مدينة الثغر وعروس البحر أسماء أطلقها محبي بورتسودان عليها كناية لموقعها المميز المطل كالثغر علي ساحل البحر الأحمر الغني بالشعب المرجانية الفريدة في اشكالها وألوانها وتعتبر ميناء بورتسودان من الموانئ المحمية لأنها تقع داخل لسان مائي يتفرع من البحر لداخل المدينة .. بدا التفكير في إنشاء الميناء عام 1904 كبديل لميناء سواكن الذي حاصرت مدخله تكاثر الشعب المرجانية وانتهي العمل فيها بالافتتاح الرسمي عام 1909 علي يد الخديوي إسماعيل باشا .. بدأت تجربتي مع مدينة بورتسودان عندما انتقلنا إليها مع والدي في أواسط الستينات من القرن الماضي وكان في ذاك الزمان من يسكن بورتسودان كأنما اغترب خارج الوطن لبعدها عن مدن السودان الكبيرة مثل الخرطوم وعطبرة وكسلا .. كانت بورتسودان في تلك الحقبة من أنظف المدن وآية في الجمال ذات الطابع المميز من المباني المشيدة بالواح الخشب أو مكعبات البلك الاسمنتية بسبب رطوبتها العالية التي لا يمكن أن يصمد أمامها حتي الحديد الصلب الذي يتآكل بفعل الصدأ .. المدينة تتوزع علي ثلاث اقسام: - البر الشرقي ويضم منشآت الميناء ومخازنها وأحياء عمالها وموظيفها في حي الاسكلة وديم التيجاني وأبو حشيش وسلبونا وترب هدل - القسم الأوسط ويضم مجمعات السكة حديد من ورش ومحطة الركاب والبضائع ومساكن العاملين فيها .. اضافة للأحياء الراقية مثل حي السوق والاغاريق وديم العظمة وديم المدينة - البر الغربي ويشمل الأحياء السكنية العريقة مثل ديم سواكن، ديم كوريا، ديم موسي، حي البوستة وديم الشاطيء وترانسيت وحي المطار، دار النعيم ودار السلام .. هذا علي سبيل المثال وليس الحصر لأن المدينة تمددت أطرافها خلال الثلاثة عقود الماضية .. بعض الأحياء او الديوم في بورتسودان اكتسبت أسمائها من المكونات القبلية التي تقطنها مثل ديم تكارين وديم العرب وديم برتي وأخري إستمدت أسماءها من لغة أهل المنطقة مثل ديم دبايو وهدل .. من المعالم الكبيرة التي لا يمكن أن نغفل عنها عند الحديث عن مدينة بورتسودان مدرستها الثانوية الحكومية العريقة التي أنشئت في مباني ثكنات الجيش الإنجليزي التي أضيفت إليها مؤخرا مباني الفصول الدراسية الأنيقة المكونة من طابقين و كانت المدرسة تضم سبعة انهر لكل مرحلة و معامل حديثة لأقسام الكيمياء، الفيزياء والاحياء .. وكان هناك مسرح للنشاط الفني والثقافي وشهدنا فيه مولد الفنان الأسطورة مصطفي سيداحمد الذي تفتقت موهبته علي ذلك المسرح .. المدرسة كانت أشبه بالسودان المصغر حيث كان يؤمها الطلاب من كل أقاليم السودان المختلفة إبتداء من عبري ومروي وكريمة في الشمال مرورا بالوسط من الحواتة، ودسلفاب ومدني ومن الغرب طلاب الفاشر والأبيض وكادوقلي وحتي الجنوب توافد منهم طلاب من المديريات الثلاثة إضافة لطلاب الشرق الحبيب ولا انسي أيضا الطلاب المبتعثين من اليمن وحضرموت لدراسة المرحلة الثانوية في السودان .. المدرسة كانت هجين متعدد اللغات والسحنات والثقافات انصهرت في بوتقة فصول الدراسة وحياة الداخليات التي كانت تحمل أسماء بعض مناطق الشرق مثل داخلية القاش، سنكات، جبيت، اربعات، طوكر .. لم يحدث طوال سنين دراستنا بالمدرسة أن نشبت خلافات قبلية أو جهوية بين طلاب المدرسة لاننا كنا لا نميز بعضنا البعض باي تصنيفات عنصرية أو سياسية .. الجميع كانوا اخوة متحابين ومتماسكين يتنافسون علي الدرجات العليا الأمر الذي وضع المدرسة في أعلي سلم مراتب المدارس المتفوقة علي مستوي السودان مثل مدارس حنتوب وخورطقت العريقتان .. للأسف الشديد قامت الإنقاذ البائدة بتحويل مدرسة بورتسودان الثانوية الي جامعة البحر الأحمر لينتهي ذلك العهد الزاهر لمدرستنا العريقة التي خرجت الآلاف من الرموز الشامخة في مجالات الطب، الهندسة، الزراعة، البيطرة، الاقتصاد، القانون والقوات النظامية في الجيش والشرطة من الضباط المتميزين الذين تقلدو أعلي الرتب فيها .. بالمناسبة خريجي مدرسة بورتسودان الثانوية يطلقون عليها اسم غابة الصندل لأن أبناءها كانوا مثل أشجار الصندل الأصيلة التي يفوح منها ذلك العطر المميز .. حقيقة المجال لا يتسع للحديث عن مدينة في قامة بورتسودان لأنها تختلف عن كل مدن السودان ابتداء من مناخها وفصول السنة الذي يختلف ترتيبها عن بقية أقاليم السودان لذلك كانت الاجازة الصيفية للمدارس تبدأ من يونيو وتنتهي في اكتوبر نسبة لجوها الحار الخانق في تلك الشهور الذي تسببه الرطوبة العالية .. في اغلب الاحيان يلجأ سكان المدينة خلال شهور الصيف الي مصايف اركويت، سنكات وجبيت التي تمتاز باعتدال طقسها في الصيف بسبب إرتفاعها الشاهق عن مستوي سطح البحر (حوالي عشرة الف قدم) أيضا ما يميز بورتسودان تركيبتها السكانية الفريدة التي تتكون من معظم قبائل السودان اضافة الي تلك اللهجة المحلية المتداولة بين الناس والمصطلحات الخاصة بها التي يمكن أن نقول عليها ماركة بورتسودانية مسجلة ختاما .. يكفي بورتسودان فخرا أن نطلق عليها ثغر السودان الباسم وعشق كل أهلها حين كنا نردد ونغني مع الفنان فاروق بورتسودان: بورتسودان يا جنة .. يا قبلة أهلنا .. د. عبدالله سيد احمد 19/12/2020 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.