يُذَكِّرُني طُلوعُ الشَمسِ صَخراً وَأَذكُرُهُ لِكُلِّ غُروبِ شَمسِ وَلَولا كَثرَةُ الباكينَ حَولي عَلى إِخوانِهِم لَقَتَلتُ نَفسي وَلَكِن لا أَزالُ أَرى عَجولاً وَباكِيَةً تَنوحُ لِيَومِ نَحسِ أَراها والِهاً تَبكي أَخاها عَشِيَّةَ رُزئِهِ أَو غِبَّ أَمسِ وَما يَبكونَ مِثلَ أَخي وَلَكِن أُعَزّي النَفسَ عَنهُ بِالتَأَسّي فَلا وَاللَهِ لا أَنساكَ حَتّى أُفارِقَ مُهجَتي وَيُشَقُّ رَمسي (الخنساء تبكي شقيقها صخرًا) وما يبكي الباكون اليوم مثل بكائي لأخي عمر وإن أحاول أعزي نفسي بالتأسي فكل طلوع شمس سيذكرني به وسأذكره عند كل غروب شمس. ومع طلوع فجر الجمعة المباركة اليوم غربت عن الآفاق الدنيوية عندنا شمس شقيقي وقرة عيوني عمر عبدالمحمود بل "إبن الخطاب" كما كان يحلوا لوالدنا عليه رحمة الله ان بناديه. أسوة ببسالة الفاروق سيدنا عمر ونصرته للإسلام وعدله وصدقه خليفة وأميرًا سمحاً عادلًا متواضعاً وأيقونة متفردة فى سجل تاريخ الحكم والحضارة الإسلامية. وكان الفأل حسناً وكان شقيقي عمر نعم قدوة الشباب وهو فى ريعان شبابه وجمال هندامه ورونقه ما كان فى القهاوي جلاَّسا ولا في الأنادي ونَّاساً بل كان من خيرة شباب الخرطوم تلاتة حي كترينة مجاورًا آل البيلي وآل أبوشوك وبحكم سلوكه المستقيم وطيب معشره صاروا يعتبرونه كواحد من أبنائهم وعندما تزوجت جاؤونا بمسيرة بص كامل يغنون ويزغردون ورحم الله عبدالمنعم البيلي صديق شقيقي عمر الصدوق البشوش الذي رحل هو كذلك عنا قبل سنوات قليلة مضت. بعد أن انتهى عمل عمر بشركة التجارة الحديثة بالخرطوم إنضم إلى فريق عمل شقيقنا بل الوالد الشيخ مجذوب حفظه الله بالخرطوم بعمارة الصحف الإستقلالية ومن ثم بسوق السجانة. رحل من الخرطوم تلاتة وجاور بالسجانة الموسيقار فتاح الله جابو وآخرين وعن تلك الجيرة كنت أزور الموسيقار فتاح كلما أحضر للسودان. كان يحب الإستماع لعميد الفن أحمد المصطفى وفى السياسة كان فقط للأزهري إسماعيل الحب والإحترام والولاء لذلك الحزب الوطني. كما كان لشقيقي عمر المشاركة فى أنشطة إجتماعية عديدة منذ أيامه ساكناً بالخرطوم تلاتة وحتى أيامه الأخيرة. منها كان سكرتيرًا لكرة الطاولة وقد مثلها فى وفد السودان فى بلاد كثيرة منها اليابان والسويد والدول العربية مصر والسعودية وغيرها. كان صاحب صوت جميل إذا يتلوا قرآناً ويعشق أدب المدائح ويجيد محباً مديح قصائد كثيرة من ديوان الشيخ المجذوب خاصة قصيدة " صببت دموعا ً يشهد الحزن أنها أتت من فؤاد بالغرام متيم" وقصيدة " انفحة مسك أم شذى روضة شذى أم ابتسمت ليلى ففاح لنا العرف" وقصيدة " صلينا مشتاقين لسيد الكونين" " وياذا الكرم سرمد صَلي على أحمد". كان عمر شاعراً رقيق المشاعر وإنسانا يحب كل أطياف البشر ومن أصدقائه من الشعراء الشاعر صلاح حاج سعيد على سبيل المثال. كان له سياسة تعامل طابعها خصوصية الإحترام للصغار والكبار فلا فرق ، فتجده فى سوق السجانة يمزح مع عمالهم أيام كانوا من أبناء الجنوب قبل الإنفصال وكان ذو رأفة شديدة وإنحياز للمهمشين من ابناء السودان خاصة النازحين من مجاهل الغرب الحبيب فكان يتصدق بالمال والكساء عليهم، منهم من كنا نعلم بهم ومن لا نعلم. تعلمت عليه قيادة السيارة وأنا بالمرحلة الدراسية الثانوية فكان نعم المعلم الصارم! ولنا معه مخزون الذكريات الجميلة الذي لا ينضب وتاريخ فاز بيننا فيه بنكران الذات واستعداده لخدمة الآخرين بكل طيبة خاطر. جابراً للخواطر كان عمر بلا حدود. ربي أجبر خاطره بالفردوس الأعلى. فجر هذه الجمعة المباركة هكذا خرجت روح طاهرة من جسد نحيل فعطرت تخوم السموات تعبر المجرات والعوالم الامرئية فوق تصور البشر وتكنولوجية علومهم القاصرة ، تعبر العبور المهيب لتلقى ربها ملك الملكوت والملوك والأكوان، بإذنه راضية مرضية، فما أعظم مهابة اللقاء بالرفيق الأعلى. ويبقى لنا فى دنيانا الفانية أن الموت حق ومحطة وقوف لتذكرة لها معناها الكبير ومحطة الفراق ومساحات الفراغ بفقد حبيب قريب لصيق وثمرة در طيب سقطت من اعلى شجرة طيبة. مع الخالدين فى أعلى جنات الفردوس يا عمر ، رحمة الله عليك رحمة واسعة تعمك والله أسأله متضرعا أن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة. بالحزن العميق اليوم يودع الصبر محب ودعك ولكن برحيلك هذا للقاء ربك أقول لك "ما أسعدك" . الحمد لله، إنا لله وإنا إليه راجعون. العزاء لكل أهلي ومعارف أخي عمر. كثير الشكر أخصه لكل الذين تكبدوا المشاق فواسوننا معزين متصلين من السودان والسعودية والإمارات وهولندا وأمريكا وكندا، وانجلترا جزاهم الله أحسن الجزاء وأسأل الله أن لا يريهم نقصاً أو مكروهاً فى عزيز لديهم عبدالمنعم عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.