فوجئت الحاضنة السياسية للحكومة الإنتقالية في السودان صبيحة الثاني من نوفمبر / تشرين الثاني 2020م بتعديلات الوثيقة الدستورية منشورة في الجريدة الرسمية، دون إستشارتها، وكانت الحاضنة وحتى أمسية اليوم السابق تجدد رفضها إجراء اي تعديلات على الوثيقة الدستورية دون موافقة المجلس التشريعي المقترح، لقد كان حدثا له ما بعده، و مثلما كان توقيع إتفاقية السلام بجوبا في الثالث من أكتوبر /تشرين الأول 2020م، إشارة لتبدل المواقف، فقد تم اعتمادها رغما عن رفض غالب أطراف قوي التغيير التي تمثل الطرف المدني في الحكم. لقد رحبت أطراف كثيرة خارجية بتوقيع إتفاقية جوبا للسلام دون تحفظ، خاصة أن الأبواب مفتوحة لبقية الحركات المسلحة ، كما أن اي (كوة) لبصيص امل ينسل منها ضوء وبشارة السلام ينبغي أن تكون محل إحتفاء، ولكن للأمر أبعاد اخري في حسابات قوي الحرية والتغيير ويمكن إيجازها في نقطتين: * إن دخول قوي جديدة في مجلس السيادة (إضافة ثلاثة أعضاء ليصبح العدد 14) وخمسة وزراء في مجلس الوزراء و25 ٪ من المجلس التشريعي تعني ان هناك برنامج جديد وقوي سياسية جديدة وآراء جديدة وليس الأمر حكرا على (قحت). وهذا يقتضي توسيع الحاضنة السياسية وتشكيل تحالفات جديدة. * إن تحالفات جديدة قد تبلورت ، ومعادلة جديدة وقوة مؤثرة قد تقترب من هذا الطرف (المكون العسكري) أو ذاك (المكون المدني) أو على الأقل لم يعد الأمر قسمة بين إثنين، وفى هذا تعدد للمشارب والورود. وعليه فإن إبرام التعديلات على الوثيقة الدستورية دون إعتبار لآراء (قحت)، يعني أن صفحة جديدة فتحت. (2) وغير بعيد عن ذلك، فإن قوي إعلان الحرية والتغيير واجهت تحديات واسعة وشهدت حالة من الإنقسام والتخاصم، ففي أبريل 2020م أعلن حزب الأمة برئاسة الإمام الصادق المهدي تجميد نشاطه في قوي إعلان الحرية وأشار في بيان لأهم الأسباب ومنها: * اضطراب موقف القيادة السياسية لقوى أعلان الحرية والتغيير بصورة مخلة. بعض مكونات التحالف الثوري سادرة في مواقف حزبية، وأخرى تفاوض مجلس السيادة بلا تنسيق مع الحرية والتغيير، و إعلان الحرية والتغيير لم يمنع بعض مكوناته من المزايدات لدرجة المناكفة. الاختلاف حول الملف الاقتصادي صنع اصطفافاً حاداً بلا إمكانية لاحتوائه. تناول ملف السلام دون منهجية).. وتلاه حزب التجمع الإتحادي وفي نوفمبر / تشرين الثاني 2020م انسحب الحزب الشيوعي السوداني من كل هياكل إعلان الحرية والتغيير وسحب كل كوادره، وانسحب حزب البعث، وكانت خلافات إجرائية قد ابعدت تجمع المهنيين السودانيين، وفى مايو 2020م ابدي حزب المؤتمر السوداني انزعاجه من أداء الحاضنة السياسية وطالب بتغييرات هيكلية، لكن الحزب هاجم دعوة الحزب الشيوعي لتتريس الشوارع والطرقات في وقت لاحق. و إجمالا فإن قوي الحرية أو الحاضنة السياسية قد تفتت أيدي سبأ وفقدت أكثر عناصر قوتها.. وجدير بلإشارات أيضا في ذات السياق : * لقاء الفريق أول البرهان مع قيادات سياسية حزبية من تحالف سودان العدالة (تسع) يوم 10 نوفمبر الجاري . * الموقف المبدئ الذي اتخذه عضو مجلس السيادة الفريق شمس الدين كباشي يوم 2 نوفمبر الجاري ورفضه الموافقة على مقاربات ورشة فصل الدين عن الدولة مع الحركة الشعبية (مجموعة الحلو)، رغم توقيع د. حمدوك إعلان مبادىء مع الحركة بأديس أبابا. * تداعيات موكب 21 أكتوبر /تشرين اول الماضي، حيث غلبت الأصوات الداعية لإسقاط الحكومة وكان واضحا تآكل فاعلية الحاضنة السياسية وقواها، فقد كانت ذات سطوة في الشارع السوداني، كما تراجع الصدى الإعلامي، بل اصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مؤشرا عن خيبة الأمل والإحباط الشعبي العام. * المضي قدما في ترتيبات ملف السلام، وقد تهيأت الخرطوم للإحتفال بإستقبال قادة الحركات المسلحة والمسارات المختلفة يوم الأحد 15 نوفمبر 2020م.. وكل هذه الوقائع تشير إلى أن ثمة متغيرات جديدة، يضاف إليها حراك خارجي قام به البرهان شمل مصر واثيوبيا ويتوقع ان يتوجه للسعودية والإمارات، وخطاب إعلامي برز من خلال لقاء البرهان التلفزيوني يوم 26 أكتوبر /تشرين الأول حيث تحدث بثقة أكثر وثبات وتجاوز حالة التردد والإستدراك وعبر عن آرائه بوضوح وخاصة في قضيتي التطبيع مع إسرائيل ومعاش الناس، واعطي إنطباعا بتعاطفه مع معاناة المواطن. (2) ومن بين ثنايا كثير من الشواهد فإن هناك نقاط يجب التركيز عليهما : اولا: إنفتاح البرهان على قوي سياسية جديدة، ومن اللقاءات المعلنة، تباحثه مع مولانا محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الإتحادي الديمقراطي بالقاهرة وسبق ذلك لقاء قوي المسار الوطني وقوي تحالف سودان العدالة مما يشير للإنفتاح على قوي جديدة . ثانيا: تراجع فاعلية وتأثير الحاضنة السياسية، وقدرتها على المناورة، مع تحييد الحكومة الانتقالية برئاسة د. حمدوك لصالح الإنفتاح السياسي. وثالثا : تضمين التعديلات الجديدة مادة تتيح لأطراف إتفاقية السلام الترشيح في الإنتخابات القادمة، وغني عن القول أنها من جانب الحكومة فإنها تشمل ( البرهان وحميدتي وحمدوك وكباشي)، فهل يطرح البرهان نفسه زعيم مستقبلي ويمهد الطريق لذلك بإنفتاح سياسي.. ربما والشواهد عديدة وإلى ذلك فإن موازين القوى اليوم ليست ذاتها قبل شهر. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.