيكونون سيوف امجاد مسلولة ومواكب تحتشد لتفدي التراب.